14-أكتوبر-2017

من المرجح أن ما أصاب الدبلوماسيين الأمريكيين في كوبا "هستيريا جماعية" (ياميل لاج/ أ.ف.ب)

أعدت صحيفة الغارديان البريطانية تقريرًا يُثبت أن الحوادث الغامضة التي أصابت دبلوماسيين أمريكيين في كوبا، ليست إلا أعراضًا نفسية متوهّمة، وذلك بالاستناد إلى التفسيرات العلمية للعديد من كبار علماء الأعصاب في العالم. ننقل لكم في السطور التالية التقرير مترجمًا.


يرى كبار علماء الأعصاب أن موجة الأعراض الغامضة التي أصابت دبلوماسيين أمريكيين في كوبا، والتي تسببت في شِقاق دبلوماسي بين البلدين، ربما كان سببها نوع من الهستيريا الجماعية، وليست هجمات صوتية كما قيل.

يعتقد علماء أعصاب أن الحوادث الغامضة التي أصابت دبلوماسيين أمريكيين في كوبا، ليست إلا هستيريا جماعية 

وكانت هذه الموجة من الحوادث غير الُمفسَرة حتى الآن، قد دفعت الولايات المتحدة إلى سحب معظم مُوظفي سفارتها من العاصمة الكوبية هافانا، وطرد معظم الدبلوماسيين الكوبيين من واشنطن.

اقرأ/ي أيضًا: لماذا يلجأ قادة العالم إلى الكذب؟

وقال علماء الأعصاب الذين تحدثوا مع صحيفة الغارديان، إنه لا يوجد تشخيص مناسب أو صحيح دون وجود المزيد من المعلومات فضلًا عن إمكانية الوُصول للضحايا الأمريكيين الـ22، الذين عانوا من أعراض متنوعة منها فقدان السمع وطنين الأذن والصداع والدوار.

واعتبرت وزارة الخارجية الأمريكية هذه الحوادث "اعتداءات" أو "هجمات"، وقالت إنها بدأت مع نهاية العام الماضي، وحتى آخر حادثة مسجلة في آب/أغسطس الماضي. إلا أن التحقيقات الأمريكية والكوبية لم تستدل على وجود أي أسلحة من أي نوع.

ويرى علماء الأعصاب أن احتمالية إصابة الدبلوماسيين الأمريكيين باضطراب وظيفي نتيجة خلل في وظائف النظام العصبي؛ يجب أن تُؤخذ في الاعتبار.

من جانبه، قال مارك هاليت، مدير قسم السيطرة الحركية الإنسانية بالمعهد الوطني الأمريكي للاضطرابات العصبية والسكتة الدماغية: "من وجهة نظر موضوعية، الأمر أكثر شبهًا بهستيريا جماعية من أي شيء آخر".

و"الهستيريا الجماعية" مصطلح شائع يستخدم لوصف الانتشار المفاجئ لحالة مرضية بين مجموعة من الناس، تنبع جزئيًا أو كليًا من أسباب نفسية جسدية سيكوسوماتية أو "نفسية-جسمية". لكن ذلك لا يعني إلقاء اللوم أو توجيه الاتهام للمصابين بهذه الحالة، لأنها مرض كغيرها من الأمراض، فقد أوضح هاليت أن "الأمراض السيكوسوماتية هي مثل أي مرض آخر لا يجب أن يُوصًم صاحبها بالعار، فمن المهم أن نوضح أن أعراض كهذه ليست اختيارية وليست دليلاً على ضعف شخصية الفرد".

وأضاف هاليت أنّ هذه الاضطرابات، عادة ما تكون أكثر شيوعًا بين مجموعات أصغر من الناس، غالبًا داخل العائلات، لكن ذلك لا يعني نفي إصابة عدد أكبر من الناس بها، بل هو أمر وارد بحسب هاليت، خاصة لو أن هؤلاء الناس يعملون بشكل متقارب في بيئة يعتبرونها معادية، وهكذا كان الوضع بالنسبة للبعثة الدبلوماسية الأمريكية في كوبا.

