16-يناير-2018

انبثق عن الاحتجاجات الإيرانية الأخيرة نقاشًا سياسيًا غير مسبوق في البلاد (أسوشيتد برس)

سلط تقرير نشرته وكالة بلومبيرغ، الضوء على شيء جديد بدرجة ما عرفته إيران مُؤخرًا، وهو "النقاش السياسي" الذي انبثق من الاحتجاجات الأخيرة التي تشهدها العديد من المدن الإيرانية. والنقاش السياسي حول الاحتجاجات هو أمرٌ جديد في إيران لسبب أن آخر حركة احتجاجية عرفتها البلاد، والتي كانت في 2009، واجهتها السلطات بقمعٍ مُفرط، في حين أنّ احتجاجات هذا العام، أحدثت أمرًا مُختلفًا في المشهد السياسي الإيراني، وتحديدًا على مُستوى السلطات، فإلى جانب بعض القمع، هناك أيضًا اعتراف بمشروعية بعض مطالب المُحتجين، وحركة من النقاش والجدال حول الاحتجاجات ومطالب المحتجين وكيفية التعامل معها سياسيًا. في السطور التالية ننقل لكم التقرير مترجمًا بتصرف.


استخدمت السلطات الإيرانية الكثير من القوة لمجابهة الاحتجاجات التي شهدتها البلاد على مدار الأسبوعين الماضيين. ولكن ظهر شيء آخر غير متوقع، وهو الانخراط في نقاش سياسي.

خلافًا لاحتجاجات 2009، لم تستخدم السلطات الإيرانية القمع فقط لمواجهة الاحتجاجات الحالية، وإنما لجأت للنقاش السياسي

تعود آخر مرة خرج فيها الإيرانيون إلى الشوارع خروجًا جماعيًا، إلى عام 2009، وكانت حملة سريعة ومتضافرة الأركان. وصف الرئيس محمود أحمدي نجاد على إثرها المتظاهرين بـ"التفاهة والحثالة". وهذه المرة أيضًا، كان هناك مئات الاعتقالات، بالإضافة إلى مصرع 25 على الأقل، إلا أن الفصيلين الرئيسيين في السياسة الإيرانية، أعلنا أنهما يريان شيئًا مشروعًا في مطالب المتظاهرين، حتى وإن كانا يختلفان حول ماهيته.

اقرأ/ي أيضًا: الأولى من نوعها منذ 2009.. تظاهرات احتجاجية في العديد من المدن الإيرانية

ويرى المحللون عدة أسباب لهذا الاختلاف، إذ لم تنتشر الاضطرابات في طهران، وكذا لم تستقطب الطبقة المتوسطة المؤثرة، ما جعلها أقل تهديدًا. وقد تعلّم القادة دروسًا من الربيع العربي والحرب السورية، إذ أعطت التدخلات العنيفة نتائج عكسية تمامًا.

وكانت احتجاجات هذا العام بلا قيادة، كما كانت مطالب المحتجين متنوعة جدًا من تخفيض ثمن البيض حتى تغيير النظام، أو بمعنى آخر، كان كل شخص له مطلبٌ معين مختلف عن الباقين.

أمّا السُلطة، فهي أيضًا أكثر تشتتًا، إذ يُسيطر من يسمون بالإصلاحيين بقيادة حسن روحاني، على الرئاسة، ويؤيدون الانفتاح الاجتماعي والسياسي. فيما يوجه المحافظون اللوم إلى حكومة روحاني لتجاهلها تراجع مستويات المعيشة بين الطبقة العاملة الإيرانية، وهي الطبقة التي لعبت دورًا بارزًا في الاحتجاجات.

صوت واحد

يقول أليكس فاتانكا، الباحث البارز في معهد واشنطن للشرق الاوسط، إن أحمدي نجاد وحلفائه كانوا في عام 2009 "يتحكمون إلى حد كبير في كل أذرع السلطة وتحدثوا بصوتٍ واحدٍ"، مُضيفًا: "إنها مراهنة آمنة أن نفترض بأن روحاني وبطانته لا يتبعون النص دائمًا"، وهو ما قد يدفع به مكتب المرشد الأعلى أو جنرالات الحرس الثوري.

في ذلك الوقت، عندما وُصف المتظاهرون بأنهم "مروجو فتن"، ذُكر أن الاضطرابات اقتصرت إلى حدٍ كبير على مواقع المعارضة المحظورة. الآن، يتم مناقشة أسباب الاحتجاجات وعواقبها على موجات الإذاعة التي تسيطر عليها الدولة، وفي الصحف وعلى وسائل التواصل الاجتماعي.

بل إن روحاني نفسه، قد قال: "لدى المتظاهرين ما يقولونه وخرجوا إلى الشوارع لإعلانه. أي نوع من الخطابة ذلك الذي يحملك على وصف شخص ما يحتج بأنه تافه أو حيوان أو حثالة؟"، في إشارة على ما يبدو لما سبق وأن وصف به نجادي متظاهري 2009. كما أن المرشد الأعلى آي الله علي خامنئي، والذي دائمًا ما يُنظر إليه باعتباره أقرب للمحافظين، فقد قال إن بعض مطالب المحتجين شرعية.

شخصيات عامة تُؤيد الاحتجاجات

هذا وقد انضمت بعض الشخصيات المعروفة للاحتجاجات، فقد قالت الممثلة ترانه عليدوستي على تويتر، بعد أن أكدت السلطات مقتل متظاهر يبلغ من العمر 22 عامًا في السجن، وزعمت أنه مات مُنتحرًا: "رحل سينا غنباري وما زلنا لا نفهم كيف يمكن لمثل هذا الشيء أن يحدث".

