الوجود العسكري المصري في سيناء.. هل يٌقلق إسرائيل حقًا؟
7 ابريل 2025
تشهد الحدود المصرية الفلسطينية في الأيام الأخيرة أجواء من التوتر لم تعرفها منذ عقود طويلة، تكشفت في صورة سجال سياسي وإعلامي متبادل، بين القاهرة وتل أبيب، جراء التواجد العسكري المصري في سيناء، والذي يرى الإسرائيليون أنه وصل إلى مستويات متقدمة أثارت القلق والمخاوف لما تحمله من تداعيات وتعكسه من رسائل تضع الأمن الإسرائيلي في مرمى الاستهداف.
وفي أحدث المعارك السجالية الدائرة فوق هذا المسرح، تحدثت تقارير صحافية إسرائيلية عن تقدم حكومة الكيان المحتل بطلب إلى كل من واشنطن والقاهرة من أجل تفكيك ما أسمته "البنية العسكرية"، التي أقامها الجيش المصري في سيناء، فيما نقلت صحيفة "إسرائيل هيوم" عمن وصفته بأنه مسؤول أمني إسرائيلي رفيع المستوى قوله إن تلك البنية تمثل "انتهاكًا كبيرًا" للملحق الأمني في اتفاقية السلام الموقعة عام 1979، مشددًا على أن المسألة تحظى بأولوية قصوى على طاولة وزير الأمن الإسرائيلي، يسرائيل كاتس.
هويل إسرائيلي واضح للانتشار العسكري المصري في سيناء، رافقه تصعيد في الخطاب الإعلامي، وبلغة هجومية ملموسة، وسط تهديدات وتحذيرات لأول مرة تطال اتفاقية السلام المبرمة بين البلدين
وتجاوز الأمر حاجز الامتعاض من هذا الانتشار العسكري المصري في سيناء إلى استخدام نبرة تهديدية حتى وإن كانت بلغة دبلوماسية هادئة، إذ أكد هذا المسؤول الإسرائيلي الذي رفض ذكر اسمه أن بلاده "لن تقبل بهذا الوضع"، لافتًا أن "المشكلة لا تقتصر على دخول قوات عسكرية مصرية إلى سيناء بما يتجاوز الحصص المتفق عليها وفق الملحق العسكري لاتفاقية كامب ديفيد، وإنما تكمن في تعزيز البنية العسكرية المصرية بشكل مستمر، وهو ما تعدّه إسرائيل خطوة غير قابلة للتراجع بسهولة" على حد وصفه.
وتنظم اتفاقية السلام الموقعة بين البلدين في 25 آذار/ مارس عام 1979 شكل الوجود العسكري على الحدود بين الدولتين، اللتين أكدتا التزامهما بإطار السلام في الشرق الأوسط المتفق عليه في كامب ديفيد المؤرخ في 17 أيلول/سبتمبر 1978، والذي يمنع التهديد باستخدام القوة أو استخدامها بين طرفيها وتلزمهما بحل كل المنازعات التي تنشأ "بالوسائل السلمية"، وشُكلت بموجبها لجنة تنسيق عسكرية مشتركة.
تتكون الخطة المصرية من ثلاث مراحل ومن المقرر أن تستغرق عملية الإعمار، وفقًا للخطة، فترة لا تتجاوز خمس سنوات.
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) February 19, 2025
اقرأ أكثر: https://t.co/LjAS84NAYC pic.twitter.com/LnOlmCKxwQ
تهويل إسرائيلي واضح للانتشار العسكري المصري في سيناء، رافقه تصعيد في الخطاب الإعلامي، وبلغة هجومية ملموسة، وسط تهديدات وتحذيرات لأول مرة تطال اتفاقية السلام المبرمة بين البلدين، ما أثار الكثير من علامات الاستفهام حول الدوافع والأهداف الإسرائيلية من وراء هذا التضخيم ولماذا في هذا التوقيت وماذا عن موقف القاهرة وتعاطيها مع هذا الملف..
بداية.. ما حجم ومستوى ونوع الانتشار العسكري المصري في سيناء؟
لا يٌنكر أحد بطبيعة الحال وجود تحركات عسكرية مصرية بالفعل في سيناء، وهو ما كشفته المؤسسة العسكرية المصرية بشكل لا لبس فيه، خاصة بعد سيطرة جيش الاحتلال على محور فيلادلفيا الحدودي في آيار/ مايو 2024، والاستعراض التي قام بها جنوده على الشريط الحدودي المقابل، ما اعتبر حينها استفزازًا للمؤسسة العسكرية المصرية.
