10-يناير-2018

أحد اجتماعات الهيئة الوطنية للصحافة في مصر (فيسبوك)

قرارات وبيانات وأخبار متتالية تشعرك أنك أمام جهاز أمني مهمته مناهضة العمل الصحفي والإعلامي، والدفاع المستميت عن النظام دون مراعاة لحقوق أهل المهنة ومع تعد واضح عليها، إنها حالة مصرية خالصة، تمثل ما وصل له الإعلام المصري وهيئاته الحكومية.

اختصت الهيئات الحكومية المختصة في الصحافة في مصر في الدفاع المستميت عن النظام ومناهضة العمل الصحفي الحر دون مراعاة لحقوق أهل المهنة  

باختصار يمكنك أن تعتبر تلك الهيئات، سيف الأمن على رقاب الصحفيين وحرية الرأي والتعبير، وآخر إبداعات الهيئات الحكومية المختصة في الإعلام كان صدور قرار بمنع سفر الصحفيين في الصحف الحكومية لـ7 دول، دون الحصول على إذن من الهيئة الوطنية للصحافة، فيما يستمر المجلس الأعلى للإعلام  في لعب دور الشرطي من خلال استدعاء كاتب صحفي، بسبب مقال يحمّل الأجهزة الأمنية مسؤولية هدم الكنائس.

اقرأ/ي أيضًا: قانون الإعلام الموحد في مصر..انتكاسة أم إنجاز؟

منع السفر

في 19 من كانون الأول/ديسمبر الماضي، أصدرت الهيئة الوطنية للصحافة قرارًا أحيط بالسرية لعدة أسابيع إلى أن سُرب عبر مواقع التواصل الإجتماعي، وملخص القرار الموجه لرؤساء مجالس إدارات ورؤساء تحرير الصحف الحكومية، منع الصحفيين العاملين بالصحف القومية من السفر إلى سبعة دول هي "لبنان وسوريا وفلسطين وتركيا والسودان واليمن وليبيا"، إلا بعد الحصول على إذن من الهيئة أولًا.

محمود كامل عضو مجلس نقابة الصحفيين قال لـ"الترا صوت": "في الوقت الحالي دور الهيئة مكافحة الصحافة وليس إدارة الصحف القومية ورئيس الهيئة يتعامل مع رؤساء التحرير ومجالس الإدارات بمنطق الأستاذ في الفصل الدراسي ويمسك لهم العصا"، وتابع: "قرار الهيئة يعد تدخلًا في العمل الصحفي، وتعديًا على دور إدارات التحرير في تلك الصحف، الهيئة تعتبر شركة قابضة للصحافة المملوكة للدولة، وتختص بإدارتها ماليًا وليس تحريرًا، لأنه وفقًا للمعروف والمتبع هناك فصل بين الإدارة التي تمثلها الهيئة وإدارة التحرير في المؤسسات".

وحول التشابه الذي يحمله القرار مع قرارات سابقة صدرت من وزارة الداخلية المصرية بمنع سفر المواطنين من عمر 18 إلى 45 عامًا لعدة دول إلا بعد الحصول على موافقة الأمن الوطني، كتب خالد البلشي، عضو مجلس النقابة ومقرر لجنة الحريات السابق عبر صفحته على موقع فيسبوك: "القرار يحمل صيغة أمنية ولا يمكن  قراءته خارج سياق قرار سابق للجهات الأمنية بضرورة الحصول على إذن من الأمن قبل السفر لنفس الدول".

 

 

استاء الصحفيون المصريون من قرار الهيئة الوطنية للصحافة القاضي بمنع الصحفيين العاملين بالصحف القومية من السفر إلى عدد من الدول إلا بعد الحصول على إذنها واعتبروه مسًا بالحريات

الهيئة بررت القرارات وقالت عبر بيان أصدرته إن "القرار يهدف للمحافظة على أرواح الصحفيين في المناطق الخطرة التي تعاني من حروب، في حالة السفر باسم المؤسسات في مهام صحفية"، وتابع البيان "فيما عدا العمل باسم المؤسسة، من حق أي صحفي أن يسافر كيفما يشاء وله مطلق الحرية". وأكدت الهيئة أن "الأمر لا يمس من قريب أو بعيد حرية الصحافة بل يتعلق بالحفاظ على سلامة الصحفيين".

