1. ثقافة
  2. فنون

"الناس اللي فوق"... لماذا عدَّها نعمان عاشور أفضل مسرحياته؟

18 مايو 2025
نعمان عاشور
نعمان عاشور
الترا صوتالترا صوت

أعادت وزارة الثقافة المصرية، متمثلة في الهيئة المصرية العامة للكتاب طبع مسرحية "الناس اللي فوق" للكاتب المسرحي نعمان عاشور (1918 – 1987) والذي عُرف في الأوساط الثقافية بتلميذ أنطون تشيخوف المخلص.

عاشور هو أحد رواد المسرح الواقعي الاجتماعي في مصر، ولد في مدينة "ميت غمر" بمحافظة الدقهلية، في محيط أسري محب للفن. فقد ورث أبوه مكتبة ضخمة تضم مجموعة كبيرة من كتب الأدب والتراث والفنون. انتقل "عاشور" مع أسرته إلى القاهرة عام 1936 وذلك قبل أن يلتحق بقسم اللغة الإنجليزية بجامعة فؤاد الأول. وهناك بدأ في تعلّم الترجمة على يد شيخ النقّاد محمد مندور والذي تعرّف عن طريقة إلى كل من علي الراعي وأحمد رشدي صالح. وبدأ العمل ببنك التسليف الزراعي بعد تخرجه عام 1942. وقد اعتقل مرتين بتهمة الشيوعية، نتيجة لنشاطه السياسي الرافض. وتنقّل في وظائف عديدة، حتى استقر به المقام محررًا في جريدة أخبار اليوم.

كتب "عاشور" خلال حياته العديد من المسرحيات مثل: الناس اللي تحت (1956) – صنف الحريم (1960) – عائلة الدوغري (1963) – وابور الطحين (1965) – برج المدابغ (1976) وغيرها من الأعمال المسرحية المتميزة.

عاشور هو أحد رواد المسرح الواقعي الاجتماعي في مصر، ولد في مدينة "ميت غمر" بمحافظة الدقهلية، في محيط أسري محب للفن. فقد ورث أبوه مكتبة ضخمة تضم مجموعة كبيرة من كتب الأدب والتراث والفنون

في شهادة مهمة، روي "عاشور" ذكرياته عن مسرحية "الناس اللي فوق" لمجلة الهلال (أيار/ مايو 1985)، نوجز هنا أبرز ما ورد بها: "فلما كتبت مسرحيتي " الناس اللي فوق " عام 1957 بعد تأميم القناة وزوال العدوان الثلاثي كان لابد أن أدير أحداثها متأثرًا بالعوامل التي أخذت مجراها في تطور الإطار السياسي العام، وأبرزها القضاء على النظام الملكي الإقطاعي واندحار الاحتلال. وجاء الاسم مطابقًا مطابقة تلقائية وطبيعية للموضوع الذي شرعت في معالجته والذي يدور حول انهيار الباشا بطل المسرحية كممثل لهذه القوى السياسية المندحرة.. ومحاولة تلمس أو استكشاف ما يعتمل في داخل هذا الإطار السياسي من عوامل جديدة دافعة نحو تطوير اجتماعي وسياسي أفضل.. وكانت هذه العوامل واضحة في ذهني تمام الوضوح نتيجة للممارسة السياسية خلال الأربعينات إلى جانب ما اكتسبته من قراءاتي من وعى اجتماعي ومعرفة اقتصادية مكنتني منها دراساتي المتصلة المتتابعة عن الاشتراكية. وبفضل هذا الوضوح في الرؤية استطعت أن أكتب " الناس اللي فوق " فيما لا يزيد عن ثلاثة شهور.. كان موضوعها مبلورًا وجاهزا في داخليتي، وكانت العقبة تتركز في محاولة طرقه من خلال ما أتفاعل به مع شخوصه... لكن هذه الشخوص لم تكن قد تجسدت بعد في خيالي لأنها شخوص بعيدة عن بيئتي الفعلية".

