19-يوليو-2017

علاء حمامة/ سوريا

أريدُ من الحقولِ الحنطةَ وليس التوليب

ومن السماء وجهَ الله وليس النجوم

ومن العيون النظرة وليس اللمعان

ومن الأيادي جراح الأيادي، لا الجلد!

لا أريد من العتمة النور القادم

ولا من النور انعكاسه، بل منبعه.

 

لا أريد من الحرب وجهاتِ نظر السياسيين

ولا الاحتدام بقافلات الحقِّ والباطل

أريد أولها وآخرها

أريد الحبّ..

 

ماذا لو أني لا أريد من الحبّ أيضًا ديمومته

ولا أريد عذوبتَه دون ألمه

الحب المريح متعب!

والحبّ المتعب يعلق في الذاكرة.

 

وأنا لا أريد الذاكرة للنسيان

أريد من النسيانِ ورق الشجرِ الأصفر

وقارعة الطريق وغبار الكلام

فأنا أريد من الغابات رائحةَ الحريق

ومن الغيب أريدُ الدهشة.

 

لا أريد الرحيل لكني أريدُ دخان القطارات في المحطات

وحطامَ الطائرات في أنقاض المعارك

 

لا أريد نواح النساءِ على الشهداء، أريد أن أراهن يبصقن ويشتمن..

الموت لا يعرفُ المحبة.

 

أريدُ من المقاهي، وشوشات الرفاقِ تحت الطاولات

وخلف الجرائد،

لا روائح البنِّ والهال.

 

لا أريد من الشوارع، حجارتها وياسمينَها

بل همهمات عمالِ النظافة ولعنات العساكر على الحواجز!

 

أريدُ من الكنائس أجراسها،

ومن الجوامع حمامَ المآذن

أريد أيضًا دموع الساجدين وصلواتِ الطامحين

 

أريد من الحضور توقيتَه ومن الغياب ميقاتيته

سئمنا المراسم المعتادة

أريد من الوداع صلابة دموعه ومن اللقاء باطنه وتوتره واستهتاره وصعوبته لا انتظاره

الانتظارُ عدو الروح!

 

أريد من الصباح نزاعاته

ومن الليل

أريد قصص البؤساء والتعساء والمرضى والفاشلين والمشردين والمتسكعين، والعشاق المهزومين

 

أريد من البحر خططَه ونواياه

لا أريد النجاة، ولا أريد الغرق

أريد من الفضاء ما يدور في مجراه

لا أريد ماضيه ولا مستقبله

 

أريد من التراب ريحَ البلادِ الطاهرة

لا أريد مياهه ولا حجارته

 

لا أريد من المدينة واجهات البلور أو الرخام

ولا بواباتها، أريد جدرانَها فقط!

 

وإني لا أريد من الشتاء موقدَه وشاعريته

أريد الوحل وتشققَ الأسقف المستعارة

وأريد من الخريف أوراقَه المتساقطة دون عودة،

ككلّ الأشياء

ومن الربيع أريد الورود التي تذبل دون أن يشمّها أحد

ولا أريد من الصيف شمسَه ونسماته

 

لا أريد من العمر شقاءه ونعيمه

ولا الموتَ ولا الحياة

ولا الوعد ولا الأجل ولا الأزل

أريد مساحة تكفي لنقول..

لا لنقول الحقيقة أو الكذبة

الصح أو الخطأ

أريد أن نقول الكلام

كأن يكون لغوًا أو لغةً

أو شعرًا.

 

لا أريد من الشعر أيضًا فراشاته وطيوره

بل خيولَه الجامحة

أريد من القصيدة أن تكون الحلم والمرفأ

لا البداية ولا الختام

 

أريد من الكون وجوهَ الذين أحبّهم وسأحبهم بصدق، لا أقنعتَهم بل وجوههم، وجوههم فقط!

 

اقرأ/ي أيضًا:

دفتر رسم مستعمل

ظلّ متسمر لعصفور لا يهدأ