ولكن البيان لم يشر لأسباب التخوف الأمني الذي يحيط بالصحفيين في دول مثل تركيا ولبنان مثلاً ليست فيها نزاعات مسلحة، وبطبيعة الحال لم يذكر البيان تفاصيل وكيفية الحماية التي تتحدث عنها الهيئة للصحفيين خلال السفر، مع العلم أن الحماية تغيب عن الصحفيين في مصر وفقًا للجنة حماية الصحفيين، التي تؤكد أن مصر تحتل المركز الثالث عالميًا في عدد الصحفيين المعتقلين، وقتل في مصر نحو 8 صحفيين مصريين وأجانب بين عامي 2011 و2014 وفقًا لليونسكو.

اقرأ/ي أيضًا: حرية التعبير في مصر.. خطوات نحو تشريع الانتهاكات وتقنين القمع!

هيئات أمنية وليست صحفية..

التخوف من قرار الهيئة لم يكن الأول ولن يكون الأخير فالحذر من الهيئة ورئيسها كان منذ اللحظة الأولى لإعلان تشكيلها، وتسببت طريقة عملها في تأكيد تلك التخوفات، ومنذ إعلان تشكيل الهيئة في نيسان/أبريل الماضي، غاب التنوع وجميع الأعضاء من مؤيدي السيسي فقط، حتى إعادة اسم رئيس الهيئة "كرم جبر" للمشهد بعد اختفاء لسنوات، يؤكد نية السيسي ونظامه السيطرة على العمل الصحفي في مصر.

كرم جبر، هو الرئيس الأسبق لمجلس إدارة مؤسسة روز اليوسف الصحفية الحكومية، وأحد مؤيدي ومهندسي الدعاية لجمال مبارك، نجل الرئيس السابق حسني مبارك، الذي أطاحت ثورة 25 كانون الثاني/يناير 2011 به، وبالنظر لتاريخ جبر الحافل بالدفاع عن النظم السياسية القمعية والعلاقات المتصلة العميقة مع الأجهزة الأمنية فإن عودته مثلت استكمالًا لتقييد العمل الصحفي والتضييق على أهل المهنة وربط الصحافة بالنظام من جديد ومعاقبة أي رأي معارض داخل الصحف القومية.

وبالبحث في قرارات وأخبار الهيئة مؤخرًا، تجد كل ما سبق ذكره من تفرغ للدفاع عن النظام ومهاجمة أي جهة حقوقية أو صحيفة تصدر تقريرًا ضد النظام المصري، ووصل الأمر لمطالبة جبر بمحاكمة منظمة هيومن رايتس ووتش دوليًا بعد تقرير حول التعذيب في مصر، مع انعدام كامل للحديث عن المعتقلين من الصحفيين أو المختفين قسريًا حتى ممن يعملون في جهات تابعة للصحف القومية.

تسيطر ثلاث هيئات تتحكم في الإعلام والصحافة في مصر ويختار أعضاءها رئيس الجمهورية، وهي الهيئة الوطنية للإعلام والصحافة، والتي يتولى رئاستها نقيب الصحفيين الأسبق مكرم محمد أحمد، والهيئة الوطنية للصحافة وعلى رأسها كرم جبر، والهيئة الوطنية للإعلام والتي يترأسها حسين زين. ويمثل مكرم الحد الثاني للسيف الأمني ويتسابق مع جبر في القيام بدور شرطي الدولة من خلال ملاحقة القنوات وكتاب المقالات والصحف.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مصر.. التعيينات الإعلامية إرضاءً لرجال الرئيس

سليمان الحكيم ليس الأول.. تحريض متصاعد ضد الصحفيين في مصر