02-فبراير-2018

كان باري يعتبر نفسه صحفيًا منبوذًا من دوائر السياسيين ووسائل الإعلام الكبرى (أسوشيتد برس)

عقب وفاته مباشرة، نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية تقريرًا يتضمن سيرةً ذاتية مُوجزة عن الصحفي الاستقصائي الأمريكي الذي وصفته بـ"العنيد"، روبرت باري، وأبرز محطاته المهنية، وشذرة عن رؤيته التي يرى أنها جعلته "منبوذًا". ونعرض لكم في السطور التالية ترجمة التقرير.


توفي روبرت باري، الكاتب والصحفي الاستقصائي العنيد، الذي كشف تفاصيل الدعم السري الذي قدمته إدارة الرئيس الأمريكي رونالد ريغان للمتمردين النيكاراغويين في ثمانينات القرن الماضي.

توفي الصحفي الاستقصائي روبرت باري الذي كشف دعم إدارة ريغان لعمليات الاغتيال التي نفذها يمينيون ضد الحكومة الاشتراكية بنيكاراغوا

توفي روبرت باري في أرلنغتون، بولاية فيرجينيا في الولايات المتحدة الأمريكية، عن عمرٍ ناهز 68 عامًا. وتقول زوجته، ديان دوستون، إن سبب وفاة روبرت باري هو إصابته بسرطان البنكرياس.

اقرأ/ي أيضًا: الاستقصاء الصحفي.. صمام أمان المجتمعات النظيفة

فاز روبرت باري بجائزة جورج بولك للصحافة الوطنية عام 1984، لتقديمه دليل على تزويد وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية لما يسمى "بجماعات كونترا"، بتعليمات لعمليات الاغتيال التي نفذتها. و"كونترا" هي جماعات من المتمردين اليمينيين الذين كانوا يسعون للإطاحة بالحكومة الاشتراكية في نيكاراغوا.

وكان روبرت باري جزءًا من فريق تحقيق وكالة أسوشيتد برس بواشنطن، عندما كُشفت القصة. وبفضل تلك القصة رُشح باري أيضًا للمرحلة النهائية للفوز بجائزة بوليتزر للصحافة الوطنية لعام 1985.

وفي عام 1985، كشف روبرت باري تورط الكولونيل أوليفر نورث، نائب مدير مجلس الأمن القومي "إن إس سي"، في عملية سرية لدعم جماعات كونترا من خلال عائدات مبيعات الأسلحة السرية لإيران. وقد حظر الكونغرس هذا الدعم. وقد بيعت هذه الأسلحة إلى إيران لتسريع إطلاق سراح الرهائن الأمريكيين في لبنان.

وفي عام 2015، منحت مؤسسة نيمان للصحافة بجامعة هارفارد، روبرت باري، وسام "أي إف ستون" للاستقلال الصحفي. وفي العام الماضي، حصل روبرت باري على جائزة مارثا غيلهورن للصحافة، والتي سميت على اسم مراسلة الحرب في القرن العشرين مارثا غيلهورن، والتي تُمنح وفقًا للموثوقية التي تأسست باسمها.

وقد اشتكى روبرت باري من أن بعض المقالات عن فضيحة "إيران - كونترا"، بما في ذلك التي كتبها لأسوشيتد برس مع زميله براين بارجر، قد أُفرغت من مُحتواها، أو حُجبت في بعض الأحيان، لأن رؤساءه كانوا يجتمعون مع الكولونيل نورث للتفاوض على إطلاق سراح تيري أندرسون، وهو مراسل أسوشيتد برس الذي كان محتجزًا كرهينة خلال الحرب الأهلية في لبنان، إلا أن مسؤولي أسوشيتد برس نفوا تلك الاتهامات.

ونتيجةً للإحباط الذي أصابه من وسائل الإعلام ووكالات الأنباء المعروفة، أنشأ روبرت باري في عام 1995 اتحاد الصحافة المستقلة، والذي يُمَوَّل موقعها من خلال مساهمات القراء. 

غادر روبرت باري أسوشيتد برس عام 1987، ثم عمل في وقت لاحق على سلسلة الأفلام الوثائقية المعروفة باسم "خط المواجهة - Frontline" لصالح شبكة التلفزيون الأمريكي (PBS). وفي إحدى حلقات البثّ في عام 1991، كان يحقق روبرت باري في ما إذا كان ريغان، كمرشح للرئاسة، قد قام بعرقلة عملية إطلاق سراح الرهائن الأمريكيين في إيران عام 1980 لمنع الرئيس جيمي كارتر، منافسه الديمقراطي، من الاستفادة سياسيًا من عملية الإفراج عنهم. يُذكر أنه قد أُطلق سراح الرهائن في يوم تنصيب ريغان!

في 2014 ظهر باري بفيلم وثائقي يقول فيه إن ما حدث بأوكرانيا ليست ثورة شعبية بل انقلاب مجموعات قومية بالتواطؤ مع الولايات المتحدة

وكتبت صحيفة بوسطن غلوب عن استعراض الفيلم الوثائقي: "أولئك الذين يبحثون عن أدلة، سيذهبون إلى المكان الخاطئ إذا كانوا يأملون أن سلسلة (Frontline) سيوفرها لهم"، مُضيفةً: "غير أن (Frontline) يقدم الكثير من الأدلة التفصيلية التي يمكن أن تشكك في الأسوأ فقط بعد مشاهدتها".

