16-مارس-2017

الحفاظ على أطفالنا يبدأ من الوعي بأجسادهم (Getty)

لا أذكر أنني اعتبرت نشأتي في مدرسة راهبات شيئًا أضر انتمائي لدين مغاير، ولا أذكر أن وجود الجنس الآخر حولي في الدراسة شكل أي مشكلة نفسية لي، ربما لقلة عددهم أصلًا في كلية تتسم بالطابع النظري ولا يسعى إليها الشباب مثل كلية الألسن (اللغات) في جامعة عين شمس بالقاهرة.

أحكي هذه المقدمة لأعلق على التسجيل الصوتي لإحدى الأمهات التي انزعجت من تقبيل ولد لابنتها. وأذكر واقعتين حدثتا لي.

إدراكنا المجتمعي لعلاقة الأطفال في المدارس المختلطة، فهو إدراك مشوه صنعته إدراكات مشوهة أخرى عن الدين والعلاقات الإنسانية

الأولى في أول يوم في الحضانة لابنتي، وهي حضانة مختلطة يعني بها الأولاد والبنات معًا، وهو أمر شائع بالمناسبة، سلمت الفتيات الصغيرات على ابنتي وقبلنها، وحين عرض طفل صغير أن يقبل ابنتي قالت له المعلمة بطريقة هادئة: "بل سلم عليها بيديك فقط" كأم شعرت بشيء من الراحة لهذا الوعي، وتركت الأمور للمعلمات.

اقرأ/ي أيضًا: أن تكوني أمًا لذكر

نحن أيضًا متورطون في هراء التنميط. كنت في حضانة أخرى وكنا في أشد فصول الصيف حرارة وحين وجدت الأولاد والبنات من الأطفال يسبحون في حوض سباحة واحد، تململت. وحين راجعت مستشارتي النفسية أذكر أنها سخرت مني قائلة بالحرف "سالخير يا عسل! إنهم أطفال".

أما التأطير الأخلاقي في العلاقة بين الولد والبنت هو إطار تربوي خالص، ذو طابع إرشادي، القيم والأخلاقيات إحدى عناصره إلى جوار الديني والاجتماعي ويتمايز هذا الإطار بين المجتمعات، كل مجتمع حسب نموذجه الأخلاقي وطبيعة إدراكه للعلاقات.

أما عن إدراكنا المجتمعي لعلاقة الأطفال في المدارس المختلطة، فهو إدراك مشوه صنعته إدراكات مشوهة أخرى عن الدين والعلاقات الإنسانية تشبعنا بها طوال الوقت، حتى خرج داعية ديني يقول إن من يرى امرأة غير محتشمة ولم يتحرش بها لفظيًا فهو غير رجل.

هذا الإدراك العقيم لما يجب عليه أن تكون الفحولة العربية وضعني أمام مقابلة، أجراها بلال فضل مع الكاتب والمفكر العراقي علاء الدين الأعرجي وهو يتحدث عن جرائم الشرف في سيرته الذاتية، والتي جرت أحداثها في حي الكرادة حيث أهل المدينة مشبعين بعادات البداوة والعقلية الريفية تحكم وتتحكم حتى في القانون، الذي شجع الفتى جارهم على قتل أخته وجعل أخاها بطلًا وهو يسلم نفسه للقانون، وجعل من القانون بندًا آخر متسامحًا مع الفتى، فكانت أقصى عقوبة يمكن أن تتطبق عليه في القانون العراقي هي ستة أشهر فقط!

اقرأ/ي أيضًا: 11 سؤالاً يجب أن تطرحيه قبل زفافك!

هذا الإدراك المشوه لفكرة العلاقة بين الطرفين في المزاج الشرقي لطالما طفحت، وما زالت تطفح مياهها الآسنة في مجتمعنا من حين لآخر، وتُظهر تحيزات زائفة لمسميات ضخمة لا تمت لمحتواها بصلة انتصرت في أعماقها لقيم الفحولة والذكورة و"المعزة والجدي" وأغفلت قيمًا أخرى مثل الوعي الجنسي منذ الصغر.

أفضل ما نقدمه لأبنائنا أن نمنعهم وراثة "الخراء" المجتمعي، الذي يحظر الجنس الآخر دون فهم لطبيعة العلاقة وما يجوز وما لا يجوز فيها

كان عمر ابنتي سنتين حين قررت في عيادة الأطفال محاصرة طفل صغير وتقبيله، وقتها كنت أعتبر القصة كلها كوميدية من أولها لآخرها، أنا ووالدة الطفل، بينما أبدت إحداهن من أمهات الأطفال امتعاضها من تسامحي، وبدأت في إطلاق تعليقات اعتبرتها وقتها "مما لا يجوز الرد عليه"، وكوني أعرف أحيانًا أكثر ما قد يضايق النساء من بني جنسي وهو "التجاهل التام"، فقد اعتبرتها غير موجودة وحمدت الله أن طفلتي من الغضاضة ما يجعلها لا تفهم ما الذي تقصده السيدة.

الحفاظ على أطفالنا يبدأ من الوعي بأجسادهم، وبالتسامح "المدروس" لاكتشافهم هذا العالم وبتنويع الرسائل التي تهدف إلى حمايتهم من الآخر المجهول. وبعد دراستي القصيرة في مجال التوعية الجنسية للأطفال فقد خلصتُ إلى أن ما يحميهم بالضرورة هو الوعي والفهم، وليس الحظر والمنع وكهرباء التعليمات المجوفة.

أفضل خدمة نقوم بها لأبنائنا هي أن نمنعهم وراثة "الخراء" المجتمعي، الذي يحظر الجنس الآخر لمجرد الحظر دون فهم لطبيعة العلاقة، وما يجوز وما لا يجوز فيها. أن نكون أصدقاءهم وأن نفتح معهم ذلك الخط الساخن المفتوح بين الأصدقاء، وهو خط يُفتح من سن مبكرة جدًا، بالابتسامة وسعة الصدر قدر الإمكان.

اقرأ/ي أيضًا:
المرأة التونسية..بين أحلامي وأسرتي؟
ما لا يسعك جهله عن التعليم المنزلي