28-مارس-2016

كراب كريزي/ تركيا

تعرفون ذلك الخيّاط المحتال الذي أقنع الملك بأنه سيصنع له ثوبًا لا يوجد مثله في البلاد، وتعرفون أيضًا أن ذلك الثوب كان نفيسًا ويصعب على الحمقى والمغفلين رؤيته. عندما حانت ساعة القياس بدأ الملك يخلع ثيابه والخياط يمثل تمامًا دور من يساعد الملك في ارتداء ثوبه الجديد النفيس. انتهى الخياط من تمثيليته تلك، ووقف الملك أمام المرآة: وا مصيبتاه أنا عارٍ، وامصيبتاه، كيف سأقول إنني عار وهذا الثوب لا يراه الحمقى والمغفلون.. هل أنا أحمق يا ترى؟

يوم الاحتفال بظهوره في حلته الجديدة، كان أشبه بعرس يجدد فيه الملك عقد نكاحه مع الشعب

صرخ بأعلى صوته مذعورًا لكنه ضبط خوفه: أحضروا حاشية الملك.. انظروا يا سادة إلى ثوبي الجديد الذي لا يراه الحمقى والمغفلون كيف يبدو علي؟ الكل مبهور، إعجاب منقطع النظير بالثوب، عبارات الثناء والمديح من حاشيته تتعالى إجلالًا لحكمة الملك وذوقه الرفيع. الملك المبهور اقتنع برأيهم، ولام نفسه على غبائه عندما شك بأنه عار، ومن فرحته أعلن في أرجاء المملكة أنه سيعرض لشعب مملكته الحبيب أجمل ثوب في العالم.

اقرأ/ي أيضًا: الدونجوان محسن مرزوق

ما لا تعرفونه في القصة هو أن يوم الاستفتاء العظيم، أو لنقل يوم الاحتفال بظهور الملك بحلته الجديدة وتجديد الولاء له، كان أشبه بعرس يجدد فيه الملك عقد نكاحه مع الشعب، كيف لا وقد ارتدى حلة مختلفة أشبه بحلة العرسان لا ساعة عقد الزفاف، وإنما ساعة يدخلان إلى مخدع فض البكارة؟

الملك الآن بين شعبه، حاشيته مبهورة، الشعب مبهور، يا لهذا الثوب النفيس الذي أضفى على جمال ملكنا جمالًا. "منحبك يا ملك، منحبك يا كبير"، هكذا بدأ الشعب يهتف: "بالروح بالدم نفديك يا ملكنا". والملك يزداد غرورًا على غرور ويخاطب شعبه: سنبقى معًا للأبد يا شعبي الحبيب.. سوا ربينا وسوا سنموت.. أقسم لكم بحق ثوبي الجديد النفيس. إلا طفل صغير صرخ وسط الحشود: "الملك عار.. الملك عار"، كان كرش الملك القبيح ومؤخرته ترتجان غضبًا من غباء هذا الطفل وحمقه، والطفل يستمر بصراخه "الملك عار.. الملك عار".

اقرأ/ي أيضًا: في الفارق بين شياطين الجزائر وملائكته

لست متأكدًا إن كان جلاد الملك أو سجانه هو الذي انقض على الطفل، وقام بقطع لسانه وتكسير أصابعه وقلع حنجرته، ولكنني أرجح أن الملك شرب دم الطفل فرحًا وأن رجال إعلام الملك صرخوا: "أيها الشعب الحبيب ملكنا سعيد بكم لأنكم شعب أقوال وأفعال، تقولون بالروح بالدم نفديك يا ملكنا، وقد فديتموه وقدمتم هذا الطفل الأحمق قربانًا وهدية له بثوبه الجديد النفيس.. نبشركم بأن الملك قبل هديتكم بفرح وسرور".

لا يزال عسس الملك وجلادوه وأجهزة أمنه يبحثون في أرجاء المملكة عن صاحب هذا الصوت

رفع الملك يده كي يلقي على الشعب خطاب تجديد ملكه. الكل صمت، احترامًا لما سيسمعه من حكمة ملكهم صاحب الثوب النفيس، إلا صوت صدى كان عصيًا على سيف الجلاد، صوت ظل يتردد في أرجاء البلاد: "الملك عار.. الملك عار".

وإلى اليوم لا يزال عسس الملك وجلادوه وأجهزة أمنه يبحثون في أرجاء المملكة عن صاحب هذا الصوت، يدمرون البيوت ويقتلون البشر كي يقبضوا على الصدى. والملك لا يزال سعيدًا بثوبه النفيس حدّ الجنون.

اقرأ/ي أيضًا: 

قصة حسين الراضي

شرطة أم مليشيات مسلّحة؟