24-أغسطس-2020

من الندوة

أثرت جائحة كورونا على الفن من جوانب عديدة، لعل أخطرها تعطل دورة إنتاجه وتسويقه، حيث تراجع الإنتاج بعد إغلاق دور السينما وتوقف إنتاج الأفلام، وأُلغيت مهرجانات السينما حول العالم ما أصاب هذه الصناعة بحالة من الركود لا يعرف أحد كيف ومتى ستخرج منها، على الجانب الآخر انتعشت سوق منصات العرض الرقمية، ما أعاد الى الواجهة الصراع الأزلي بين وسائط الفن، التقليدية والجديدة، حيث يسعى كل وسيط لبسط نفوذه على صناعة الفن والاستحواذ على أكبر نسبة من الجمهور.

هل تهدد منصات العرض الرقمية عرش التلفزيون والمسرح والسينما؟ أم أن تأثيرها على وسائط النقل التقليدية سيكون مرحليا يزول بانتهاء وباء كورونا؟

تواجه الفنون المرتبطة بالتلفزيون والمسرح والسينما بكل ما لها من تاريخ طويل تحدي التماهي فيما بينها، وفقدان الخصوصية الجمالية التي تميز إحداها عن الأخرى حيث لم تجد أمامها في ظل الإغلاق وتراجع الإنتاج إلا الرقمنة التي أصبحت الطريق الوحيد المتاح لها للوصول إلى جمهورها، ولكنها بمحاولتها رقمنة نفسها تعمق من أزمتها لا سيما في زمن الكورونا، وفي إطار منافستها مع المنصات الرقمية العالمية التي ارتفعت أسهمها مثل "نتفليكس" و"شاهد" وغيرهما من المنصات، التي اجتذبت النصيب الأكبر من كعكة الإنتاج الفني، فقد غيّر العديد من المنتجين على مستوى العالم استراتيجيتهم واتجهوا نحوها كونها تعد ملاذًا آمنًا يتيح وصول المنتج الفني لشريحة كبيرة من الجمهور، مع الإبقاء على حظوظه للعرض مستقبلًا عبر أي وسيط آخر.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "The Boy Who Harnessed The Wind": درس في التحدّي

هل تهدد منصات العرض الرقمية عرش التلفزيون والمسرح والسينما؟ أم أن تأثيرها على وسائط النقل التقليدية سيكون مرحليا يزول بانتهاء وباء كورونا؟

هذا السؤال كان محور الندوة التي احتضنها "ملتقى الصداقة بين الشعوب" في مدينة ريميني الإيطالية، وشارك فيها الممثل الإيطالي لوكا أرجينتيرو، الذي اكتسب شعبية كبيرة بعد مشاركته في مسلسل "دكتور، قدرنا في يدك"، والسيناريست فرانشيشكو أرلانش، والمنتجة لاورا كوتّا راموزينو، وأدارها الناقد السينمائي بيپّي موزيكّو.

جاءت الندوة ضمن فعاليات الملتقى التي امتدت لستة أيام من 18 إلى 23 الشهر الجاري، وتتناول أهم القضايا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، خاصة تلك التي نتجت عن أزمة جائحة كورونا وأثرها على حياة الشعوب في مختلف أنحاء العالم.

تناولت الندوة ظاهرة المسلسلات، التي انتشرت انتشارًا ضخمًا مع ظهور المنصات الرقمية الجديدة. ففي إيطاليا بلغ عدد مشاهدي مسلسل "دكتور، مصيرنا بين يدك" نحو 9 مليون مشاهد على منصات رقمية مختلفة، في إشارة واضحة على زيادة عدد مستهلكي قنوات الفيديو على المنصات الرقمية. على سبيل المثال، حقّقت شركة نتفليكس زيادة كبيرة في المبيعات حيث سجلت أكثر من 10 مليون حساب جديد، 3 ملايين منهم في أمريكا.

