07-ديسمبر-2019

تصل نسبة النساء المعيلات في مصر 26% (Getty)

امرأة شابة، لا تزال في مقتبل الثلاثينات، لولا أن عكازها يضفي إلى عمرها سنوات أكثر. "أم جميل" عاملة النظافة بإحدى المدارس الدولية في مصر، تعرضت لحادث وقوع خلال عملها باتت مضطرة من بعده إلى استخدام العكاز.

في حين يشدد الدستور المصري على المساواة بين الرجل والمرأة وحماية المرأة المعيلة، يضيق القانون الخناق على المرأة المعيلة

من السابعة صباحًا، وحتى انتهاء الدوام منتصف النهار؛ تبدأ أم جميل عملها في المدرسة، والذي يعتبر مصدر الدخل الوحيد تقريبًا لأسرتها المكونة منها وابنتيها، واحدة في الخامسة والأخرى في التاسعة، وكذا زوجها الذي يعمل باليومية.

اقرأ/ي أيضًا: 5 حقائق صادمة من واقع المصريات

تقول أم جميل: "كل شيء قسمة ونصيب"، مختتمةً حديثًا مقتضبًا عن دور زوجها في إعالة البيت: "يعمل باليومية، ويصرف ثلثي مرتبه على الدخان"، لذا فهي المعيل الرئيسي لأسرتها.

وهناك أيضًا أم راوية، امرأة في السبعين من عمرها، تعمل منذ عشرات السنوات حارسًا لعقار في إحدى الأحياء الفارهة قرب منطقة وسط البلد بالقاهرة. مات زوج أم راوية قبل 40 عامًا. ومنذ ذلك الحين، لم يعد لأبنائها الثلاثة سواها للتربية والإنفاق، حتى زوجتهم. "أساعد بعضهم أحيانًا في مصاريف بيته حتى بعد الزواج"، تقول أم راوية، مبررة بأن "الحياة اليوم أصبحت مستحيلة". 

وإلى جانب عملها حارسًا للعقار، تكسب أم راوية رزقها من العمل سمسارة للأراضي، والمساعدة في إحدى مكاتب الترجمة. وهكذا استطاعت أن تنفق على أبنائها حتى انتهوا من دراستهم الجامعية وتزوجوا.

المرأة العاملة في مصر

ما يقلق المرأة السبعينية الآن، التي تقول إن حالتها "مستورة والحمدلله"، هو مستقبل أبنائها، ولذلك تعمل جاهدة على مساعدتهم قدر استطاعتها، خوفًا عليهم من "المستخبي". أم جميل وأم راوية، نموذجان لمئات آلاف النساء العاملات في مصر، من مختلف الشرائح والطبقات الاجتماعية، بمختلف الظروف والأوضاع المادية.

المرأة المعيلة في مصر.. حقوق نصف مكفولة!

تؤكد المادة 11 من الدستور المصري على أن الدولة تكفل تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في كافة المجالات دون أي تمييز، وتمكينها من "التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل"، وتوفير الرعاية والحماية لـ"المرأة المعيلة" و"النساء الأشد احتياجًا".

لكن في مقابل المادة الدستورية الباعثة على التفاؤل، يحدد القانون المنظم أطرًا ضيقة لتحقيق الرعاية والحماية التي يعد بها الدستور للمرأة المعيلة، في حالة المرأة التي تتولى رعاية شؤون أسرتها بمفردها دون وجود أب أو أخ أو زوج أو ابن يعمل، أو بوجود أحد من هؤلاء لكن في ظرف يحتم عليه عدم القدرة على العمل.

يغفل ذلك التحديد، واقع آلاف النساء المعيلات في مصر، في ظل وجود أزواج قادرين على العمل، لا يعملون، أو بالأحرى لا يشاركون في نفقات الأسرة، كحالة أم جميل. أو في ظل وجود ابن متفرغ للدراسة أو يعيل أسرته الخاصة، كما في حالة أم راوية، وهي نماذج شائعة جدًا في المجتمع المصري.

نفس القانون الذي يعتبر المرأة زوجة الرجل السجين، امرأة معيلة لها الحق فيما يكفله الدستور؛ يستثني المرأة زوجة السجين السياسي، أي عشرات آلاف النساء المصريات في ظل وجود ما يقارب من 60 ألف سجين سياسي في مصر، وفقًا لإحصاء منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية الدولية.

