27-سبتمبر-2016

كان لا بد من حدث يؤدي بالخميني إلى فرض سطوته على الجماهير تمهيدا للتحكم بها على هواه، وكان ذلك الحدث هو أزمة اقتحام السفارة الأمريكية (Getty)

يتابع وزير الخارجية الأمريكية ساويرس فانس في مذكراته تفاصيل الدور الأمريكي في الثورة الإيرانية، قائلًا: "كنت أتفق مع تقدير سوليفان للموقف، وفي 7 كانون الثاني/يناير أوصيت كارتر الذي كان عندئذ يحضر قمة الغواديلوب للزعماء الغربيين، بأن أُخول بفتح طريق مباشر مع الخميني في باريس. وكانت خطتي أن أفعل هذا من خلال السفير تيودور اليوت، وهو من كبار موظفي الخارجية المتقاعدين، وأكدت لكارتر أن الغرض من الاتصال بالخميني ليس التفاوض، وإنما إبلاغ رسالة مؤداها أنه ما لم يمنح بختيار وقتًا لإقامة حكومة قادرة على البقاء، فإن الشيوعيين قد يمسكون بقيادة اليسار الراديكالي. لكن كارتر رفض وقرر أن يتصل هاتفيًا مع الرئيس فاليري جيسكار ديستان ويرجو أن تحث الحكومة الفرنسية الخميني بأن يمنح بختيار فرصة إقرار النظام ووافق جيسكار ديستان على الاتصال مع الخميني حسب رجاء كارتر. (هنا تجدر الملاحظة بأن كارتر أراد أن يلصق هذا الاتصال بالخميني بظهر فرنسا ليس أمريكا).

كان لا بد من حدث يؤدي بالخميني إلى فرض سطوته على الجماهير تمهيدًا للتحكم بها على هواه، وكان ذلك الحدث هو أزمة اقتحام السفارة الأمريكية

هنا تدخل حادثة اختطاف الامريكيين واحتجازهم في سفارة طهران، وهي التي يقول عنها فانس محاولا تبرئة الخميني منها -ص 139- قائلًا: "قد لايعرف أبدًا بالضبط دور الخميني في اعتقال الرهائن، وعلى كل، فأيًا كان دوره، يبدو واضحًا أنه مع نهاية تشرين الأول/أكتوبر كان قد قرر أن يمنح دعمه الخطابي للغوغاء. وشعرت أن الخميني زعيم حازم ذو جاذبية شعبية ولا يسبح ضد التيار. إنه يفضل أن يتحرك مع تيار الرأي العام. ربما كان الخميني لم يقرر استخدام الرهائن كنقطة تجميع لخلق دولة إيرانية جديدة، إلا أنه وبعد أن رأى رد الفعل الجماهيري الهستيري والتقط طاقة الرهائن على توحيد المجموعات المتصارعة ضد عدو أجنبي مكروه".

أقرأ/ي أيضًا: الهلال الشيعي..مشروع أمريكي أم إيراني (1/3)

لم تصغ هذه الأحداث المتسارعة وآخرها حتى الآن احتجاز الرهائن الأمريكان في 4 تشرين الثاني/نوفمبر، نواة "جمهورية الخميني" فحسب بل صاغت استراتيجية أمريكا المستقبلية تجاه إيران وسياسة فرض العقوبات، محركها كما يعلن زعيم الدبلوماسية الأمريكية في مذكراته: "حماية شرف الدولة ومصالحها، واستخدام الدبلوماسية الصبورة والضغط الدولي بدلًا من استخدام القوة العسكرية -خشية إنعاش الحماس الشيعي للاستشهاد-" كما يقول فانس ص 140. يقول فانس ص 147: "بقيت أهداف الخميني ودوره في أزمة الرهائن غير واضحة، والمثير أنه بدا أنه ليست لديه حرية في الحركة. فحقيقة كونه كان يستخدم الرهائن لتقوية سيطرته على الثورة تشير إلى أن سلطته لم تكن مطلقة".

طبعا اليوم بات واضحًا أن ما جرى من تطور للأحداث والمواقف الدبلوماسية منها والعسكرية هي مجرد تكتيكات ريثما يتمكن الخميني من السيطرة على الجماهير، فالجهاد الشيعي كان من المطلوب أن يوجه لمكان آخر كي يتمكن الأمريكان من السيطرة على "السيل البشري" الذي يمتاز به استغلال الشعور الديني في إيران والشرق الأوسط.

اقرأ/ي أيضًا: لماذا ترامب هو مرشح الأحلام لداعش؟

لاحقًا تفجرت الحرب "الخمينية الشيعية" مع العراق الذي يحكمه "صدام السني"، وكل ما كان قبل الغزو الامريكي للعراق كان يشوش على الهدف الاستراتيجي المطلوب تنفيذه من نظام "الخميني" ولكن بعد الحرب على العراق وتاليًا الحرب في سوريا نلاحظ كيف كانت الولايات المتحدة المستفيد الأول والأخير مما يجري، تتضح الرؤية، وهي أنها استخدمت نظام الخميني كما استخدمت نظام صدام ونظام الأسد وغيرهم لقيادات تحولات جذرية في الشرق الأوسط الذي بقي لقرون طويلة محكومًا بخارطة الاستعمارين الفرنسي والبريطاني، لكنه لاحقًا سيحكم بخارطة يضعها الاستعمار الأمريكي الحديث الذي أعلن عن ولادته بعد الحرب العالمية الثانية.

كان لا بد من حدث يؤدي بالخميني في النهاية إلى فرض سطوته على الجماهير تمهيدًا للتحكم بها على هواه، وحسب وصف سايروس فانس الذي أسهب في كتابه بوصف شخصية الخميني فإن الخميني" قرر أن يربط نفسه إلى الرعاع وليس مع الحكومة " ص 136.

صحيح أن الأمريكان كانوا يريدون إطلاق سراح رهائنهم إلا أنهم كانوا يريدون لها أن تتم حتى المشهد الأخير لأنه حدث جلل سيؤدي استحضاره دائمًا في ذاكرة الأمريكيين والعالم إلى حصد نتائج عظيمة مهما طال الزمن.

وفعلًا تمكن الخميني في وقت قصير لا يتعدى الأشهر من السيطرة على "الرعاع" -حسب وصف الوزير الأمريكي فانس- ومن قيادة إيران لأن تكون اللاعب الأساسي في المنطقة.

اقرأ/ي أيضًا:

 

الهلال الشيعي.. مشروع إيراني أم أمريكي؟ (2/3)

إيران والخروج من الدور الأول