"وفجأة وقعت على شخصية عبد المقتدر باشا لأجعل منها شخصية محورية تدور حولها الأحداث.. ومن خلاله أصور طبيعة الانهيار الذي نتج عن سقوطه كخادم للإقطاع وممثل لمصالحه وأثر هذا الانهيار على أوضاع المحيطين به.. وفاجأتني صورته المتخيلة في قالب كوميدي صارخ لدرجة أنني كنت أكتب النصّ وأنا لا أكف عن الضحك.. ورغم ما عانيته من صعوبة في نسج خيوط البناء الدرامي للنصّ منطلقًا من شخصية الباشا إلا أنها زوّدتني بالكثير من موجبات الكوميديا. والحق أنني لم أشعر بصفاء أو لذة أو شغف بأي مسرحية كتبتها مثلما شعرت وأنا أكتب "الناس اللي فوق".. ولهذا أعتبرها أفضل مسرحياتي مخالفًا بذلك كافة النقّاد والدارسين والباحثين الذين كتبوا عن أعمالي المسرحية.. كان القلم يجرى على الورق يكاد يسبق أصابعي وينفلت منها وأنا أكتب هذه المسرحية.. وكنت أشعر بنشوة غامرة كلما أعدت قراءة ما كتبت لأتابع الكتابة من جديد. فالمسرحيات لا تحكى قصة ولا تقدم موضوعًا أكثر من أنها تبلور شخوصًا درامية خالصة في إطار كوميدي ناعم وصارخ في نفس الوقت. وكنت مهووسًا بشخصية الباشا الذي بلورت حول مأساة انهياره النسيج الدرامي للنص متأثرًا في ذلك بأسلوب تشيخوف في رسم الجو الذي تدور فيه الأحداث وتتصارع الشخصيات رسمًا شاعريًّا رقيقًا، وفي رفة كوميدية عميقة دفعت الصديق أحمد عباس صالح، وهو من أكثر النقاد إدراكًا لدقائق موهبتي المسرحية.. جعلته وهو يعلق على المسرحية يعنون مقاله واصفًا إياي بأنني في هذه المسرحية بالذات أعتبر التلميذ المخلص لتشيخوف".

"لكن ماذا عن إخراج المسرحية وعرضها؟!! كان المسرح القومي يستعد لافتتاح موسمه الجديد، موسم 57/1958 بعد عام من تسلم الصديق أحمد حمروش لمركزه كمدير للمسرح القومي، وكنت قد وعدته بكتابة مسرحية يفتتح بها الموسم، ولم يكن هناك من يكتب المسرح حتى الآن أحد غيري من أبناء جيلنا غير الصديق ألفريد فرج وهو إلى الآن أثبت كتاب المسرح، وأعلن المسرح القومي عن برنامج موسمه قبل بدئه، وهذه إحدى التقاليد الجديدة التي شرعها حمروش في دقته وحزمه، وقد تضمن الموسم تقديم ثلاث عشرة مسرحية في موسم واحد، تجمع بين الجديد المؤلف والمقتبس والمعرب والقديم المعاد إخراجه وتقديمه، أي الحرص على الريبوراتوار كعمود فقري للنشاط المسرحي، قدمت إذن في موسم واحد ثلاثة عشرة مسرحية بواسطة المسرح القومي وحده.. بينما المسرح القومي لم يقدم طوال السبعينات وحتى اللحظة في أي موسم من مواسمه أكثر من مسرحية أو على الأكثر مسرحيتين أو ثلاثة".

"وقد ظلت مسرحيتي "الناس اللي فوق" كأنجح مسرحيات هذا الموسم.. ظلت تعرض حتى عام 1964 وكانت بمثابة الإوزة التي تبيض ذهبًا بالنسبة للمسرح القومي في كل موسم التليفزيون وكان المسرح القومي يكرر إعادة عرضها لاسترداد جمهوره المفتقد.. إن فكر التليفزيون في التقاطها.. وبالفعل أجريت البروفات اللازمة لذلك. وتأهب الجميع في اليوم التالي لتصويرها. ولا أنسى الحماس الذي كان يغمر الأخوين حسين رياض وفؤاد شفيق لأنهما سيظهران في مسرحية واحدة لأول مرة معًا على مدار تاريخهما الفني الطويل. لكننا فوجئنا في صباح اليوم المقرر للتسجيل بسحب عربة التليفزيون من أمام المسرح والعدول عن تسجيل المسرحية، وكان السبب أن السيد المشرف على الإذاعة والتليفزيون والمسرح أيامها، وهو المرحوم الأستاذ محمد أمين حماد، وذلك في فترة إدماج وزارة الثقافة في وزارة الإعلام التي يتولاها الدكتور عبد القادر حاتم، قد قدم له، أي للأستاذ حماد؛ تقريرًا عن المسرحية بأنها مسرحية سياسية تدعو إلى الصراع الطبقي وإثارة الحقد بين الطبقات إلخ إلخ.. وعلى كل فإن المسرحية لو كانت قد سجلت فقد كان لابد أن يلحقها مصير مسرحياتي الأخرى التي قام التليفزيون بتسجيلها وعرضها خلال الستينات ثم مسحت شرائطها وتوقف عرضها خلال السبعينات في ظل ولاية الأستاذ عبد الرحيم سرور ورئاسته للجهاز".

