12-ديسمبر-2022
لوحة لـ روبرت بروتش/ بولندا

لوحة لـ روبرت بروتش/ بولندا

كل ما لا يمر الضوء من خلاله

هو جسم معتم

وهذه أبسط حقيقة تخصنا

لولا أن حبك في قلبي يملك أشكالًا كُثر

لولا أن الندرة التي جعلت الذهب ثمينًا،

أردتنا خائفين

لولا أن صورتك خلف أي زجاجة، تصنع من الشَفّاف مرآة

أحدق بك طويلًا طويلًا

وحُجتي أنني

أرى نفسي.

 

خمس طرق لقول الذهاب

1

عرفتُ الأوقات الصعبة

كيف تمر ببطء

والساعة في اليد وعلى الحائط

كيف تتسع للمأساة

وُجِد المرء متعددًا في فرحه

وواحدًا في معاناته

مهما توالت على كتفه الأيادي

وتحت عينيه المناديل.

 

2

مضت ليالي المنتصف

والسعادات الدافئة بها

بلا قصد أو أثمان

حيث القمر يسقط في أرض غرفة مظلمة، فنتوهج

وأصِل إلى عطش النبتة في نفس الوقت مع الماء

سعادات زائلة لكن أثرها

مثل فضيلة أو عار

لا يمكن لأحد محوه

من شعور أي شخص قد عرفه.

 

3

إلى شجرة الخروب:

ترن قرونك في رأسي

مثل جرس أو خلخال

أيتها الشاسعة

من أين لأبويك بكل هذا الرنين!

تعتلين سفح تلة

كسلطانة أو كفاجعة

توقظ بعظمتها المريبة

في الكائنات

سحر المناداة.

 

4

يشغلني مالا يشغل الناس

وردة تتفتح في الفناء

أصداف في عنق قطة

ضوء في الجبل البعيد

وبينما الكائنات تقتتل

تحت سروة عالية

الفهود تصرع الحملان

والسناجب حبات الجوز

أجلس مثل بومة على فرع مُطل

ساهمة وغير آبهة

أفكر بسمكة قرمزية

تعبر النهر البعيد.

 

5

أشعر بالقلق

حيال ما سيؤول إليه الكون

حيال الرجوع الفظّ

إلى نقطة الخلق الأولى

عزيز عليّ أن يغرق الكون المضاء

في الظلام

والكثرة التي لا تفنى، تقرضها الوحدة

ليكون لِزامًا علينا أن نعود

وإن كان بأقدام تائهة ومتخبطة

كل إلى أعماقه

حيث رمينا حبال النجاة في الأخاديد

والأيادي التي كانت تعرف

كيف تتشبث

*

 

أريد حياة أفضل

تشغلني بها الأفكار لا الأحداث

تمنحني صباحاتها القدرة والأسباب

وتطوي لياليها الحزن بالمغفرة

أريد أن أظل امرأة عندما أنظر للأشياء

أن أحدق بالشجرة مثلًا

دون أن أصير غصنًا أو ورقة

دون أن تحملني الريح

أو يتعلق بي أحدهم، فأنكسر

وعندما تجرفني الرغبة بأن أتغير

أَستبدل صوري التي تخفق في مداها الطيور

بأخرى أكثر ثباتا

وأقل جذبا للمضيّ.

*

 

من أيقظ المارد في الندم

وأشعل النار في الحنين

من زج الرغبة في الحب

وجعل القاف سيدا حيثما وجد

في الدراق والقُبل والأسماء

من أطلق الخسارة

ككلمة ثمينة،

عندما يتعلق الأمر بقائمتي!

من أوجد الكلمات

وزرع القيمة في المعنى

دون أن ينسبها إلى نفسه

لم يكن شخصًا رحيمًا أبدًا.

*

 

كثير على حاجتي

أن تبقى

كثير عليها أن تجيء الليالي

وتستعاد من المجازفة الفصول.

أكتفي من المدن بواحدة

أجلب منها تذكارًا في كل مرة أدخلها

وأقول: إحدانا تتغير باستمرار

وهذا يفسر شعوري بالجِدة.

أقفلتُ ذاكرتي على الحكايات كلها

كي لا أستدل على شيء

كي أنعم بهذه الرفاهية،

أخمّن ما أريد

وأجزم أنها الحقيقة.

لخمسة أيام من صباحات حزيران

صدّقت أنني في جوارك

الشمس تلمع في السماء ما أن تُذكر

والحب الذي يحترق منذ سنيين

قد ومض كنجمة.

*

 

ظلك بين شجرتين

مثل أرجوحة قماشية

لطول مكوثك دون حراك

توحي أنها فارغة.

بثلاثة سطور على جبينك

تبتلع ما بفمي من كلمات

تعيش في صوتي

في خصالي

في البقع السمراء على جسدي

بينما أعيش في صمتك

مثل هاجس لا يهدأ.

