09-يناير-2016

لينين وتروتسكي في الذكرة الثانية لانتصار الثورة البلشفية

"وحده من يستسلم يهزم والباقون جميعهم ظافرون"، وردت هذه الجملة في مخطوطة على أوراق بردى وجدت فى صعيد مصر، قبل أكثر من ألف عام من الآن، نقلها إلينا باولو كويلو في روايته "مخطوطة وجدت فى عكرا". نستدعي هذه المقولة وغيرها الكثير، في محاولة لاستلهام روح المقاومة في مجابهة حالة الجذر التى تتعرض لها الثورة المصرية، وصد نيران الهزيمة التي تصدرها يوميًا إلينا أبواق السلطة عبر الشاشات، ومن خلال القبضة الأمنية وتكبيل الميادين، بعد خمسة أعوام من ثورة "25 يناير".

الحرب على الإرهاب هي الحرب التي ينتصر فيها الجيش المصري، لكن الهزيمة ليست من نصيب داعش فحسب، بل "ثورة يناير"

أصدرت السلطة قانون التظاهر قبل عامين ضمن حزمة من إجراءات اتخذتها بدعوى مواجهة الإرهاب، وبالفعل كان هناك خطر حقيقي لا يخفى إلا على غافل، يواجه المنطقة بأكملها، يقطع الرؤوس ويسبي النساء ويسرق ثروات الشعوب فى العراق وسوريا وليبيا، لتأسيس دولة الخلافة المزعومة، والتي لا تغيب عنها مصر طرفة عين، ربما كعاصمة لها ومقرًا لأميرها. 

وكان لسيناء، على وجه التحديد، نصيب من جرائمها الإرهابية. لكن دعني عزيزي القارئ أسأل: لمن كان قانون التظاهر؟؟ هل يتظاهر الإرهابيون هاتفين: "تفجير.. دموية.. خلافة إسلامية؟"، بالطبع "لا"!! هل عاقبت السلطة حبارة، أو أيًا من المتورطين فى أعمال إرهابية بقانون التظاهر؟ بالطبع أيضا الإجابة "لا". إذن، فالقانون صدر لمن سجن بموجبه ولسلب حق التظاهر ضمن مجموعة من الإجراءات التي وضعت مسبقًا لإلحاق الهزيمة بالثورة والإطاحة بأهدافها وشبابها.
 
في الثامن والتاسع من شباط/فبراير 1904، اندلعت الحرب الروسية اليابانية، واستخدمت الحكومة الروسية هستيريا الحرب كذريعة لقمع التحركات الثورية التي كانت لا تزال في مهدها. ولعل ما قاله رئيس الوزراء الروسي بليهف يعطينا مثالًا شفافًا على ذلك: "نحن بحاجة إلى حرب صغيرة منتصرة كي نصد هجوم الثورة". وهنا فقط نجد ضالتنا فى ربط السلطة بين حربها على الإرهاب، وإطاحتها وتشويهها وقمعها لكل ما يمت لـ"ثورة يناير" بصلة، فالحرب على الإرهاب هي الحرب الصغرى والمنتصر فيها هو الجيش المصري وجنوده البواسل، لكن الهزيمة ليست من نصيب "داعش" فحسب، بل أرادوها للثورة وأهدافها وشبابها القابعين فى غياهب السجون.
 
هل حقًا هزمت الثورة، وكممت الأفواه، وأغلقت الشوارع والميادين فى وجه المنادين بالخبز والحرية؟ هل انتهى الأمر، وكما يردد إعلاميو النظام فى خطاب هزيمة، وسيسحق الجمع إذا اجتمعوا وسيولون الدبر؟ أم أنها قد تكون كما يحلو لنا وصفها حالة جزر للثورة، وعلينا استغلالها لتنظيم صفوفها ومراجعة خطواتها وإزاحة كابوس الهزيمة من أمام أعيننا ومواصلة المقاومة والنضال السلمي، من أجل الانتصار لقيم نبيلة رفعتها الثورة فى مواجهة نظام يأبى التنازل عن وطن يراه فريسة له ولحفنة من أعوانه.

لا توجد مساع جادة لبناء تنظيمات ثورية حقيقية، تتبنى خطابًا غير متعال يفهمه السواد الأعظم من الفقراء

بالرغم من فاتورة الدماء الكبيرة التى دفعها ثوار "يناير" فى مواجهة داخلية مبارك و"حبيبه" العادلي، وما تبعها من تحركات ثورية استشهد فيها خير شباب الوطن، فضلًا عما تعرضت له الثورة وكل من ينتمي إليها من قمع وتشويه وسجن، إلا أن الضريبة تأتي باتساع الحلم والذي طال عنان سماء مختلف الميادين.
 
طرح ملهم الثورة البلشفية فلاديمير إيليتش لينين: "لا يمكن أن يقبل الثوري الهزيمة دون أن يلمس حقائق مادية غير قابلة للشك تدل على تلك الهزيمة.. وهكذا فإن الثوريين هم آخر من يرحل عن ميدان المعركة"، وتساءل بعد هزيمة انتفاضة موسكو المسلحة في كانون الأول/ديسمبر 1905: "هل هُزمت الثورة، أم أننا نمر فقط عبر حالة من الهدوء المؤقت؟ هل مثلت انتفاضة ديسمبر ذروة الثورة، ونحن بذلك متوجهين، بعد هزيمتها، إلى حكم تأسيسي قيصري؟ أم أن الحركة الثورية بشكل عام تتصاعد في الإعداد لموجة جديدة، مستخدمة حالة الركود النسبي لحشد قوى جديدة، متوعدة بعد هزيمة الانتفاضة الأولى بانتفاضة ثانية ذات فرص أوفر كثيرًا في الانتصار؟".
 
وأجاب على أسئلته كالتالي: "قد لا تندلع الموجة الجديدة في الربيع، لكنها قادمة، وفي كل الأحوال ليست بعيدة. علينا أن نستعد لها متسلحين ومنظمين"، ووفقًا لذلك قرر مؤتمر البلاشفة، المعقود في فنلندا بين الثاني عشر إلى السابع عشر من كانون الأول/ديسمبر 1905 حشد كافة منظمات الحزب لاستخدام الجمعيات الانتخابية على أوسع نطاق، ليس استسلامًا لقيود الشرطة في انتخابات الدوما، لكن لتوسيع رقعة التنظيم الثوري للبروليتاريا، وللتحريض بين كافة طبقات الشعب من أجل التجهيز للثورة".
 
طرح لينين أسئلته وأجاب عنها وانتصرت الثورة البلشيفية بعد عدة أعوام من اندلاع أول موجاتها، لكننا ما زلنا نطرح الأسئلة دون أى إجابات أو خطوات على أرض الواقع، دون مساع جادة لبناء تنظيمات ثورية حقيقية تتبنى خطابًا غير متعال يفهمه السواد الأعظم من الفقراء، وتشتبك مع همومهم بكل الطرق والأدوات المتاحة، ولا تحركات لتوحيد صفوف الثورة على أرضية أهدافها من قيم العدل والحرية والمساواة. لا نملك الإجابات لكننا مازلنا هنا، ولا وجود للهزيمة.

اقرأ/ي أيضًا:

الثورة المأزومة وتبلور الوعي الطَّبقي

الثورة التي في الكتب.. الثورة التي في الواقع