فكرة الاستهداف عبر شعاع صوتي "لا تبدو منطقية إلى حدٍ ما"، كما يقول هاليت، الذي أشار إلى أنّ عددًا كبيرًا من الأشخاص اشتكوا من أعراض غامضة نسبيًا، وعند البحث عن الأسباب المحتملة وراء هذه الأعراض، لم يتم العثور على شيء، ليكون التفسير العلمي الإصابة بـ"هستيريا جماعية".

إذن، وانطلاقًا من هذا التفسير العلمي، ينبغي أن تُعيد الإدارة الأمريكية العلاقات مع كوبا، فليس ثمة دليل مادي واحد على تعرض البعثة الدبلوماسية الأمريكية لأي هجوم أو اعتداء. "من المفترض أن تُعيد الهستيريا الجماعية تطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة وكوبا من جديد"، يقول هاليت.

لم تتوصل التحقيقات الأمريكية إلى أية أدلة على وجود هجوم ضد الأمريكيين في كوبا، ما يعزز التفسير القائل بأنها أعراض نفسية جماعية

ونشرت وكالة الأسوشتيد برس تقريرًا، أشارت فيه إلى أنها حصلت على شرائط صوتية خاصة بضوضاءٍ عالية التردد، قال بعض العاملين في السفارة الأمريكية إنهم سمعوها في هافانا، لكن ليس من الواضح علميًا إن كان الصوت مرتبطًا بالشكاوى الصحية، وقد لفت التقرير إلى أنّ هذه الأصوات لم تُسمَع من قِبل كافة المصابين الأمريكيين في كوبا، وحتى بالنسبة لمن سمعها فليس من الواضح إن كانوا جميعهم قد سمعوا نفس الصوت بالتحديد.

اقرأ/ي أيضًا: أشرار العالم الجدد

آلان كارسون، وهو استشاري في طب النفس والأعصاب، ورئيس سابق لجمعية طب النفس والأعصاب البريطانية، قال للغارديان: "عادةً كل ما تحتاجه هذه الاضطرابات الوظيفية، هو عامل لإثارتها، وغالبًا ما يكون عامل بسيط وغير محدد، فقد يكون إصابة جسدية طفيفة، لكن بعدها يتدخل مزيج من درجة معينة من القلق والاعتقادات والتوقعات لتحريف ذلك الشعور".

وأضاف كارسون أنه "كانت هناك توقعات قوية بأن شيئًا ما سيحدث. ستُحرِف هذه التوقعات بشكل حقيقي تمامًا أية معلومات واردة. في بعض الحالات ينتقل هذا الأمر من شخصٍ لآخر إذا كان شخص ما يمر بهذه التجربة بالقوة الكافية، وأشعل فتيل الأفكار في عقل شخص آخر. بالإمكان تصور حدوث مثل هذا الأمر".

ووفقًا للعديد من خبراء الصوت، فإنه من غير المحتمل أن يتسبب أي نوع من الأسلحة الصوتية في مجموعة الأعراض التي اشتكى منها المصابون.

وثمة نظرية أُخرى تقول، إنّ هذه الشكاوى الصحية ناتجة عن عملية مراقبة أو ترصُد أصابها الفشل، لكن هذه النظرية قُوبِلت أيضًا بالتشكيك من قبل الخبراء بسبب نُدرة الأدلة.

لم تُوجِّه الولايات المتحدة اللوم مباشرةً إلى الحكومة الكوبية، إلا أنها صرَّحت بأن هافانا فشلت في التزاماتها بحماية الدبلوماسيين الأجانب على أراضيها، بينما أنكرت الحكومة الكوبية تنفيذها أي نوع من الهجمات، بل عرضت المساعدة في الكشف عن سبب هذه الأعراض.