*

 

أحمل رأسًا صافيًا في غيابك

ولا أعلم أيّهما يصنعه

الحبّ أم الألم

الخفّة الّتي يبعث عليها الامتلاء

أم تلك الّتي ينفخها الفراغ.

عشت محفوفةً بالآخرين كخطرٍ

أتذكّر هذا وأعمّمه جزافًا

على كلّ ما كان قبلك

أنا الّتي أعيش في رأسك

مثلما أفعل على الأرض

أكلّم نفسي طوال الوقت

قبل أن أصطدم بك

منتشرًا

في الفراغ الّذي لا يحدّ

ومُحْدِثًا

خللًا بنيويًّا هناك.

*

 

كل شيء في فمك

يقبل أن يكون شعرًا

الشمس والطمي والأنهار

وجبتك الحزينة من الطعام

صوت الأريكة القاسية، إذ تغادرها

أعلم مأساتك يا حبيبي

أعلم كم عَذَّبتك الرهافة التي تغني لها

كم شعّبتك الطريق

أناديك كل مساء، فهل تسمعني؟

تناديك الألحان التي تذهب وراءها

مثل لوعة أو حنين

ويعينك نجم يشتد منذ البدء في الأعالي

عندما يسود الصمت الذي تخشاه.

*

 

أريد أن أداعب كفيك

أن أرسم بهما مصيرًا

وأغلقهما عليه.

مَن يجيء مِن الماضي

يعرف أين تذهب

في طريق عودتها

الكائنات.

لستُ جديدة على دربك يا حبيبي

لطالما كنت معك

في حيوات سابقة

أنا في أسلافك مذ كانوا

قناديل بحر وكرات ثلج وأشجار قهوة

أفكر بك مثل من تستعيد في خاطرها

ملايين السنيين

فهل تأبه؟

*

 

زُفّ لي أي قول

ليصير بصوتك إذ يقال،

بشارة

عن الديناصورات التي آلت جوارح

عن الشجرة الغريبة في سقطرى

عن الشمس تهزم كل حقيقة في رأسك

عن المشاعر خالدة في البسمة والدمعة والرعشة

قل لي: شاهديني يا لؤلؤتي وأنا أتذكرك

سيجرحكِ دليلي!

وتبكيكِ الصعوبة في وجهي

وكل اقتراب لم يقدني للخسارة.

زُفّ لي البشائر بصمت

فصوتكَ في المدى

بارد مثل الثلج

يترك حيثما يبقى

آثار حروق بالغة.

وهذه حرارتي في أثرك

مثل كرة اللهب

أُبعِدك بينما أعتقد

أن اشتعالي

يناديك.

*

 

أصابعي على الأحرف

بنفس الطريقة التي يكنّ بها على ظهرك

بنفس الجاذبية التي تدفعني

لكتابة شيء ما

أملك سهلًا واسعًا في بلدتي

وأصيصًا فارغًا

وأماكن مهجورة في أعماقي

كل فراغ لا يدفعني للكتابة؛ لا يكون

بالنهم الذي يريب

وبعشرة أظافر مثلثة في رؤوس أصابعي

تأخذ يدي شكل سمكة بيرانا

شكل جوعها الذي لا يكفّ

شراستها المتوارية في انفعال وحيد

يمكنك أن تسميه ابتسامة أو ذهول

تأمَّل ماذا أفعل بغيابك يا حبيبي

كيف أجترح الأسئلة من هوله

وكيف أؤجج الفراغ بالمعاني

وأعطي شكلًا للخراب

كي أنقذك!

*

 

دون أي كلمة واحدة

تحدثني

ببدائية بالغة

بنظرة لا تُنسى

عن أشياء لا تحمل وصفًا بعد

عندما أسمع صوتك

أو أتذكره

يمر في رأسي مثل خيط من الدخان،

في أثره حريق قد أُخمِد

أو مثل هالة من الغبار المضيء

في ذيل مذنب ما

للبدايات التي لم تعدّلها الطبيعة

تُرجعني

لأُصدّق أنك جئتني من هناك

تحمل في دمك المشقة

وتُطلق عليها أسماءً محببة.

*

 

من جعلك حبيبي في كل القصائد؟

من ذبح كل هذه الحملان في صوتك،

لتربك إدراكي للرقة؟

ينهمر النهار كالماء في عنقك

فيوشك قلبك على التشظّي

أعرف الأيام التي تطالك

وأي ضوء تبتغيه وكل عتمة تشتهيها

ما القصائد إن لم تكن

انتشارك حولي كالسنيين،

في أشعة النجوم

وفي أرجُل العناكب!

*

 

سأصدّق

أنك تطلق الأزهار في البراري

وتحمل النحل على العمل في الصباح

تُريق السماوات في البتلات

وتهدر الغروب إذ ترغب

سأصدّق أنك تهديني وردة لكل يوم

برية زرقاء

تنطبع عندما أحملها

مثل كدمة أو نقش

يطوي الأزرق فيها كل احتمالات الغرق

ويتوخى لي حيثما أصل

مصيرًا رحيمًا

في أعماقك.

