يزعم موقع مجلة نيوزويك أنّ الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي من أوروبا يعدّون العدّة لمواجهة عسكرية محتملة مع روسيا، بغضّ النظر عن الموقف الأميركي بعد عودة ترامب للبيت الأبيض.
ولعلّ التصريحات الأخيرة التي أدلى بها الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته أمس الأربعاء، تصبّ في هذا التوجه، حيث دعا إلى تسليح أوكرانيا بما تحتاجه من سلاح وعتاد لتغيير مسار الحرب بشكلٍ نهائي، مبررًا ذلك بأنّ روسيا قدّمت الدعم لبرنامج كوريا الشمالية النووي والصاروخي، مقابل حصولها على أسلحة وجنود من بيونغ يانغ لدعم مجهودها الحربي في أوكرانيا.
وشدد روته على أنّ ما سمّاها "الحرب غير الشرعية في أوكرانيا تهدد دول حلف شمال الأطلسي جميعًا"، كما اعتبر روته في السياق ذاته أنّ التنسيق المتزايد بين روسيا والصين وكوريا الشمالية وإيران، يرقى إلى درجة "الخطر العالمي" في تهديده لدول حلف شمال الأطلسي.
بدأت عدة دول أوروبية من أعضاء حلف الناتو في زيادة إنفاقها العسكري والاستعداد لمواجهة محتملة مع روسيا
يشار إلى أنّ كييف طالبت حلفاءها هذا الأسبوع بتوفير 20 منظومة دفاع جوي على الأقل، لحماية أكبر عدد ممكن من منشآت الطاقة الاستراتيجية على أراضيها، بعد الضربات الأخيرة التي تلقتها من طرف القوات الروسية.
طبيعة الاستعداد الأوروبي:
نقل موقع نيوزويك عن رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الألمانية برونو كاهل قوله "إن روسيا تستعد لحرب مع الغرب، لا بهجوم واسع النطاق ولكنها قد تختار غزوًا محدودا أو زيادة تكتيكات الحرب الهجينة الخاصة بها، لاختبار مدى صلابة إرادة التحالف بين دول حلف شمال الأطلسي".
ووفقًا لمصادر نيوزويك فإنّ الأعضاء الأوروبيين في الناتو يستعدون "لكلا الاحتمالين: الحرب الشاملة أو استخدام تقنيات أقل وضوحًا لتقويض الاستقرار في دول الحلف".
وتعليقًا على هذه السيناريوهات المتوقعة يقول مفوض الدفاع في الاتحاد الأوروبي أندريوس كوبيليوس "إذا أخذنا هذه التقييمات على محمل الجد، فهذا هو الوقت المناسب لنا للاستعداد الصحيح وهو وقت قصير، ولذلك علينا اتخاذ قرارات سريعة وطموحة".
وبما أنّ عملية الاستعداد لا تصح دون رصد الميزانيات الكافية، فإن الناتو يسعى حاليًا في جميع أنحاء أوروبا "لزيادة الإنفاق الدفاعي إلى ما هو أعلى من نسبة 2% من الناتج المحلي الإجمالي المطلوبة".
ويؤكد موقع نيوزويك أنّ الأعضاء الأوروبيين في الحلف أكدوا بالفعل "تعهدهم بالوفاء بهذا الهدف أو تجاوزه"، وليس هذا التعهد بالأمر المستغرب، نظرًا إلى أن ترامب سيضاعف الضغوط على أوروبا لزيادة الإنفاق العسكري.
وشرعت ألمانيا بالفعل "في وضع خطط لحماية المباني والمنشآت المهمة في حالة وقوع هجوم، ولدراسة ما ستكون عليه ألمانيا عندما تتحول إلى قناة لعبور مئات الآلاف من الجنود المتجهين شرقًا في أوروبا".
بدورها قامت 3 من دول البلطيق هي لاتفيا وليتوانيا وإستونيا بتوقيع اتفاقية دفاع هدفها تعزيز "نظام الحماية على طول حدودها البرية مع روسيا وحليفتها بيلاروسيا".
وتعليقًا على هذه الاتفاقية قال وزير الدفاع الإستوني هانو بيفكور "إننا نبذل هذا الجهد حتى يشعر شعب إستونيا بالأمان، ولكن إذا ظهر أدنى خطر فسنكون مستعدين لمختلف التطورات في أسرع وقت".
وفي ذات الصدد أعلنت وزارة الدفاع الليتوانية أنها "أقامت ألغامًا ودفاعات أخرى ضد الدبابات والمركبات المدرعة"، فيما قالت لاتفيا إنها "وضعت دفاعات مماثلة" معلنةً أن "نحو 303 ملايين يورو ستُضخّ في بناء دفاعات على حدودها الشرقية مع روسيا على مدى 5 سنوات".
يلاحظ أنّ دول أوروبا الغربية ما تزال متخلفةً عن ركب الاستعدادات مقارنةً بأوروبا الشرقية
من جهتها شرعت بولندا في بناء ما أطلقت عليه "درع الشرق"، بتكلفة تزيد على 2.5 مليار دولار ووصفته بأنه "أكبر عملية لتعزيز الحدود الشرقية لبولندا، البوابة الشرقية للناتو منذ عام 1945".
وبحسب وليام فرير، عضو مؤسسة الأبحاث البريطانية، فإنّ "استثمارات بولندا عبارة عن مزيج من بناء القدرات الدفاعية والقدرات الهجومية المصممة لردع روسيا من خلال إقناعها بأن أي هجوم سيفشل في تحقيق أهدافه وسيكون بتكلفة عالية جدا"، مؤكدا أن "تحصينات درع الشرق البولندية تستند إلى الدروس المستفادة من القتال في أوكرانيا".
وشملت الاستعدادات الأوروبية أيضًا نشر أنظمة الدفاع الجوية، حيث أعلنت وزارة الدفاع المجرية عن عزمها "وضع نظام دفاع جوي في المنطقة الشمالية الشرقية من البلاد.
يلاحظ موقع نيوزويك أنّ أوروبا الغربية، ما تزال متخلفةً عن ركب الاستعدادات مقارنةً بأوروبا الشرقية التي زادت مستوى الإنفاق الدفاع بشكل واضح. وقد اعترف قائد القوات المسلحة البريطانية الأدميرال توني راداكين، بهذا الاختلال، حيث تعدّ الاستعدادات في بريطانيا "أضعف قليلا من العديد من البلدان الأقرب إلى الأراضي الروسية" وفق تعبيره.
يشار إلى أنّ بريطانيا تعهدت بزيادة الإنفاق الدفاعي إلى 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وتتّجه فرنسا وألمانيا هذا العام إلى "تحقيق هدف الناتو المتمثل في المساهمة بـ2% من ميزانيتها لصالح الحلف" في مؤشر دال -حسب نيوزويك- على مواكبة أوروبا الغربية للاستعدادات الرامية إلى احتواء روسيا ومواجهتها عسكريًا.