اقرأ/ي أيضًا: آنا بوليتكوفسكايا واغتيال الصحافة الحرّة في روسيا

وقد أسقط تحقيق في الكونغرس نسخة روبرت باري عن دور ريغان، إلا أن روبرت باري جمع المزيد من الأدلة بعد نشر كتاب "خدعة أم خيانة - Trick or Treason" في عام 1993، والذي يسرد فيه قصة تورط ريغان. بعد ذلك الكتاب، أصدر روبرت باري خمسة كتب أُخرى، بينها كتابان بالتعاون مع اثنين من أبنائه.

 

غادر باري أسوشيتد برس عام 1987 وأطلق موقع اتحاد الصحافة المستقلة (أسوشيتد برس)
غادر روبرت باري أسوشيتد برس عام 1987 وأطلق موقع اتحاد الصحافة المستقلة (أسوشيتد برس)

وفي 2014، ظهر روبرت باري بفيلم وثائقي جديد تحت اسم "أوكرانيا على خط النار - Ukraine on Fire"، يتحدث عن الانتفاضة الأوكرانية التي حدثت في 2014 التي وصفتها وسائل الإعلان الغربية بـ"الثورة الشعبية"، ليقول إنها في الواقع كانت انقلابًا قامت به جماعات قومية بالتواطؤ مع الولايات المتحدة الأمريكية.

وعن روبرت باري قال أوليفر ستون، وهو أحد المنتجين التنفيذيين للفيلم: "أنا لا أراه (أي باري) رجلًا يؤمن بالمؤامرات، بل رجل نزيه يحمل حس سليم. إنه بوفاته يترك فجوة كبيرة في الصحافة الأمريكية".

"المنبوذ"

ولد روبرت إيرل باري في 24 حزيران/يونيو 1949، في هارتفورد. والدته تدعى إليزابيث كاتون، ووالده هو ويليام باري، الناشر في ميدليزكس ديلي نيوز بفرامنغهام، وقد حصل على درجة البكالوريوس في اللغة الإنجليزية من كلية كولبي بووترفيل، في ولاية مين، عام 1971.

بالإضافة إلى زوجته ديان دوستون، وهي مراسلة صحفية سابقة لأسوشيتد برس، لدى روبرت باري ثلاثة أبناء، هم: سام وجيف ونات، وابنة هي  إليزابيث باري، وأخت هي راندين باري، وأخ هو وليام. وله ستة أحفاد أيضًا.

عمل روبرت باري لفترة وجيزة بصحيفة والده قبل انضمامه إلى أسوشيتد برس عام 1974. وإلى جانب عمله لحساب أسوشيتد برس في واشنطن، عمل لحسابها أيضًا في بالتيمور بولاية ميريلاند الأمريكية ووكذلك في بروفيدانس بولاية رود آيلاند، ثم انتقل للعمل بصحيفة نيوزويك في الفترة من 1987 إلى 1990.

وفي مقال كتبه هذا الأسبوع، قال نات، نجل باري، إن إحدى أوائل ذكرياته كانت "لحظة رحيل أبي في أوائل الثمانينات من القرن الماضي إلى مناطق الحرب في السلفادور ونيكاراغوا وغواتيمالا، لأداء مهمته".

وأضاف نات: "أتذكر عندما سألته: لماذا يجب عليك الذهاب؟ فأجاب بأنه من المهم الذهاب إلى هذه الأماكن لنقل حقيقة ما يحدث هناك. وذكر أن هناك أطفالًا في مثل عمري ذلك الوقت قد قتلوا في هذه الحروب، وأنه يتحتم على شخصٍ ما أن يروي قصصهم".

وبعد عقود من إغضاب المحافظين واليمينيين منه، أثار روبرتباري حفيظة الليبراليين كذلك، عندما قال في 2016، إن التدخل الروسي في الانتخابات، كان له تأثير ضئيل في فوز دونالد ترامب، رغم أن روبرت باري كانت ينتقد ترامب بشدة ويصفه بأنه "يزدري الحقائق"، بل إنه وصف سلوك ترامب بـ"التافه والغبي".

وكان روبرت باري يعتبر نفسه منبوذًا في أعين السياسيين والمؤسسات الإعلامية والإخبارية الكبيرة، والتي كان يرى أنها تُشكّل نوعًا من "الحكومة الدائمة الموازية".

اعتبر باري نفسه منبوذًا في أعين السياسيين والمؤسسات الإعلامية الكبرى والتي كان يرى أنها تمثل شكلًا من "الحكومة الدائمة الموازية"

وفي كلمة ألقاها روبرت باري أمام منظمة "الإنصاف والدقة في إعداد التقارير" لمراقبة وسائل الإعلام، في عام 1993، قال باري إنّ "الأشخاص الذين نجحوا وترقوا في وسائل الإعلام، هم أولئك الذين لم يقفوا دفاعًا عن الآخرين، الذين لم يكتبوا القصص الكبيرة، ولكن أولئك الذين ولّوا وجوههم شطر الطريق الآخر، بينما كان التاريخ يكتب أمامهم، وتواطأوا إما بوعي أو جبن، لخداع الشعب الأمريكي".

 

اقرأ/ي أيضًا:

اغتيال الصحفية دافني كاروانا غاليزيا.. لن تغتالوا الحقيقة

محمود عوض.. "عندليب الصحافة" الذي مات وحيدًا