هنا يتساءل الناقد السينمائي موزيكّو: كيف أمكن إنتاج مسلسل إيطالي "طبي" بهذه الأصالة، فهو لا يكرر أي أفكار في مسلسلات أخرى مشابهة وفي نفس الوقت يتمتع أيضا بجودة إنتاجية قريبة إلى الصناعة الإنتاجية الأمريكية والبريطانية؟

وكان رد المؤلف أرلانش أن "التحدي" الذي واجهته شركتا الإنتاج "لوكس" و"راي فيكشن" كان مرتبطًا بالعثور على نص يسمح بصناعة مسلسل متخصص في الطب صالح لأن يُبَث على منصة عامة وهي منصة "راي". قال أرلانش: "طلبوا مني ومن ڤيولا ريزپولي تأليف مسلسل مأخوذ عن رواية "ناقص 12"، وهي السيرة الذاتية للطبيب پييردانتي پيتشوني، وشارك في كتابتها پيير أنجيلو ساپينيو.

في عام 2013، كان پييردانتي يعمل في مستشفى لودي في إقليم لومبارديا، عندما أصيب في حادث سيارة ودخل في حالة غيبوبة. وعند استيقاظه كانت آخر ذكرى له تعود إلى 25 تشرين الأول/أكتوبر 2001، كان يعتقد أن ابنه الذي يبلغ عمره الآن 20 عامًا طفلٌ في الثامنة من عمره.

ثم تمكن الطبيب، الذي أصبح مريضًا، بمساعدة الآخرين من استعادة ذاكرته المفقودة وأصبح طبيبًا أفضل، بعد تجربته القاسية التي عاشها كمريض. وهو ما جعله يقرر أن يشارك خبرته من خلال تأليف كتابه "ناقص 12". وقد عاد الآن إلى عمله في المستشفى في أكثر المناطق تضررًا من أزمة كورونا.

سأل موزيكّو: "مَن هم الممثلون والأبطال من المسلسلات المشابة التي درستوها لإبداع الشخصية الرئيسية للمسلسل؟"، فرد أرجينتيرو: "كان مصدر إلهامي الطبيب نفسه، بطل القصة الحقيقية. اليوم أصبح هناك ضرورة للربط ما بين الكتابة والإنتاج. لوكيشن المستشفى سمح لنا بتقليل المصاريف الإنتاجية وبتوفير الموارد".

موزيكّو: "وما هي العلاقة بين الجزء الحقيقي من القصة وضرورة إدخال عناصر الخيال - الـfiction؟".

أرجينتيرو: "نحن ممتنون لـِ پيير دانتي پيتشوني لأنه سمح لنا بفتح الغرف المغلقة في قصته وبإضافة بعض العناصر الضرورية لتسلية المشاهد على مدى 16 ساعة، حيث أضفنا بعض والشخصيات وعناصر التشويق. لقد جعلنا پيير دانتي پيتشوني نذهب إلى أعماق تجربته، ومكّننا من فهم ذلك التعاطف بين الطبيب والمريض الذي يؤدي إلى تشخيص أفضل. لذلك قضينا أسابيع في المستشفى مع الممثلين الآخرين، لنوثق حياة العاملين بها".

سرّعت الجائحة من حركة التباعد الاجتماعي التي بدأنا في اختبارها حتى من قبل الجائحة، وأصبحنا نبتعد عن بعضنا البعض أكثر فأكثر

وكان السؤال الأخير عن الظروف الصعبة التي تمر بها شركات الإنتاج السينمائي بعد وقف النشاط الذي فرضته الجائحة. وما هي إمكانيات استعادة النشاط؟

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "The King".. المؤامرة التي تصنع ملكًا

رد الممثل أرجينتيرو: "لا ندري كيف سيؤثر الوضع على عملنا. السينما والمسارح فضاءات اجتماعية ثقافية مهمه وعلينا أن نحميها. سرّعت الجائحة من حركة التباعد الاجتماعي التي بدأنا في اختبارها حتى من قبل الجائحة، وأصبحنا نبتعد عن بعضنا البعض أكثر فأكثر، كما أصبحنا نتعلق بهواتفنا وبالتلفزيون أكثر فأكثر. أعتقد أن من يقوم بهذه المهنة يجب عليه أن يقدم قصص في منتهى الجمال، حتى يعود الجمهور إلى السينما، ويستعيد مرة أخرى طقوس التفاعل مع الشاشة الكبيرة والأصوات العالية ورائحة البوشار".

 

اقرأ/ي أيضًا:

مسلسل "النخبة".. عن التعدّدية الجنسيّة وتنوّع الثقافات وفلسفة العالم الحديث

رمزية اللباس في "La Casa de Papel".. سلفادور دالي والبزّات الحمراء