 

"ولم أكن قد اخترت من مخرجي الفرقة من يخرج مسرحيتي، وفوجئت بأن جميع المخرجين بالفرقة قد وقع الاختيار عليهم لإخراج المسرحيات الأخرى المقدمة خلال الموسم، وذات صباح أخطرني الصديق أحمد حمروش بأنه يرشح لي الفنان الراحل سعيد أبو بكر، ثم ناوله سماعة التليفون ليكمل المكالمة فقال إنه قرأ المسرحية وإنه متحمس لها وعلى استعداد لإخراجها، وكان طبيعيًّا أن أتحفظ في الاستجابة فطلبت منه أن نلتقي لنتفاهم. كان بقية المخرجين للمسرحيات الأخرى قد سبق لهم الإخراج، وعرفوا أنهم مخرجون؛ فتوح نشاطي والزرقاني وحمدي غيث ونبيل الألفي ونور الدمرداش.. بينما لم يكن سعيد أبو بكر قد عُرف بأنه مخرج، وعلى حد علمي قد سبق له الإخراج فلما التقينا قال إنه يلحظ ترددي في قبول إخراجه المسرحية مع أنه حريص على ذلك. ثم أنه صحيح لم يخرج للمسرح القومي من قبل ولكن كان مساعدًا لأستاذه زكي طليمات في إخراج العديد من المسرحيات. وأطلعني على أسمائها وإعلاناتها وقال إنه ليس في حاجة إلى ذلك لولا أنه يعتقد أن النصّ وقد قرأه ثلاث مرات نصّ "يخرج نفسه بنفسه"، وأنه مضمون النجاح حتى ولو عرض كما هو بدون مخرج، ولكن العبرة كما قال ساخرًا بما يمكن أن يتوافر له من الأداء التمثيلي الكوميدي وهو الأقدر على ذلك من غيره لأنه هو نفسه "كوميديان". والحق أنني لم أقتنع بمنطقه خاصة بعد أن شرح لي مشروع إخراجه الذي يقوم على مزيد من التركيز في الحوار حتى تكون الكوميديا "حراقة" لأنها كوميديا شخصيات ومواقف وليست كوميديا لفظية. وخرجنا من هذه الجلسة وأنا غير مقتنع بما أبداه من رغبة أكيدة في اختصار النصّ بحيث لا تزيد مدة عرض عن ثلاث ساعات إلا ربع على أكثر تقدير لثلاث ساعات ونصف كما أجرى قياسه الزمني للنصّ بعد قرأته ثلاث مرات".

"لم يرقني هذا المطلب لأني لا أقبل أي تعديل في مسرحياتي.. فالعمل الفني وحدة متكاملة لا يجوز الانتقاص منه أو الإضافة إليه. ولهذا سارعت إلى الاحتكام للمكتب الفني مطالبًا بتنحية المرحوم سعيد أبو بكر من إخراج المسرحية بعد أن كان المكتب قد عهد إليه بإخراجها. هنا أيضًا نظر قيمة وأهمية الدور الذي يمكن أن يلعبه مدير الفرقة المسرحية الحريص على سلامة إنتاج وعرض مسرحياتها. من أجل هذا لم أفاجأ بزيارة حمروش في بيتي وبصحبته سعيد أبوبكر. ولم يكن قد أخبره برفضي إخراجه للمسرحية، وإنما يحتاج الأمر إلى تسوية ما يمكن أن ينشأ بيني وبينه من خلاف حتى نضمن نجاحها، وكان حمروش متحمسًا للنصّ أكثر من سعيد أبو بكر، خاصة بعد أن أعاد قراءته للفصل في الخلاف. ورغم ذلك فقد اختلفنا أنا وسعيد من الدقيقة الأولى حين عاد يكرر مطلبه عن ضرورة اختصار ما سماه "الحشور اللت والعجن"، لأن الكوميديا يجب أن تكون ساخنة وحراقة وسريعة الإيقاع.. وتناقشنا بحدة.. ويبدو أنني صارحته برفضي لإخراجه المسرحية فقام غاضبًا منسحبًا، وجاءت زوجتي رحمها الله منزعجة لخروج سعيد المفاجئ من البيت إذ كانت تعد لنا العشاء وطالبتني بأن أجرى وراءه وأصالحه. فلحقت به على السلالم وهو في طريقه إلى مغادرة المنزل، فإذا به يبكي بكاء الطفل لموقفي منه، واحتضنته معتذرًا وأنا أبكي معه. كان سعيد رحمه الله شديد الحساسية وقد خيل له أنني أتعمد".

