01-أبريل-2022
النظام المصري يبيع جزء من أصول الشركات للإمارات (Getty)

النظام المصري يبيع جزء من أصول الشركات للإمارات (Getty)

ضمن محاولات دولة الإمارات للتوغل في السوق المصرية وزيادة الاستثمارات مع الحاجة المصرية الملحة للنقد الأجنبي، عُقدت صفقة بقيمة 2 مليار دولار بين الحكومة المصرية وصندوق سيادي في أبوظبي لشراء حصص مملوكة للدولة المصرية في بعض الشركات، حسب ما أعلنت عنه وكالة بلومبيرغ الأمريكية. تأتي هذه الأخبار على خلفية الحرب الروسية-الأوكرانية وكانعكاس لتأثيراتها على الوضع الداخلي المصري.

ضمن محاولات دولة الإمارات للتوغل في السوق المصرية، عُقدت صفقة بقيمة 2 مليار دولار بين الحكومة المصرية وصندوق سيادي في أبوظبي

 حيث شهدت الأيام الماضية عددًا من الأزمات الاقتصادية، فمن بعد موجة الغلاء المباغتة في أغلب السلع الأساسية والغذائية واللحوم والخضروات والفاكهة، انخفضت قيمة الجنيه المصري بشكل مفاجئ، حيث فقد أكثر من 15% من قيمته ليصل سعر الدولار الواحد إلى أكثر من 18 جنيهًا مصريًا، وسط توقعات باستمرار انخفاض قيمة الجنيه في مقابل العملات الأجنبية، وبالتالي استمرار موجة الغلاء، كمحاولة من الحكومة المصرية لجذب الاستثمارات الأجنبية أو الحفاظ على بقائها للحد من نقص النقد الأجنبي.

التلفزيون العربي

بيع الأصول المصرية: حل مؤقت لإنقاذ الاقتصاد المصري

نشرت وكالة بلومبرغ الأمريكية يوم الاثنين الماضي 21 مارس/آذار 2022 خبرًا عن صفقة مزمعة بين الحكومة المصرية وصندوق ثروة سيادي في أبو ظبي لشراء حصص مملوكة للدولة المصرية في بعض الشركات دون أن تعلن عن أسماء تلك الشركات. وبعدها بأيام في 24 مارس/آذار نشرت الوكالة نفسها أسماء الشركات المتضمنة في الصفقة التي وصفتها بالسرية، والبالغ قيمتها 2 مليار دولار. حيث تنوي شركة أبوظبي القابضة ADQ شراء حصص تقدّر بنسبة 18% من أسهم البنك التجاري الدولي مصر CIB أكبر بنك مُدرج في البورصة بمنطقة شمال إفريقيا، وهذه النسبة من أسهم البنك تمثل نصف قيمة الصفقة الإجمالية فيما يتوزع النصف الثاني على شراء أسهم في أربع شركات أخرى، أبرزها شركة فوري للخدمات المصرفية وتكتولوجيا الدفع الإلكتروني، إلى جانب شركة أبو قير للأسمدة والصناعات الكيماوية، وشركة مصر لإنتاج الأسمدة (موبكو)، أحد أكبر المصانع المنتجة للأسمدة النيتروجينية في مصر، وشركة الإسكندرية لتداول الحاويات والبضائع، أول شركة متخصصة للتعامل مع الحاويات في البلاد.

تمثل هذه الاستثمارات الإماراتية شكلًا من أشكال الدعم للاقتصاد المصري الذي يعاني في هذه الفترة نتاج الحرب الروسية-الأوكرانية وانسحاب الاستثمارات الأجنبية من السوق المصرية، فقرار خفض قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية لم يكن كافيًا لتعويض النقص في الأصول الأجنبية لدى البنوك المحلية، فأًصبح بيع أصول الشركات المصرية هو السبيل الوحيد من أجل توفير النقد الأجنبي بشكل مؤقت كحل عاجل لتسكين السوق، خاصة بعد فشل الحكومة المصرية في الحصول على قروض جديدة أو مساعدات مالية من السعودية والإمارات، أو الحصول على قرض عاجل من صندوق النقد الدولي.

استثمارات أبو ظبي القابضة في السوق المصري واستغلال الوضع السياسي

تعتبر حكومة أبوظبي الجهة المساهمة الوحيدة في الشركة القابضة التي تأسست منذ 4 سنوات فقط في عام 2018، وهي واحدة من أكبر الشركات القابضة على مستوى المنطقة حيث تمتلك استثمارات مباشرة وغير مباشرة محليًا ودوليًا. ورغم  حداثة عمر الشركة  التي يترأس مجلس إدارتها طحنون بن زايد آل نهيان شقيق ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، إلا أنها توسعت سريعًا في استثماراتها في المنطقة بشكل براغماتي وخاصة السوق المصري مستغلة عدم استقرار الوضع السياسي المصري والأزمات الاقتصادية المتلاحقة.

