يسلّط تقرير حديث صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني الضوء على حجم الكارثة التي لحقت بالأطفال دون سن الـ18 عامًا جرّاء العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، في وقت يُشكّل فيه الأطفال ما يقارب نصف سكان القطاع. فقد واجه الأطفال الموت، وفقدان الأسرة، والإعاقة، والجوع، والانقطاع عن التعليم، وسط انهيار شبه كامل في القطاعات الأساسية، ما يجعل مستقبلهم محفوفًا بالغموض.
وبحسب التقرير، يُشكّل الأطفال دون سن الـ18 عامًا 47% من إجمالي سكان قطاع غزة البالغ عددهم 2.1 مليون فلسطيني، فيما تبلغ نسبة الأطفال دون سن الـ15 عامًا 40.3 %، ما يعكس التركيبة السكانية الشابة للقطاع والتحديات المستقبلية في مجالات التعليم والصحة والحماية، خاصة في ظل العدوان الإسرائيلي.
أرقام مروعة
يشير المركزي للإحصاء في تقريره إلى أن الأطفال والنساء شكلوا نسبة 60 % من ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة، خلال الفترة الممتدة من 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 حتى 23 آذار/مارس 2025، حيثُ استشهد 17,954 طفلًا من أصل 50,021 شهيدًا، بينهم 274 رضيعًا ولدوا واستُشهدوا تحت القصف، بالإضافة إلى 52 طفلًا قضوا جوعًا، و17 آخرين ماتوا بردًا في خيام النزوح. كما أُصيب أكثر من 113 ألفًا، 69 % منهم من الأطفال والنساء، في وقت لا يزال أكثر من 11.200 شخص في عداد المفقودين، غالبيتهم من الفئات ذاتها.
يواجه أطفال غزة واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في التاريخ الحديث، حيث فقد 39,384 طفلًا أحد والديهم أو كليهما، بينهم 17 ألف طفل أصبحوا دون أي معيل من عائلهم
ووفقًا للجهاز المركزي للإحصاء، يواجه أطفال غزة واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في التاريخ الحديث، حيث فقد 39,384 طفلًا أحد والديهم أو كليهما، بينهم 17 ألف طفل أصبحوا دون أي معيل من عائلهم. إضافة إلى ذلك، أصيب 7065 طفلًا بإعاقات دائمة، وسُجلت 4700 حالة بتر، منها 846 حالة بين الأطفال، فيما يواجه 7700 رضيع خطر الموت بسبب نقص الرعاية الطبية، وانهيار النظام الصحي في القطاع.
وكان تقرير سابق قد أشار إلى أن العدد الهائل للأطفال الذين فقدوا أطرافهم جراء العدوان الإسرائيلي على غزة يُشكّل أحد المشاهد الأكثر صدمة، في الوقت الذي وصف مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية حالات الأطفال مبتوري الأطراف في غزة، بأنها "أكبر عدد من الأطفال مبتوري الأطراف في التاريخ الحديث".
وقال برنامج الإعاقة التابع لجمعية "العون الطبي للفلسطينيين" يقول إن المساعدات بهذا الشأن غطت نحو 20 % من الاحتياجات الفعلية، في الوقت الذي يواصل جيش الاحتلال منع دخول جميع المساعدات الإنسانية، بما في ذلك الطبية، إلى غزة. ومع قلة المساعدات الطبية، يواجه الأطفال آلامًا نفسية هائلة إلى جانب معاناتهم الجسدية بعد فقدان أطرافهم، في الوقت الذي ارتفع عدد الأطفال مبتوري الأطراف بشكل كبير، جراء استئناف جيش الاحتلال حرب الإبادة الجماعية على غزة في 18 آذار/مارس الجاري.
جرح مفتوح لا ينتهي
سلّط موقع "الترا فلسطين" الضوء، في تقرير صدر مؤخرًا، على الأطفال الذين فقدوا والديهم خلال العدوان. فقد نجت ليلى الخضري، ابنة العامين والنصف، وحدها من مجزرة إسرائيلية استهدفت حي الصحابة وأفقدتها عائلتها. خرجت من المستشفى بعد شهر من العلاج، مثقلةً بندوب في وجهها وخلل دائم في عينها اليمنى. أصبحت منطوية، لا تنام إلا في حضن خالتها، وتصرخ مع كل صوت قصف.
تقول خالتها، ابتسام زيدية لـ"الترا فلسطين": "حينما وقفت أمام سريرها، لم أدرك أنها ابنة أختي، كان وجهها مشوهًا وصرخاتها تمزق القلب. علمت حينها أنها لم تعد تملك أحدًا فقلت: لن أتركها للضياع". وأضافت: "عندما يحل الليل، تستيقظ باكية وتناديني: ماما.. احضنيني يا ماما!"، وتابعت: "لم يكن أمامي خيار سوى أن أضحي من أجلها".