"بعدها ساد الوئام بيننا في صداقة عميقة متصلة ظلت حتى وفاته وشرعنا في إخراج المسرحية بتفاهم عجيب، خاصة بعد أن أطلعني على أسماء الممثلين الذين اختارهم لأدوارها وصمم على عدم تغييرها مهما كانت الأعذار. وكان قد اختار فؤاد شفيق في دور الباشا، وحسين رياض في دور شقيقه، وسناء جميل في دور زوجة الباشا، وأحمد الجزيري في دور سكرتيره ونعيمه وصفي في دور شقيقة زوجة الباشا، وكمال حسين في دور ابنها وسهير البابلي في دور ابنة الباشا. وكان سعيد موفقًا تمامًا في هذا الاختيار وقد تجلى ذلك من الليلة الأولى لعرض المسرحية إذ كان كل منهم منسجمًا في دوره مع الشخصية المختارة له. والحق أن اختيار "الكاست"، أي مجموع الممثلين الذين سيلعبون أدوار المسرحية، يعتبر من أبرز مواهب المخرج الثاقب النظرة. ولهذا كان سعيد أبوبكر رحمه الله يهمس في أذني بعد كل عرض: شايف.. مش قلت لك ما يفهمش الممثل غير الممثل اللي زيه".

ولا أطيل الحديث عن المسرحية أكثر من ذلك، لكن يكفي أنها ظلت تعرض على مدار سبعة مواسم متصلة ولم يفتر نجاحها الجماهيري في أي موسم".

كلمات مفتاحية
ملصق المسرحية (صفحة allo beirut)

"وداد النملة يلّي عم تحفر بالصخر".. حكاية امرأة تنتزع الذاكرة من غياهب النسيان

مسرحية تعيد النبش عن المفقودين وتداعيات الحرب الأهلية في لبنان

القصر الكبير في باريس (الموقع الرسمي)

القصر الباريسي الكبير يحتضن مركز "بومبيدو" الثقافي مؤقتًا

إعادة افتتاح القصر الكبير في باريس بعد أعمال ترميم ليصبح المقر المؤقت لمركز بومبيدو الثقافي

لوحة بيكاسو المتضررة (شبكات تواصل اجتماعي)

ناشط مناخي كندي يقدم على تخريب لوحة لـ"بياكسو"

تخريب لوحة لبابلو بيكاسو في مونتريال بكندا من قبل أحد الناشطين في مجال المناخ

الاتحاد الأوروبي
حقوق وحريات

تحقيق أوروبي يرصد إخلال إسرائيل بالتزاماتها.. ومراجعة مرتقبة للشراكة الاستراتيجية

من المتوقع أن يناقش الاتحاد الأوروبي يوم غد الإثنين "اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل"

ملصق المسرحية (صفحة allo beirut)
فنون

"وداد النملة يلّي عم تحفر بالصخر".. حكاية امرأة تنتزع الذاكرة من غياهب النسيان

مسرحية تعيد النبش عن المفقودين وتداعيات الحرب الأهلية في لبنان

منصة المحاضرة (وكالة الأنباء القطرية)
نشرة ثقافية

محاضرة بمركز "حسن بن محمد للدراسات التاريخية" حول تاريخ المتاحف العربية

محاضرة حول تاريخ المتاحف في الوطن العربي مع التركيز على تجربتي مصر وقطر

القصر الكبير في باريس (الموقع الرسمي)
فنون

القصر الباريسي الكبير يحتضن مركز "بومبيدو" الثقافي مؤقتًا

إعادة افتتاح القصر الكبير في باريس بعد أعمال ترميم ليصبح المقر المؤقت لمركز بومبيدو الثقافي