*

 

أعيش في زلّاتك ومزاحك

حيث تُطوى الحقيقة بالهزل

مثل كلمة على لسانك

ثقيلة ومُبعدة

لا تختفي ولا تُقال

أو مثل قطعة متجمدة في مكان يخصك

تعرفني وتشعر بي

دون أن تكون واثقًا

من انتمائي إليك.

*

 

النار في كل شيء

تريد من يشعلها

في الليل والأسئلة والذكريات

أريدك أن تصلني على مراحل

مثل قطار يونيون باسيفيك

وجهك يظل ليوميين متتالين يصل

وأيام عديدة لبقيتك

أريد رؤيتك من كل الجهات

في ذات الوقت

كما لو كنت ماكثًا في بلورة

أن أنثني مثل العمر في جسدك

أو انضغط مثل نظرة في عينيك

أن أصير مراحلك لسنتين أو لعشرة

دون أن أبدو طارئة ومُتخيلة

النار في كل شيء يا حبيبي

مضى وقت طويل دون أخبرك بذلك

دون أن أُسرج لك القناديل

دون أن أُشعل لك السهولة بالمداهمة والتكرار

لكن كل شيء يحدث تباعًا

عندما توجد بداية ما

كَتبتُ في بداية الأمر

لأزيح القلق الذي تصنعه القصيدة في قلبي

لو كان بإمكاني

أن أفعل ذلك

في عادة أقل بؤسًا من الكلمات

لأعدت اختراع الكون في مشهد

لملأت الظهيرة بالضباب

والصبح بالألوان

وجعلت الليل طويلًا

والصيف يتدلى على الأكتاف

مثل حبال التين في قندهار

وأخذتُ عزائي من تشرين

أُنصِت خلف النوافذ

لليل يعج بالخطوات

تدلني به الأكياس التي تدور مع الريح،

منتحلة وجهة المشاة

وشظايا الزجاج التي تلمع،

في طريقي إليك.

*

 

في عظامي

‏مثل دلالة الوقوف أو الصلابة

تعرف خطواتي

ومساحة المستحيلات التي أركض بها

لأحظى بالفرص والبدايات

تفصح عن نفسك

في أجلِّ حاجاتي

في قدرة الصمت على مراعاتي،

كلما جلست وحيدة

في الشعر والموسيقى،

آخر الأيادي الممدودة.

من غيرك أنقذني أيها الحب

‏يا من تحرسني بالصفاء

‏وتهديني الإجابات التي لا أذكرها

‏عن الشيء الذي في البدء حرّكني.

*

 

من يعرفك أفضل مني!

جئتك دفعة واحدة

وعدت منك على مراحل.

بك ما يفسر الاشتياق يا حبيبي

ما تنفرد به الحماسة

وما يجعل الممكن يلمع مثل نجمة في السماء

عدت بنظراتك كلها

شغوفة وساهمة

أقول المشاعر بأدواتها الأولى

بالدمعة والضحكة والعناق

وأُرسل رائحتك إلى بعيد أيامي

كتعويض أو مواساة

أأحلمُ بعد ذلك!

أأتمنى؟!

وقد عرفت ما بِوسعك لي

‏نظرة تخصني

‏أو التفاتة

‏تخرج مثل قول حاسم من فمك

‏وتسيل كفجر عذب من عينيك.

*

 

عندما يتوقف الثلج عن السقوط

سأغمض عينيّ وأتتبع بالحدس الدافئ

خيوط الأزرق على أطراف الفجر

كما لو أنها أوردتك

وعندما ترتعش ذكراك في أوصالي

وتجد السوائل نفسها في وضع اضطراري للظهور

من عيني ومساماتي

سأسترد من الكون خلاصتي وأعود إليه شجرة أو نهرًا

من أحَبَكَ مرة

سيجد عزاءً في كل شيء

باليراعات المضيئة بين يديك

وفي بقايا الحقول على وجهك.

*

 

جئتني من الكلمات

من اللغة الفريدة في رأسك

من الصفحة البيضاء، تشبه صمتك الطويل

كانت لدي كلمة رقيقة

أقولها عندما تلمع في رأسي مثل نجمة أو دليل

ثم أعود إلى نافذتي

دون أن يثيرني كم هي جادة في الخارج

تنمو دون توقف

في مصير أحدهم

ليلة البارحة تفتحت وردة بينما كنت نائمة

رأيتها في الصباح شابة ومتفاعلة

هزّني أن الظلمة تشهد ولادات رقيقة

والبذرة لا تتوقف عندما أظن أنها فعلت

لا مهام نبيلة في رأسي

إلا أنني

أَكتُب لأعيد لك شعور الوطن

لأجد الكلمة التي هَمَستَ عندما وَجَدتها

بهذه الطمأنينة أريد أن أبقى

وهنا حيث ما زلت أرجف،

أريد أن أتفاقم.