في تصعيد جديد للتوتر بين إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومؤسسات التعليم العالي، كشفت جامعة هارفارد عن رسالة حكومية سرّية تطالب بفرض رقابة غير مسبوقة على شؤونها الداخلية، في خطوة أثارت موجة واسعة من القلق داخل الأوساط الأكاديمية. الرسالة، التي تم الكشف عنها مؤخرًا، تُعد سابقة في طبيعة العلاقة بين الحكومة الفيدرالية وجامعة تُعدّ من أعرق مؤسسات التعليم العالي في العالم.
وفيما بدا أنه رد فعل مباشر على هذا الكشف، هدّدت إدارة ترامب بسحب ما يقارب مليار دولار من تمويل الأبحاث الصحية التي تتلقاها الجامعة، بحسب ما أفادت صحيفة "وول ستريت جورنال". هذا التهديد، وإن لم يُنفّذ بعد، يُنذر بمرحلة جديدة من الصدام بين الإدارة الأميركية والجامعات الكبرى، خاصة تلك التي أبدت مواقف ناقدة للسياسات الحكومة الفيدرالية.
كشفت جامعة هارفارد عن رسالة حكومية سرّية تطالب بفرض رقابة غير مسبوقة على شؤونها الداخلية، في خطوة أثارت موجة واسعة من القلق داخل الأوساط الأكاديمي
تصعيد غير مسبوق في الحرب المفتوحة بين إداراة ترامب وهارفارد
بحسب التقرير، فإن إدارة ترمب كانت قد أرسلت في 11 نيسان/أبريل خطابًا مفصلًا إلى الجامعة، يتضمن قائمة من الشروط المثيرة للجدل، من بينها السماح للحكومة الفيدرالية بالإشراف على سياسات القبول، والتعيينات الأكاديمية، وحتى مراقبة التوجهات الأيديولوجية للطلبة والأساتذة. وقد توقّعت الإدارة الأميركية أن يُتعامل مع هذا الخطاب كمستند تفاوضي سري.
لكن المفاجأة كانت بقيام جامعة هارفارد بنشر الرسالة بالكامل، ما أدى إلى رد فعل عنيف من البيت الأبيض الذي كان يعتزم، قبل ذلك، التعامل مع هارفارد بشكل أكثر مرونة مقارنة بجامعة كولومبيا، التي كانت قد استجابت لمطالب مماثلة للحفاظ على تمويلها.
آلاف الأميركيين تظاهروا احتجاجًا على سياسات ترامب المتعلقة بترحيل المهاجرين وفصل الموظفين الحكوميين، وحرب الإبادة الجماعية في غزة.
اقرأ المزيد: https://t.co/ZJRFX2n0CB pic.twitter.com/CkoqkPpa5m
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) April 20, 2025
وبعد نشر الرسالة، قام البيت الأبيض فورًا بتجميد تمويلات بقيمة 2.26 مليار دولار، وهدد بإلغاء الإعفاء الضريبي للجامعة، وكذلك القدرة على استقطاب الطلبة الأجانب، وهي خطوات قد تؤدي إلى خسائر بمليارات الدولارات.
هارفارد: لا اتفاق على السرية... والمطالب مرفوضة
وفقًا لمسؤولين في هارفارد نقلت عنهم الصحيفة، لم يكن هناك أي اتفاق مسبق يُلزم الجامعة بعدم نشر الرسالة، كما أن المطالب الواردة فيها كانت "غير قابلة للنقاش". ومن بين هذه المطالب، إشراف حكومي مباشر على الحياة الأكاديمية والسياسات الإدارية في الجامعة.
في رسالة مفتوحة إلى المجتمع الجامعي، قال رئيس الجامعة، آلان غاربر: "قائمة المطالب أظهرت أن الهدف لم يكن التعاون لمعالجة معاداة السامية، بل فرض رقابة مباشرة". وأضاف: "أبلغنا الإدارة، عبر مستشارينا القانونيين، أننا نرفض تمامًا الاتفاق المقترح".
فرقة عمل جديدة تتحول إلى ساحة مواجهة
الخطابات الموجهة إلى هارفارد وجامعات أخرى تصدر عن كيان جديد أطلقته إدارة ترامب يُدعى "فرقة العمل لمكافحة معاداة السامية"، وقد رأت الجامعة أن هذه المطالب تمثل تجاوزًا للحدود المقبولة.
وكانت جامعة كولومبيا قد خضعت لهذه المطالب سريعًا، على أمل إنقاذ 400 مليون دولار من التمويل الفيدرالي، بينما اختارت هارفارد المجاهرة بالرفض، ما جعلها في موقع المواجهة العلنية.
#فيديو | احتجاجات طلبة الجامعات الأميركية تتصاعد وتتسع رقعتها تضامنًا مع #غزة.. ماذا يريدون؟ وكيف جابهتهم إدارات الجامعات والشرطة؟ pic.twitter.com/m4Wmm7deC4
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) April 25, 2024
البيت الأبيض: هارفارد تسعى للمواجهة
نقلت الصحيفة عن مصادر داخل الإدارة الأميركية قولها إن مسؤولي البيت الأبيض باتوا مقتنعين بأن هارفارد لم تكن تنوي التفاوض أصلًا، بل كانت تُعدّ لمواجهة إعلامية وسياسية منذ البداية. وأضافت المصادر أن الرسالة أُرسلت قبل يوم من الموعد المخطط له، لكنها لم تكن "خطأ في المضمون"، بل تمثل موقفًا رسميًا من الإدارة.
ورغم ذلك، حاول البيت الأبيض التخفيف من حدة الموقف إعلاميًا، حيث صرح متحدث رسمي: "بدلًا من استعراض العضلات، يجب على هارفارد أن تركز على استعادة ثقة جميع طلابها، وخصوصًا الطلاب اليهود"، مضيفًا أن الباب لا يزال مفتوحًا للحوار، "لكن هارفارد تحتاج إلى تغييرات جادة".
هل تتحول الجامعات إلى ساحة اختبار سياسي؟
ما يجري بين البيت الأبيض وهارفارد يتجاوز حدود الجدل التقليدي حول السياسات الجامعية. فالمطالب الحكومية الأخيرة تمس جوهر استقلال الجامعات الأميركية، وقد تفتح الباب أمام استخدام أدوات التمويل والضرائب كأذرع ضغط لإعادة تشكيل الحقول الأكاديمية.
يرى مراقبون أن الصراع الحالي يعكس توجّهًا أوسع في إدارة ترامب نحو استهداف المؤسسات الليبرالية الكبرى، ومن ضمنها الجامعات، عبر اتهامها بالتحيز أو الفشل في حماية المجموعات المستهدفة. وفي الوقت الذي تحاول فيه جامعات مثل كولومبيا تجنب الصدام، تبدو هارفارد في موقع من يصرّ على ترسيم حدود واضحة بين الاستقلال الأكاديمي والإملاءات السياسية.
من المؤكد أن هذه المواجهة ستتواصل، وربما تتوسع إلى جامعات أخرى، وسط تساؤلات عميقة حول مستقبل التعليم العالي في الولايات المتحدة، وقدرته على الصمود أمام الموجات السياسية المحافظة التي تقودها إدارة ترامب.