يقول بين رودز، مُستشار أوباما للشؤون الخارجية، والذي شارك في مفاوضات الإدارة السابقة لإعادة العلاقات مع كوبا: "لا أعتقد أن الحكومة الكوبية مسؤولة عن هذا الأمر، أولاً هذه الأشياء بدأت في كانون الأول/ديسمبر، وفي نفس الوقت الذي بدأت فيه هذه الهجمات كانت الحكومة الكوبية توقع اتفاقات محمومة معنا، واتفاقات تجارية كذلك"، مُضيفًا: "بعبارة أخرى كانوا يحاولون الحفاظ على العلاقات، لذا فكرة أنه في نفس الوقت كانوا يحاولون القيام بشيء من الواضح أنه سيخرب هذه العلاقات، غير منطقية تمامًا".

وردًا على سؤال حول احتمالية كون هذه الأعراض ناتجة عن  اضطراب وظيفي، أجاب أحد المتحدثين باسم وزارة الخارجية: "ليس لدينا إجابات قطعية حول سبب ومصدر الهجمات على الدبلوماسيين الأمريكيين في كوبا. في الوقت الحالي تستمر التحقيقات المكثفة ولا نريد أن نستبق نتائج هذه التحقيقات".

وأوضح جون ستون، طبيب الأعصاب في جامعة إدنبره، ومؤلف كتاب عن اضطرابات الأعصاب الوظيفية، أن "مثل هذه الاضطرابات شائعة جدًا، وهي ثاني أكثر الأسباب شيوعًا والتي تستدعي من المرضى زيارة أطباء الأعصاب".

وأضاف ستون: "هُناك تصور خاطئ شائع بأن الأشخاص ضِعاف الإرادة، والأشخاص العصابيون هم من يُصاَبون بهذه الأعراض. هذا ليس حقيقًا، نحن نتحدث عن أعراضٍ واضحة يُعاني الأشخاص خلالها من الدوار والصداع ومشاكل في السمع، وبالتأكيد لم يُوجِدوا أو يختلقوا هذه الأعراض".

وفي الأغلب تتكون هذه الأعراض بإصابة واحد أو اثنين بها، سواء مشاكل في السمع أو صداع، ثم تنتشر بسبب الأجواء المشحون بالتوتر والضغط العصبي، ويزداد انتشارها مع الأحاديث المتداولة عن هجمات عصابية، وهكذا تتكون الهستيريا الجماعية، وفقًا لستون.

ويُشار إلى أنّ وكالات الاستخبارات الأمريكية هي الأكثر تطورًا في العالم، ورغم ذلك قالت هذه الوكالات المشاركة في التحقيق حول ما حدث، إنه لا فكرة لديها عن مسببات هذه الأعراض، بل إنّ روبرت بارثولوميو، عالم الاجتماع الطبي ومؤلف سلسلة من الكتب المتعلقة بانتشار الهستيريا الجماعية، قال إنه مستعد للرهان بمنزله على أنّ بعض عملاء الاستخبارات قد توصلوا إلى أنّ هذه الأحداث حالات نفسية ولا علاقة لها بهجوم أو اعتداء.

يُرجح أن بعض العاملين بالاستخبارات الأمريكية تأكدوا أن حوادث الأمريكيين في كوبا ليست إلا أعراضًا نفسية لكن إدارة ترامب أسكتتهم

ويعتقد بارثولوميو أن هذه التفسيرات إما أنه تم تجاهلها أو أُسكت أصحابها من قبل إدارة ترامب كونها "لا تناسب سردية الإدارة الأمريكية حول هذه الحوادث"، كما يقول، مُؤكدًا: "الأمراض النفسية الجماعية هي التفسير الأكثر إقناعًا حتى الآن.

هذا ويُشار إلى أن الرئيس الأمريكي الحالي، دونالد ترامب، استخدم لهجة أكثر عدائيةً تجاه كوبا مقارنة بسلفه أوباما. وفي حزيران/يونيو الماضي، أعلن عن تراجع جُزئي عن إجراءات أوباما للتقارب مع كوبا، مشددًا من إجراءات السفر والتجارة مع الجزيرة الكوبية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

داعشية جديدة يقودها ترامب

مترجم: "أمريكا ترامب تذكّر بألمانيا هتلر قبل الحرب العالمية الثانية"