وتشير التقديرات الصادرة عن خبراء عسكريين أن التواجد العسكري للجيش المصري في سيناء يشمل 88 كتيبة عسكرية، تتضمن 42 ألف جندي، و3 فرق عسكرية كاملة، و1500 دبابة ومدرعة، علاوة على بعض مشاريع تطوير وتوسيع مدارج المطارات العسكرية، وتعزيز شبكات الدفاع الجوي والأرصفة البحرية.
وبهذا يتجاوز الانتشار العسكري المصري في سيناء ما سمحت به اتفاقية السلام الموقعة بين الجانبين، والتي وضعت سقفًا لهذا التواجد لا يتعدى 50 كتيبة مصرية، بما يتضمن 22 ألف جندي مصري فقط، ما يعني أن هناك 20 ألف جندي فائض عن العدد المسموح به، بخلاف المشروعات البنيوية التي قامت بها الدولة المصرية خلال الأشهر القليلة الماضية.
لكن هنا تساؤل أخر: ما الذي دفع المصريين لتعزيز تواجدهم الحدودي مع الأراضي الفلسطينية؟.. خبراء ومراقبون أرجعوا هذا الأمر إلى العديد من الأسباب منها الانتهاكات الإسرائيلية في محوري فيلادلفيا ونتساريم، واحتلال رفح الفلسطينية، والتحرش بين الحين والأخر بالجانب المصري، وهو ما حمل بين ثناياه تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري، وعليه جاء هذا التحرك الذي اعتبره البعض رد فعل طبيعي ومنطقي على الممارسات الإسرائيلية.
قلق إسرائيلي مبالغ فيه
التحركات المصرية في سيناء قوبلت بقلق شديد من الجانب الإسرائيلي، تجاوز حاجز الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، إلى أروقة الدبلوماسية الإسرائيلية ومراكز الأبحاث المعتبرة، ويمكن الوقوف على حجم هذا القلق من خلال 3 تصريحات محورية:
الأول: التصريحات الصادرة عن السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، داني دانون، في الأول من شباط/ فبراير الماضي ، والتي عبّر فيها عن القلق من القدرات العسكرية المصرية، قائلا خلال مقابلة له مع إذاعة "كول بارما" الإسرائيلية: "إنهم (المصريون) ينفقون مئات الملايين من الدولارات على المعدات العسكرية الحديثة كل عام، ومع ذلك ليس لديهم أي تهديدات على حدودهم، لماذا يحتاجون إلى كل هذه الغواصات والدبابات؟ بعد 7 أكتوبر، يجب دق أجراس الإنذار، لقد تعلمنا الدرس، يجب أن نراقب مصر عن كثب ونستعد لكل سيناريو".
الثاني: التصريحات الصادرة عن سفير إسرائيل لدى الولايات المتحدة، يحيئيل لايتر، والذي أعرب فيها عن مخاوفه من هذا التواجد المصري المكثف، إذ أطلع رؤساء المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة على هذا التحرك، ووصف الوضع بأنه "لا يطاق" بحسب صحيفة "إسرائيل هيوم".
الثالث: تحذيرات المحلل الإسرائيلي، ياكوف بيلان، وهو باحث مشارك في مركز بيجين السادات للدراسات الاستراتيجية في جامعة بار إيلان الإسرائيلية، خلال تحليل نشره على موقع "جويش نيوز سنديكيت"، حين قال إن "إسرائيل وافقت على أن تقوم مصر بإدخال قوات إلى سيناء لمكافحة الإرهاب، لكن اليوم نواجه تشكيلات لقوات عسكرية ضخمة مستعدة للمعركة".
هيئة "البث الرسمية" الإسرائيلية قالت إن مصر قدمت مقترحًا جديدًا في محاولة لتقريب وجهات النظر بين حركة حـ ـماس و"إسرائيل"، ضمن جهود التوصل إلى اتفاق تهدئة.
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) April 5, 2025
اقرأ أكثر: https://t.co/I067mGD0fI pic.twitter.com/OCWGB7q5WY
وأضاف المحلل الإسرائيلي أن مصر "أنشأت ثلاثة مطارات؛ واحد منها على الأقل مخصص للطائرات المقاتلة، بالإضافة إلى تخزين احتياطيات ضخمة من الوقود"، كاشفًا في الوقت ذاته عن تشييد "أنفاق تخزين كبيرة في سيناء، للتخزين الاستراتيجي للمعدات العسكرية، ومعابر وأنفاق تمكن التشكيلات العسكرية الكبيرة من الوصول إلى سيناء خلال ساعات قليلة" على حد قوله.
