17-أبريل-2025
وسّعت إسرائيل بشكل كبير ما تسميه بـ"المناطق العازلة" داخل قطاع غزة (AP)

وسّعت إسرائيل بشكل كبير ما تسميه بـ"المناطق العازلة" داخل قطاع غزة (AP)

في الوقت الذي لا تزال فيه الأوضاع الميدانية في المنطقة مشتعلة، من غزة المحاصرة إلى الحدود اللبنانية والسورية، تتّجه إسرائيل نحو تكريس وقائع جيوسياسية جديدة على الأرض، عبر توسيع مفهوم ما تسميه "المناطق الأمنية العازلة"، لتشمل مساحات واسعة داخل أراضٍ عربية، تحت ذريعة حماية أمنها القومي.

ويأتي هذا التوجه في سياق تصعيد متواصل منذ اندلاع الحرب على غزة، تخللته اختراقات ميدانية وتوغلات عسكرية على أكثر من جبهة، ما يعكس رغبة إسرائيلية في فرض شكل من الهيمنة العسكرية الدائمة على المناطق الحدودية، متجاوزة بذلك الخطوط التي رسمها القانون الدولي.

تتّجه إسرائيل نحو تكريس وقائع جيوسياسية جديدة على الأرض، عبر توسيع مفهوم ما تسميه "المناطق الأمنية العازلة"

وفي أحدث إعلان رسمي، أكد وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس أن بلاده تعتزم الإبقاء على وجود عسكري دائم في ما تسميه "مناطق أمنية" داخل غزة، وجنوبي لبنان وسوريا، في خطوة تُمهّد، بحسب مراقبين، لمرحلة جديدة من السيطرة الميدانية طويلة الأمد. ويرى هؤلاء أن ما يجري يُكرّس، بحكم "الأمر الواقع"، شكلًا من أشكال الاحتلال العسكري الدائم.

جغرافيا السيطرة الإسرائيلية الجديدة في غزة

منذ أن استأنفت عدوانها في آذار/مارس، وسّعت إسرائيل بشكل كبير ما تسميه بـ"المناطق العازلة" داخل قطاع غزة، حيث باتت تمتد هذه المناطق بعمق يصل إلى 1.5 كيلومتر. ووفق تقديرات خبراء، تسيطر إسرائيل فعليًا على أكثر من 30% من أراضي القطاع، بما في ذلك ممرات استراتيجية تربط شمال غزة بجنوبها، وتمتد حتى أطراف مدينة رفح المحاصرة، ما أدى إلى نزوح أكثر من 400 ألف فلسطيني من مناطقهم.

أوضح كاتس أن هذه "المناطق العازلة" تهدف إلى منع تكرار هجمات مماثلة لهجمات 7 أكتوبر في المستقبل، مشيرًا إلى أن إسرائيل ستحتفظ بهذه المناطق في أي وضع مؤقت أو دائم.

تمدد إسرائيلي في الجنوب اللبناني والسوري وسط عجز رسمي

فيما أدانت سوريا ولبنان رسميًا الاحتلال الإسرائيلي لأراضٍ سيادية، فإن الواقع يُظهر عجزًا فعليًا عن الرد، سواء عسكريًا أو دبلوماسيًا.

في لبنان، ورغم اتفاق وقف إطلاق النار، فإن الجيش الإسرائيلي لم ينسحب من خمس نقاط استراتيجية على الحدود، بل واصل شن غارات دورية داخل الأراضي اللبنانية.
حزب الله، الذي تلقى ضربات مؤلمة خلال العدوان الأخير على لبنان، يلوّح بإمكانية العودة إلى الحرب إذا لم تنسحب إسرائيل، لكن قدراته تبدو اليوم منهكة، ما يجعل الحدود الجنوبية رهينة لحالة من "الاحتلال المفتوح".

في سوريا، استغلت إسرائيل الفراغ السياسي الذي أعقب تراجع سلطة نظام بشار الأسد، لتوسيع نفوذها في منطقة الجولان المحتل، حيث أنشأت منطقة عازلة تمتد حتى 15 كيلومترًا داخل الأراضي السورية. وتُبرّر إسرائيل هذه الخطوة بأنها تهدف إلى منع تمركز قوات معادية قرب حدودها الشمالية، فيما تعتبرها الحكومة السورية انتهاكًا مباشرًا لسيادتها الوطنية.

ولم يتوقف التمدد الإسرائيلي عند حدود المنطقة العازلة المتفق عليها عقب حرب عام 1973، بل امتد إلى قرى سورية مجاورة في محافظة درعا، التي شهدت اشتباكات عنيفة الشهر الماضي، إثر رفض الأهالي التوغل الإسرائيلي في أراضيهم.

احتلال أم دفاع عن النفس؟

تبرر إسرائيل وجودها العسكري في هذه المناطق بأنه ضرورة أمنية "لحماية حدودها ومنع أي تهديد جديد"، إلا أن الواقع على الأرض وسلوكيات القوة العسكرية في الميدان يعكس، بحسب خبراء القانون الدولي، واقعًا احتلاليًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

بحسب وكالة "أسوشيتد برس"، فإن الاستحواذ على أراضٍ بالقوة يُعد انتهاكًا صريحًا لميثاق الأمم المتحدة واتفاقيات جنيف، وهو ما طالما نددت به الدول الغربية في سياقات متعددة، خصوصًا في حالة الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث اعتُبر ضم الأراضي الأوكرانية من جانب موسكو احتلالًا غير شرعيًا.
غير أن الموقف الغربي يتسم بالتراخي في حالة إسرائيل، ما يثير جدلًا واسعًا حول ازدواجية المعايير في تطبيق القانون الدولي.

موقف إدارة ترامب... دعم مطلق لإعادة رسم الخرائط

على الرغم من عدم صدور تعليق رسمي من الإدارة الأميركية الحالية بشأن تصريحات كاتس، فإن مواقف الرئيس دونالد ترامب السابقة تعكس تأييدًا واسعًا لتحركات إسرائيل.

خلال ولايته السابقة، أقدم ترامب على خطوات غير مسبوقة، أبرزها الاعتراف بضم الجولان السوري لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية إلى القدس، مما كرّس الرؤية الإسرائيلية للسيادة على المدينة بأكملها.

وفي سياق الحرب الأخيرة، أعرب ترامب عن دعمه الكامل للضربات الجوية الإسرائيلية، بل وطرح مقترحًا مثيرًا للجدل لإعادة "توطين الفلسطينيين في دول أخرى"، وتحويل غزة إلى وجهة سياحية بإدارة أميركية.

ماذا بعد؟

تبدو إسرائيل اليوم في موقع المهيمن الميداني، لكن سياساتها التوسعية تضعها في مواجهة متزايدة مع قواعد القانون الدولي، ومع استحقاقات سياسية داخلية وخارجية ستتعاظم مع الوقت. الإبقاء على قوات احتلالية داخل غزة ولبنان وسوريا سيعيد المنطقة إلى عقود من الصراع المفتوح، وسيدفع نحو مزيد من عسكرة المشهد.

وفي ظل غياب ردع دولي واضح، وسكوت شركاء إسرائيل الغربيين، تبقى "المناطق الأمنية" الإسرائيلية عنوانًا جديدًا لسياسات فرض الأمر الواقع، وتكريس الاحتلال بدل إنهائه.