المرأة المصرية تعيل ثلث المجتمع

يقع مقر عمل سعاد، امرأة في نهاية الثلاثينات من عمرها، بين أكوام القمامة، حيث تجمع، في جوال كبير تحمله على كتفها، المواد القابلة لإعادة التدوير مثل البلاستيك وأوراق الكارتون المقوى.

وفقًا للقانون، تعتبر سعاد متزوجة. لكن في الواقع هي ليست كذلك، بعد أن خرج زوجها ذات ليلة غاضبًا، ولم يعد أبدًا، لتصبح مضطرة للعمل بما يعيل أبناءها الأربعة، وأخيرًا أمها التي أصابها المرض جراء العمل سنوات في نفس المهنة.

المرأة العاملة في مصر

لا توجد أي ضوابط حماية للعمل في مهنة تصنيف القمامة في مصر، أو على الأقل لا تطبق هذه الضوابط، لذا فإن أغلبية العاملين فيها يمارسونها يدويًا، لذا فالكثير من مزاولي هذه المهنة، عرضة للإصابة بأمراض خطيرة.

وتمثل سعاد ومثيلاتها من النساء في مصر 26% من حالات الإعالة في البلاد، بمعنى أن أكثر من ثلث الأسر في مصر تعيلها النساء، والكثير منها تعيلها النساء في ظل وجود رجل قادر على العمل. وبالجملة، فإن 12 مليون امرأة في مصر، يعلن أسرهن.

ومع جهود الدولة لزيادة مشاركة المرأة في سوق العمل بما يحقق "المساواة" المرجوة، تتجاهل من جهة أخرى، أن كثيرًا من النساء العاملات، خاصة اللواتي يعلن أسرهن، تعملن في مهن غير رسمية، مثل سعاد، وبالتالي لا يحصلن على أي خدمات خاصة بالعمل مثل التأمين أو معاش الإعالة الشهري، فضلًا عن عملهن في ظروف سيئة.

رغم الدستور.. تمييز قانوني ضد عمل النساء

المرأة العاملة التي تدخل في إطارها المرأة المعيلة، لا تتعرض فقط إلى التمييز على المستوى الاجتماعي، بل على المستوى القانوني أيضًا، فقد وُجهت الكثير من الانتقادات إلى قانون العمل المصري الجديد، المطروح للمناقشة أمام البرلمان منذ العام الماضي، بعد موافقة وزارة القوى العاملية عليه.

ومن الانتقادات الموجهة للقانون فيما يخص التمييز ضد المرأة، استثناؤه العاملين في المنازل من تطبيق بند "تفتيش أماكن العمل والضبطية القضائية"، وذلك تحت حجة "مراعاة حرمة البيوت، ما يجعل علاقة العمل خاضعة لهوى صاحب/ـة المنزل الذي تعمل فيه المرأة!

كما يُنتقد القانون في تحديده لإجازات الوضع على طفلين فقط، ومنعه إقامة دار لحضانة الأطفال في أماكن العمل التي يقل عدد العاملين فيها عن الـ100، في حين أن معظم أماكن العمل الصغيرة والمتوسطة التي تعمل فيها نساء، مثل الورش والمصانع الصغيرة، يقل عدد العاملين فيها عن الـ100.

المرأة العاملة في مصر

كما أغفل القانون جرائم التحرش والعنف في أماكن العمل، وردّها إلى قانون العقوبات، رغم أن نصوصًا قانونية خاصة بتلك الحالات، كانت واردة في قوانين العمل السابقة.

نسبة المرأة المعيلة في مصر 26% أي أن أكثر من ثلث الأسر في مصر تعيلها النساء، وكثير منها في ظل وجود رجل قادر على العمل

كل ذلك يدفع العديد من الحقوقيين والنقابيين لانتقاد قانون العمل الجديد المطروح أمام البرلمان، ما يفسر تأخر إقرار البرلمان له، لما يكرس له من تمييز ضد المرأة العاملة في مصر، خاصة المعيلة، بالمخالفة لنص الدستور المصري.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ماذا تعرف عن سوء المعاملة العاطفية؟.. وحش العنف الخفي ضد المرأة

المعنفات في مصر.. حزينات لا ينقذهن القانون