زخم إعلامي وتضليل متعمد
المتابع للإعلام العبري منذ بداية العام الجاري يجد أن التحركات العسكرية المصرية في سيناء قد احتلت مرتبة متقدمة في خارطة تناوله، الخبري والتحليلي، وسيطرت بشكل لافت للنظر على أغلفة بعض الصحف والمواقع وشاشات الكثير من الفضائيات، وسط تساؤلات عدة عن هذا الزخم الإعلامي المفاجئ وتسليط الضوء غير المسبوق على مثل هذا الحراك.
هذا الزخم غير المٌبرر دفع فريق بحثي إسرائيلي متخصص في الكشف عن المحتوى المضلل المنشور على الإنترنت، والمعروف باسم مشروع "المراسل المزيف" لإجراء تحقيق شامل، وتحليل محتوى للمضمون المقدم خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، وتغطية المناقشات التي تطرقت للتحركات المصرية على الحدود والمخاوف من نشوب مواجهة عسكرية بين مصر وإسرائيل.
وكشف التحقيق الذي نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية أن معظم تلك المناقشات مضللة ومبالغ فيها وتهدف لتحقيق مآرب أخرى لا علاقة لها بالواقع، منوهًا أن الخطاب الإعلامي الإسرائيلي خلال الأونة الأخيرة قد عزف على بعض النقاط الرئيسية أبرزها : "التعزيز والبناء العسكري المصري"، اتفاقية كامب ديفيد وهم خطير"، "السياسة المصرية ضد إسرائيل"، و"السيطرة المصرية على الحدود وآثارها.
وخلص التحقيق إلى حالة الاندهاش التي تخيم على المؤسسة العسكرية الإسرائيلية من الأيادي الخفية التي تروح لمثل تلك الشائعات حول حول النوايا المصرية والاستعدادات لمهاجمة إسرائيل، لافتًا إلى أن مثل هذا الأمر ربما يرجع لزيادة الخوف والذعر في الجمهور الإسرائيلي، الذي أصيب بصدمة بالفعل منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.
هل هذه هي المرة الأولى؟
سؤال أخر كاشف بشكل كبير عن حالة التضخيم الإسرائيلي للتواجد المصري في سيناء نصه كالتالي: هل هذه هي المرة الأولى التي تكثف مصر من نشاطها العسكري في سيناء؟ وهل هذه هي المرة الأولى التي تُزيد فيها من تواجدها بما يتجاوز المسموح به وفق اتفاقية السلام الموقعة بين البلدين؟
يرى الخبير العسكري والاستراتيجي المصري، اللواء أركان حرب محمد رفعت جاد، أن تلك التعزيزات تُنفذ بشكل اعتيادي وغير مقلق منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة في تشرين الأول/أكتوبر 2023. وأضاف في تصريحات صحفية أن الجانب المصري يتخذ أعلى درجات التأمين على حدوده، ويكثّف عمليات الاستطلاع والمتابعة الدقيقة والمستمرة للوضع الأمني.
وكشف الخبير المصري أن مثل تلك التحركات العسكرية داخل سيناء تُعد "حقًا سياديًا ومشروعًا" للدولة المصرية في إطار الحفاظ على استقرارها الداخلي والأمني في سيناء أو الحفاظ على النظام العام، منوها أن "تلك التحركات قد تكون مقلقة من منظور إسرائيل إذا تجاوزت القواعد التي وضعتها معاهدة السلام أو إذا أثارت الشكوك بشأن نوايا مصر العسكرية" أما ما دون ذلك فلا قلق منها على الإطلاق.
وأوضح أن هناك تنسيق وتفاهم أمني مشترك بين القاهرة وتل أبيب منذ عام 2015، يسمح بتعزيز مصر لقواتها العسكرية وتواجدها المسلح في سيناء، بما يتجاوز المسموح به بحسب اتفاقية السلام المبرمة بين الطرفين، في إطار تعاون الطرفين في القضاء على الجماعات المسلحة في سيناء، وهدم الأنفاق التي تربط بين غزة والجانب المصري.