يواجه أطفال #غزة آلامًا نفسية وجسدية بعد فقدان أطرافهم، في ظل تفاقم معاناتهم جراء استئناف الاحتلال حرب الإبادة على القطاع.
اقرأ التقرير: https://t.co/dGcwEsXpR5 pic.twitter.com/4GJKuV7Ri9
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) March 28, 2025
نجت منى حسن (4 أعوام) من قصف إسرائيلي استهدف منزل عائلتها وسط غزة، وفقدت والدَيها وشقيقتها، حيثُ عُثر عليها بين ذراعي عمها الشهيد. كانت مضرجة بالدماء، مصابة بجروح، لكنها على قيد الحياة. تقول جدتها، رغدة الحطاب: "لم أتعرف عليها في البداية، كانت مليئة بالجروح وملابسها ممزقة ومغطاة بالدم. ناديتها فلم تجب، فاحتضنتها وقلت: جدتك هنا، أنا معك".
وأضافت الجدة في حديثها لـ"الترا فلسطين": "تعيش تحت صدمة المجزرة، وترفض الطعام أحيانًا، وتسألني بعيون حائرة: متى سنذهب إلى بابا وماما؟ كيف أخبرها أنهما لن يعودا أبدًا؟ كلما سمعت صوت الطائرات، ترتعش بين يديّ.. ليست طفلة فقط، بل جرح مفتوح، ووجع لا ينتهي".
تعليقًا على ما يعاني منه الأطفال الذين فقدوا والديهم جراء العدوان، تؤكد المستشارة النفسية، لطيفة شتات، لـ"الترا فلسطين" أن هذه الصدمات النفسية قد تؤثر على حياة هؤلاء الأطفال في المستقبل بشكل دائم، حيثُ يواجهون فقدانًا مزدوجًا: "خسارة الأسرة، وانعدام الأمان"، مؤكدة ضرورة "توفير برامج دعم نفسي مستدامة للأطفال الذين فقدوا عائلاتهم، وتدريب الأسر التي ترعاهم على كيفية التعامل معهم، كما ينبغي دمجهم في بيئات آمنة وإعطاؤهم فرصة للتعبير عن مشاعرهم بدلًا من كبتها".
الآلاف يواجهون خطر الجوع الكارثي
بالعودة إلى تقرير المركزي للإحصاء، الذي يأتي قبل يومين من يوم الطفل الفلسطيني، فإن القطاع شهد عودة شلل الأطفال في تموز/يوليو 2024 بعد 25 عامًا تسجيل أخر حالة، نتيجة انخفاض نسبة التطعيم من 99% إلى 86% بسبب تدهور الوضع الصحي، بحسب المركزي للإحصاء، الذي يضيف أن منظمة الصحة العالمية وشركاؤها استجابت للتصدي للفيروس عبر ثلاث جولات تطعيم شملت على التوالي: 559,161 طفلًا، بالإضافة إلى 556,774 طفلًا، و602,795 طفلًا في الثالثة، ما ساعد في الحد من انتشار الفيروس.
🎥 طفلة تبكي والدها الشهيد بعد قصف إسرائيلي على غزة. pic.twitter.com/NzIKEPhmWy
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) March 27, 2025
ويعيد المركزي للإحصاء التذكير بتقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، الذي حذّر من أن 345 ألف شخص يواجهون خطر الجوع الكارثي، مع توقع تسجيل 60 ألف حالة سوء تغذية حاد بين الأطفال، منها 12 ألف حالة شديدة، إضافة إلى 16,500 امرأة حامل ومرضعة بحاجة للعلاج من سوء التغذية.
أما على المستوى التعليمي، فقد ذكر المركزي للإحصاء أن قطاع التعليم تعرض لانهيار شبه كامل في غزة بفعل العدوان الإسرائيلي المستمر، حيث دُمرت 111 مدرسة حكومية كليًا، وتضررت 241 مدرسة بشكل بالغ، إضافة إلى استهداف 89 مدرسة تابعة للأونروا، ما حرم 700 ألف طالب من التعليم في العام الدراسي 2024/2025، بالإضافة إلى حرمان 39 ألف طالب من تقديم امتحان الثانوية العامة.
ويختم المركزي للإحصاء تقريره بالإشارة إلى أن العدوان الإسرائيلي أسفر عن استشهاد 12.441 طالبًا خلال الفترة التي رصدها التقرير، فضلًا عن إصابة 19.819 طالبًا ، فيما انقطعت الدراسة لمدة 300 يوم، وسط ظروف مأساوية وانعدام المقومات الأساسية للتعليم البديل.