19-يناير-2017

يشرب المواطن اللبناني من عبوات لا تخضع لمعايير صحية (مروان نعماني/ أ.ف.ب)

يعتمد اللبناني في يومياته على المياه المعبأة. لا تزال المياه الواصلة إلى بيته غير صالحة للشرب. فهي إما ملوثة أو ممزوجة بمادة الكلور المعقمة. ويعاني اللبنانيون من كثرة الأمراض المتناقلة عبر المياه، فهي إما معبأة بشكل عشوائي ولا تخضع لأي من معايير السلامة العامة، أو مصادرها ملوثة في الأساس، حيث تعمد هذه الشركات إلى تعبئة العبوات من مياه الحنفيات أو المخصصة للري الزراعي. ويبدو أن الاستثمار في هذا المجال، من قبل الشركات الخاصة، يفتح المجال أمام مضاربات كثيرة، وأيضًا وجود شركات غير مرخصة تتعامل مع السوق بمبدأ "الربح أولًا".

وعلى الرغم من اعتبار لبنان، بلدًا غنيًا بمياه الشفة، نظرًا لوفرة ينابيعه وآباره الجوفية وشلالاته وكثرة الأمطار والثلوج فيه، إلا أن هذا لم يدفع الدولة نحو استثمار ناجح لهذه الثروة المائية، حيث لا تزال معظمها تذهب هدرًا في البحر، ويضطر اللبناني إلى شراء مياه الشرب بكلفة لا تتعدى، للغالون الواحد، ألف ليرة لبنانية أي ما قيمته 0,75 دولارًا، من دون أي رقابة فعلية من قبل وزارة الصحة أو وزارة الاقتصاد أو هيئة المستهلك.

تنتشر في لبنان شركات غير مرخصة لبيع مياه الشرب من دون أي رقابة من قبل وزارتي الصحة والاقتصاد

ويعد قطاع المياه المعبأة من الاستثمارات المربحة، وهو ما يفسّر وجود 42 شركة مرخّصة بالإضافة إلى مئات الشركات غير المرخصة، التي تتنافس على الحصص السوقيّة. وبحسب الإحصاءات، تسيطر 5 شركات مرخصة على 57% من السوق النظامية. علمًا وأن حجم هذه السوق مقّدر بنحو 300 مليون دولار أمريكي، وهو رقم يرتفع سنويًا، من دون أن نضيف له حجم أعمال الشركات غير المرخّصة التي يتخطّى عددها الألف، وحجم التصدير إلى الخارج الذي بلغ عام 2015 نحو 4.34 مليون دولار بحجم 24.93 لترًا، بحسب تقرير أعدّه قسم البحوث في "بلوم بنك".

اقرأ/ي أيضًا: موسم الصيد العشوائي في لبنان.. أين القانون؟

ويجنح عدد كبير من المواطنين اللبنانيين إلى استهلاك العبوات الصادرة عن شركات غير مرخصة، بسبب انخفاض كلفتها نسبة إلى تلك المعبأة في شركات تلتزم بمعايير صحية صارمة. ويصل عدد هذه الشركات إلى 85% من حجم الشركات المستثمرة في هذا المجال. وتشتمل سوق المياه المعبّأة اللبنانيّة على ثلاثة نماذج وهي المياه المعبّأة المرخّصة ويبلغ عددها بحسب وزارة الصحّة العامة 42 شركة، والمياه المعبأة غير المرخّصة (عددها غير محدّد، ولكنّه وصل عام 2007 إلى أكثر من 300 شركة، فيما يتخطّى اليوم الألف شركة)، والمياه المعبّأة المستوردة من الخارج وتشمل ثماني علامات تجاريّة وهي: Perrier، San Pellegrino، Acqua Panna، Contrex، وVittel التي توزّعها شركة نيستله، وEvian، Badoit، وVolvic التي توزّعها شركة KFF للأغذية والمشروبات.

وتعبّئ شركات المياه القانونيّة والمرخّصة في لبنان، من 700 إلى 800 مليون لتر من المياه سنويًا، وهذا الرقم مرشّح طبيعيًا للارتفاع بعد إضافة عمل الشركات غير المرخّصة إليه. لا شكّ أن هذه السوق تنمو تصاعديًا كون المياه من الحاجات الحياتيّة الأساسيّة والضروريّة، ونظرًا إلى ارتباطه بالزيادة السكانيّة. ما يجعل الطلب على هذا النوع من المنتجات معرضًا لتقلّبات الأسعار.

تسيطر 5 شركات مرخصة على 57% من السوق النظامية لقطاع المياه المعبأة في لبنان

لكن يبدو أن وزارة الصحة غائبة تمامًا عن ضبط هذا الانفلات والذي يصل الضرر فيه إلى موت مواطنين بسبب حاجتهم إلى المياه فقط. وتزداد حالات الطوارئ التي تنقل إلى المستشفيات من جراء تسمم بالمياه، وهي حالات تحيل المسؤولية إلى الوزارة التي تقصر في مراقبة السوق ووضع مراقبين صحيين أو في وضع خطة للإجهاز على الشركات غير المرخصة، والتي أكثرها تكون موجودة في بيئات فقيرة وبعضها يكون معامل لتصليح السيارات، كما الحال في بعض شركات الضاحية الجنوبية أو طرابلس، حيث تم الكشف عن مؤسسات لتعبئة المياه وبيعها، تعمل في أماكن مليئة بالتلوث والأوساخ ومن دون أي حماية.

ووفق مراقب صحي، رفض الكشف عن اسمه، في اتصال مع "ألترا صوت" فإن "الوزارة مسؤولة في إهمالها عن موت وتسمم مواطنين بسبب هذا الملف المتروك"، مشيرًا إلى أن بعض المراقبين الصحيين يحصلون على رشاوى من قبل هذه المؤسسات ليتم غض النظر عنهم وعدم إدراجهم في اللوائح المقدمة للوزارة لمتابعة ملفهم وإغلاقهم بالشمع الأحمر"، كما الحال في طرابلس (شمال لبنان). والحال، أن المواطن اللبناني ومع بداية العام 2017 لا يزال "يشحذ" مياه الشفة، التي يتغنى لبنان بوفرتها، وتصورها وزارة السياحة على أنها من أهم ميزات البلد الذي يأكله الفساد ويموت سكانه من النفايات الممتلئة في الشوارع أو جراء تسمم وهم يشربون، فإلى متى سيبقى هذا الإهمال مستشريًا في بلد "كل من إيدو ألو"؟.

اقرأ/ي أيضًا:

تعذيب المثليين في سجون لبنان: انتهاكات برسم الدولة

لبنان يقرّ مراسم التنقيب عن النفط.. زمن المحاصصة؟