ما أهداف تل أبيب من وراء هذا التضخيم؟
إذا كان التواجد العسكري المصري في سيناء ليس بالحجم المقلق كما أنه ليس الأول من نوعه، فلماذا كل هذا التضخيم والتهويل الإسرائيلي والذي وصل إلى حد بث ونشر أخبار مضللة بشأنه؟ وما هي الأهداف التي يسعى نتنياهو وحكومته لتحقيقها من وراء تسليط الضوء على هذا النشاط الاعتيادي التقليدي على الحدود مع مصر؟
هناك ثلاثة أهداف رئيسية يحاول الاحتلال تحقيقها من وراء هذه السياسة:
أولًا: الضغط على مصر
تراهن إسرائيل على أن تضخيم الوجود العسكري المصري في سيناء سيسهم في رفع منسوب الضغط السياسي على القاهرةالتي ستكون مطالبة بتفنيد تلك المخاوف، ومحاولة إرسال رسائل طمأنة لإسرائيل والمجتمع الدولي، من خلال مسارين، أولهما الضغط على حماس لتقديم المزيد من التنازلات على طاولة المفاوضات، وثانيهما تشديد الرقابة على الحدود بما لا يسمح بتسلل أي دعم من أي نوع يذكر للغزيين داخل القطاع، مقاومة وشعبًا.
وكان مسؤولون إسرائيليون يدندنون بين الفينة والأخرى على وتر مساعدة الجانب المصري في تسليح المقاومة الفلسطينية عبر التهريب الحدودي ومن خلال الأنفاق، وهي الاتهامات التي كانت تنفيها مصر عمليًا من خلال تكثيف عمليات إغراق الأنفاق الحدودية وارتفاع السور الحاجز بين رفح المصرية والفلسطينية.
ثانيًا: الإبقاء على دعم الحلفاء
المجتمع الإسرائيلي في مجمله لا يمكنه أن يحيا دون عدو، فوجود العدو ضمانة لاستمرار دعم الحلفاء في الخارج، ممن يتعاملون مع تل أبيب كذراعهم الطولى في المنطقة، الذي يحافظ على مصالحهم ويترجم أجنداتهم التوسعية في الشرق الأوسط.
وفي حال تصدير صورة وهمية للعالم باستهداف الكيان وتربص جيرانه به عبر التعزيزات العسكرية، من شأنه أن يعزز من دعم الحلفاء لها، سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا، واستمرار هذا الدعم عبر حشد دولي مُعتبر، وغض الطرف عن أي انتهاكات أو تحفظات بشأن ممارساتها الميدانية خلال حرب غزة، وهو ما تحتاجه تل أبيب بعد الخسائر التي تكبدتها على أيدي المقاومة طيلة أشهر الحرب الـ 15.
"كانت #مصر على مرّ تاريخها الممتد لأكثر من خمسة آلاف عام لاعبًا مؤثرًا على الساحة، ورقمًا صعبًا لا يمكن تجاهله، وقوة لا يُستهان بها".
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) February 4, 2025
تقرؤون المزيد في مقال الصحفي المصري عماد عنان: https://t.co/b9pBFFgYwM pic.twitter.com/hnebktccX4
ثالثًا: تماسك عقد الجبهة الداخلية من الانفراط
شهدت الجبهة الداخلية الإسرائيلية منذ بداية الحرب في غزة من تمزقات وتشققات عدة، وسط تحذيرات متصاعدة من انفراط عقدها، وذلك بسبب تباين وجهات النظر بشأن إدارة الحكومة لهذه الحرب، حيث تصاعدت الانتقادات سواء من الشارع الإسرائيلي أو عائلات الأسرى أو حتى المعارضة، فيما زادت وتيرة الانسحابات من الحكومة قبل أن يتراجع المنسحبون لاحقًا.
وفي هذه الوضعية فإن الحل الوحيد لالتفاف الجبهة الداخلية حول الحكومة ونبذ الخلافات البينية هو خلق تهديد أكبر، وتصدير تحد وجودي، يهدد مستقبل الكيان والإسرائيليين، وليس هناك أفضل من التهويل من التواجد العسكري المصري في سيناء والحديث عن استهداف الداخل الإسرائيلي للقيام بتلك المهمة.
وفي المحصلة، فإن الحديث عن تهديد مثل تلك التحركات لمستقبل اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل هو حديث يفتقد للموضوعية والبرغماتية التي ينشدها البلدان، إذ أن كلاهما أحرص على استمرار الاتفاقية من الأخر، وقد سبق المحتل حليفه المصري في خرق بنود الاتفاقية عمليًا حين اقتحم وسيطر، بشكل منفرد، على فيلادلفيا ورفح، ومخالفتها بذلك شروط التنسيق اللازم مع القاهرة قبل الإقدام عليها.