فنجد مثلًا أن القابضة تقدمت بعرض في العام الماضي للاستحواذ على حصة في شركة جهينة للصناعات الغذائية، أكبر منتج للألبان والعصائر في مصر، التي تقوم بتصنيع 200 منتجًا وتوظف أكثر من 4000 شخصًا، بعد أشهر قليلة من اعتقال السلطات المصرية لرئيس ومؤسس جهينة، رجل الأعمال المصري صفوان ثابت، وابنه المدير التنفيذي للشركة سيف ثابت، بتهم متعلقة بالانضمام لجماعات إرهابية. وشهدت الشركة معاناة وتخبطًا شديدًا نتاج القبض على صفوان ثابت، ما جعل أسهمها تتراجع بنسبة 29% وانتقالها إلى القائمة (د) المخصصة للشركات المحتمل شطبها من البورصة، فكانت فرصة جيدة للتقدم بعرض للاستحواذ على حصة من الشركة.

ومن قبل تقديم هذا العرض في العام الماضي كانت الشركة القابضة قد اشترت شركة أدوية مصرية مقابل 740 دولار، حسب وكالة بلومبرغ، كما دخلت في شراكة مع مجموعة لولو، التي تدير واحدة من أكبر سلاسل الهايبر ماركت في الشرق الأوسط، لاستثمار مليار دولار من أجل دعم توسيع النشاط في مصر.

الاقتصاد المصري في ورطة

يبقى السؤال هنا، هل كانت الحكومة المصرية مضطرة إلى بيع أصول الشركات للمحافظة على الاقتصاد من الانهيار المفاجئ وضخ نقد أجنبي إلى السوق ولو بشكل مؤقت؟ أعلن مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء المصري يوم الخميس 24 مارس/آذار 2022 عن إجراء محادثات مع صندوق النقد الدولي بشأن تمويل محتمل كإجراء وقائي من آثار الحرب الروسية-الأوكرانية على الاقتصاد المصري في حال استمر الصراع لفترة طويلة. جاء هذا الاعتراف في وقت متأخر، فوكالة بلومبرغ نشرت تقريرًا في 17 مارس/آذار 2022 تشير خلاله إلى تجدد الطلب المصري للحصول على دعم وقرض من صندوق النقد الدولي لمواجهة تداعيات الحرب وتأثيرها على الاقتصاد، كما قالت مديرة صندوق النقد الدولي كريستينا جورجيفا إنها تخشى على مصر، وأضافت "إذا ما غدت أسعار الغذاء والطاقة مرتفعة، فكيف سيؤثر ذلك على الناس في مصر؟ لهذا فنحن الآن في مباحثات مع مصر حول كيفية مساعدة السكان الذين سيكونون عرضة للضرر، وكذلك الشركات المعرضة للضرر".

بالتأكيد لم يكن هذا الطلب هو الأول، فقد تقدمت الحكومة المصرية بطلب إلى صندوق النقد قبل اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية وقوبل بالرفض. كذلك صرّح رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي عن إجراء محادثات مع صندوق النقد منذ صيف عام 2021، لكن المناقشات كانت تدور فقط حول تقديم الدعم الفني، وكان مدبولي قد التقى بوفد من أعضاء غرفة التجارة الأمريكية يوم الخميس 24 مارس/آذار 2022 ووجّه دعوة إلى الشركات الأمريكية لضخ مزيد من الاستثمارات في السوق المصرية، مؤكدًا على حرص الحكومة المصرية على التواصل المستمر مع الشركات من أجل تذليل أية عقبات تواجهها، وكذلك تشجيع الشركات القائمة على التوسع في استثماراتها.

قبل هذا اللقاء بساعات، كان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، مساء الأربعاء 23 مارس/آذار 2022 يحذّر من أزمة غذاء محتملة بمصر والشرق الأوسط نتاج الأزمة الأوكرانية، وقال جوتيريش خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي "إن دولًا كثيرة، من بينها ليبيا ومصر ولبنان والصومال والسودان واليمن، تستورد ما لا يقل عن نصف قمحها من أوكرانيا أو روسيا، وهو ما يجعل هذه البلدان وغيرها من بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عرضة لأزمة غذاء في حال استمرار الحرب. إن هذا الوضع يصيب الفقراء أكثر من غيرهم، ويزرع بذور عدم الاستقرار السياسي والاضطراب في جميع أنحاء العالم".

كان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، مساء الأربعاء 23 مارس/آذار 2022 يحذّر من أزمة غذاء محتملة بمصر والشرق الأوسط

بشكل ما، وجدت الحكومة المصرية نفسها في مأزق كبير، فهناك تناحر وحرب بين الدول الموردة للقمح، وهي نفسها الدول التي يشكل مواطنوها نصف العدد الإجمالي للسائحين الأجانب القادمين إلى مصر، بما يعني تضرر قطاع السياحة بشكل فادح وانخفاض النقد الأجنبي بالضرورة. يأتي هذا في الوقت الذي تشهد فيه السوق المصرية انسحابًا للاستثمارات الأجنبية، فضلًا عن رفض صندوق النقد الدولي تقديم الدعم المادي في هيئة قروض. أمام هذه التطورات، ذهبت الحكومة المصرية لبيع أصول بعض الشركات إلى المستثمر الإماراتي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وضخ نقد أجنبي إلى السوق، إذ إن قرارات البنك المركزي بزيادة سعر الفائدة وتخفيض قيمة الجنيه المصري لم تكن كافية لجذب الاستثمارات وزيادة تدفق العملة الأجنبية في البنوك.