صرّحت شخصيات عامة إيرانية بتأييدها للاحتجاجات، وهو أمرٌ لو كان حدث في مظاهرات 2009، لكانت مُنعت من العمل أو تعرضت للاعتقال 

وقد تابع تغريدة عليدوستي 177000 شخص، كما تابعوا تساؤلاتها مثل: "أين هم البقية؟ هل هم في حالة جيدة؟ هل هم في مأمن؟". ولو كانت عليدوستي قد طرحت نفس التساؤلات في ظل تظاهرات 2009، فعلى الأرجح أنها كانت ستمنع من العمل على الأقل، إن لم يُقبض عليها أصلًا.

اقرأ/ي أيضًا: كيف ساعدت واشنطن النظام الإيراني على التحكم بالإنترنت؟

ويعكس المناخ المتغير أيضًا، معركة روحاني مع المحافظين المنافسين له، والذين اتُهموا بتشجيع الاحتجاجات في مرحلتها الأولية، قبل انتشار العنف والشعارات المناهضة للنظام. وقال سعيد ليلاز، وهو محلل مُقرب من روحاني، إن "هدف المحافظين هو إضعاف روحاني أو إسقاطه".

لعنة الاتفاق النووي

ويضيف ليلاز، وهو أحد من قُبض عليهم في احتجاجات عام 2009، أنه خلافًا لأحمدي نجاد، فإن حكومة روحاني لم توافق على حملة الاعتقالات العامة. وكان روحاني -الذي لا يسيطر على معظم أجهزة الأمن الإيرانية- قد استنكر الحظر المفروض على إرسال الرسائل عبر تطبيق تيليغرام

وقال ليلاز، إن "التسامح النسبي لأحد مراكز القوة، سمح للإيرانيين بالتنفيس عن المظالم التي تحيط بهم"، كما قال إن "الناس يكرهون فرض القيود على حريتهم الاجتماعية والثقافية، ويستغلون أي فرصة متاحة لذلك".

وكانت بعض وعود روحاني الانتخابية، الخاصة بجلب مزيدٍ من الاستثمارات فالوظائف وفرص العمل، قد انبثقت من التوقعات المبنية على الاتفاق النووي الإيراني. لكن تلك الوعود لم تتحقق، إذ كثفت الولايات المتحدة تحت قيادة الرئيس دونالد ترامب الجهود لعزل إيران، مضيفةً حملة قمع الاحتجاجات إلى قائمة أسبابها.

وبينما توقف ترامب عن سحب الولايات المتحدة خارج الاتفاق النووي الأسبوع الماضي، مازال يهدد بذلك ما لم يتم التوصل إلى توافق في الآراء حول تعديله. ولا تزال العقوبات الأمريكية المتعددة سارية المفعول. بل أضيفت عقوبات جديدة، مما يصرف اهتمام العديد من الشركات عن الاستثمار في  إيران خوفًا من خرق تلك العقوبات.

وصحيح أن الاقتصاد الإيراني قد شهد بعض التعافي منذ توقيع الاتفاق النووي، لكنه لم يكن تعافيًا كافيًا لمطابقة التوقعات أو التخفيف من عدم المساواة المتزايدة. وهذا يعطي خصوم روحاني مدخلًا لانتقاده.

ديموقراطية باهتة

أصبح ظهور بعض اللقطات لإيرانيين يشكون من الظروف الاقتصادية في التلفزيون الحكومي، الذي يديره المحافظون، أمرٌ شائع. ولهؤلاء المذيعين طريقة خاصة بهم في نقل الاحتجاجات، كالإشارة لمشروعية مطالب بعض المحتجين، ثم الاستدراك بأن الاحتجاجات اختلط بها مشاغبين ومخربين وجماعات مناهضة للنظام، أو كما يصفهم الإعلام.

وحول المناقشات السياسية، قال فؤاد ازادي، المحلل السياسي المحافظ للسياسات الخارجية بجامعة طهران، إن المناقشات السياسية "ليست شيئًا سيئًا"، مُضيفًا أنّ الاضطرابات التي وقعت في عامي 2009 و 2018 يمكن أن يُنظر إليها على أنها "آلام متزايدة"، كما يتعلم الإيرانيون منها "الطريقة المفترض أن تتعامل بها الحكومة مع الشعب، وكذا الطريقة المفترض أن يتعامل بها الناس مع الحكومة".

شهد الاقتصاد الإيراني بعض التعافي بعد توقيع الاتفاق النووي، لكنه لم يكن تعافيًا كافيًا لتحسين الأوضاع المعيشية للإيرانيين

في حين تأتي التفسيرات الأخرى أقل طمأنة لقادة كلا الفصيلين. ففي صحيفة "شارغ"، قال صادق زيبا، أستاذ العلوم السياسية بجامعة طهران، إن كلام العديد من المتظاهرين يبين أنهم لم يفقدوا الثقة في المحافظين فحسب بل في الإصلاحيين أيضًا"، والسبب في رأيه هو "اللون الباهت للديمقراطية".

 

اقرأ/ي أيضًا:

احتجاجات إيران.. موجة غضب لا تستثني أحدًا حتى خامنئي!

النفاق الأمريكي في الشرق الأوسط.. من انقلاب السيسي إلى احتجاجات إيران