26-ديسمبر-2017

ماجدة نصر الدين/ لبنان

على العكس من الكتابات النقدية الجامدة والممتلئة بالمصطلحات النقدية والمدرسيّة صعبة المراس، تأخذنا كتابة "اقترافات التأويل، مقاربات في الشِّعر والنَّقد" للناقد خالد حسين إلى حالة جمالية خاصة، حيث يبني جسورًا بين النص الإبداعي والنص النقدي، يذكّرنا الأمر بحواشي الكتابات القديمة حيث كل متن يولّد نصًا موازيًا شارحًا، لكن بذات الجودة ومنسجمًا متآلفًا مع المتن.

لم لا يكون النصّ النقديّ الكاشف عن الجمال جميلًا مثله؟ سيما وأن الأمر يُشبه دائرة تدور لتلقِ العناصر كلّها في مسيرة واحدة

يتألف الكتاب من قسمين وسبعة فصول، في موضوعات مقاربة الشعر والنقد، ففي القسم الأول الذي يحمل اسم "قضايا الكلمة الشعرية: الوجود، الأشياء، الحدود"، ويبدأها خالد حسين بفصل عن قصيدة محمود درويش "لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي" تحت مسمّى تأسيس الوجود بالشعر، ويقف على أعتاب نصوصه المؤثّثة لمجموعته الشعرية، بعد أن يُعمِل أدواته الكاشفة عن الجمال النصّي في هذه العتبات، العنوان/ حامل المجموعة، والعناوين الداخلية.

اقرأ/ي أيضًا: القراءة.. أعظم النعيم

أما الفصل الثاني والمعنون بـ"قضايا نقدية: جماليات الصورة، قصيدة النثر، تحوّلات القراءة"، فيبدأ بالفصل الخامس عن جماليات الصورة الشعرية، وبالتحديد عن قصيدة "يطير الحمام" لمحمود درويش صاحب الحضور الأبرز في الكتاب.

النقد أو الكشف عن الجمال في النص الأدبي والسير جنبًا إلى جنب مع النصّ، مجاورًا الجمال بالجمال، فاللغة/ الأداة التي بها يتوسّل الشاعر جمالية نصّه، هي ذات الأداة التي يكشف بها الناقد مكنونات نصّ الشاعر، لذا وبما أنّ الأداة واحدة، إذًا لم لا يكون النصّ النقديّ الكاشف عن الجمال جميلًا مثله؟ سيما وأن الأمر يُشبه دائرة تدور لتلقِ العناصر كلّها في مسيرة واحدة.

اقترافات التأويل

الآن دعنا نتوسّل أدوات الناقد في عمله إزاء النصوص في كتابه ولنُعملها في نصّه النقدي، أوليس الأمر سيّان؟ طالما أنّ الغاية هي كشف الجمال في نصوصه، ودعنا هنا نتجاوز الأمر في النصوص لنتحرّك في النصّ النقدي.

سنجرّب "اقترافات التأويل" الذي اختاره المؤلّف خالد حسين عنوانا لنصوصه ومقارباته في الشعر والنقد، واقترف في اللغة اكتسب، واقترف الذنب أتاه وفعله، وقارف الشيء أي قاربه، بحسب "لسان العرب" و"القاموس المحيط"، فأيّ تأويل هذا الذي يرِد في مقام اقتراف الذنب في أحد مدلولاته، فالتأويل كما دأبه يسعى إلى الخروج عن ظاهر النص وتفسيره بأدوات الناقد، لكن وكما كان التأويل في نصّ المقدّس محلّ خروج عن المألوف والجماعة، وخاصة في استشكال المعنى، فإنّ التأويل في الأدب هو كذلك خروج عن المعنى الظاهر والبادي من المعنى إلى آفاق أرحب يُشارك الناقد فيها الشاعر في ابتداع آفاق في مساحات الجمال النصّي، يتجاوز معه المعنى مجرّدًا في دفتي القاموسية إلى المعنى في بناء الجمال والصورة والدلالة، في مساحات واسعة تستشكل على القراءة السطحية، وهنا يغدو الناقد كالآثاريِّ الذي يُبرز أناقة القطعة الأثرية ومعانيها المتراكمة وسياقاتها، على اختلاف أنّ الناقد يتفحّص قِطعًا/ نصوصًا، حديثة أو قديمة، ويضعها في سياقاتها الجمالية.

يغدو الناقد الأدبي كالآثاريِّ الذي يُبرز أناقة القطعة الأثرية ومعانيها المتراكمة وسياقاتها

إذًا فاقتراف التأويل هو مُشابِكٌ لاقتراف الذنب، كما أنّه مقاربة له (قارفه: قاربه) ففعل المقارفة هنا مقاربة أيضًا، وهي هنا المعنى القريب للتأويل، فالناقد هنا يحمل النص على التأويل ليقاربه للقارئ، كما يبدو في العنوان الفرعي الثاني للكتاب "مقاربات في الشعر والنقد"، لكنّ دأب الكتاب في نصوصه هو الخوض في تأويل المعنى بدلالتها المركّبة والبعيدة بقصد إبراز الجماليِّ فيها، إذًا ربّما باستطاعتنا جمع المعنى بعضه إلى بعض، لنتحصّل في النهاية إلى العتبة النصية الأولى في الكتاب وهي العنوان، فالتأويل هاهنا مقاربة واقتراف ذنب التأويل في ذات الوقت.

اقرأ/ي أيضًا: رواية "عزلة صاخبة جدًا"... حياة على إيقاع آلة

يحمل العنوان الفرعي "العتبة الثانية" عنوان "مقاربات في الشعر والنقد"، وهو هنا عنوان تحديديّ أكاديميّ، كما ينبغي أن يكون عليه العنوان من وضوح في مظانّه، إذًا ما الذي يقدّمه الناقد خالد حسين هاهنا في كتابه، فهو من جانب يقدّم عنوانًا قابل للتأويل ويحمل في طيّاته قيم الجمال، وفي جانب منه يحمل ما يضع الكتاب في سياقه المقارب لقارئ نصّ نقديّ من حيث وضوح الهدف دون تآويل.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"من إسطنبول إلى بغداد".. رواية عن شرق مأزوم

كيف كانت القراءة الصامتة طريقًا إلى الحياة الفردية؟