11-أبريل-2016

ملصق دعائي لمعرض كتاب لايبزيغ 2010

لدينا الكثير من الوصفات الجاهزة عن القراءة، تبدأ جميعها بعبارة "لا تقرأ كتاب كذا" رغم أن من يدخلون بيتك يفرحون لفكرة المكتبة بغض الطرف عن المحتوى، الأقلية سوف يتركون تعليقًا لاذعًا حول عناوين بعينها وفقًا لإملاءات المرجعية الفكرية/المزاجية لصاحب التعليق.

ظهور المكتبات على هيئة خلفية لصورة الخرّيج الجامعي، هو ظهور لا يتجاوز فكرة الإكسسوار

الأحاديث عن الموتى لا تخلو من المرور على كمّ الكتب التي جمعوها في حياتهم، مكتبة لم تتسع لها جدران الصالة الكبيرة، مكتبة أكلت من البيت غرفة كاملة، في هكذا حوار ولحسن حظ الميت "ربما" يمكن أن نعثر على مثقف يتوسل أن يلقي نظرة على مكتبة الفقيد، وبالطبع سوف يتناول جرعة مفرطة من الانبساط حين يعثر على كتب عظيمة بنسخها الأولى، التفكير في السرقة وارد في هذه الحالة، وفي حال صدرت عن أهل الميت عبارة تعني أنهم في حيرة من أمرهم أين يذهبون بحمولة شاحنة من الكتب، فورًا يتبرع المثقف بتحمل أعباء هذه المهمة العسيرة في نظرهم، المهمة اليسيرة في نظره هو، في هذه الحالة سوف يرتاح الاثنان الميت والمثقف لهذه النهاية السعيدة.

اقرأ/ي أيضًا: عن دور النشر وكتبها المترجمة

ظهور متكرر للمكتبات على هيئة خلفية لصورة الخريج الجامعي، هو ظهور لا يتجاوز فكرة الإكسسوار للتعبير عن الكم الخرافي من المعرفة الجامعية، الأمر الذي يتناقض والفوتوشوب الذي يظهر في خلفية الصورة، لكنه لا يتناقض مطلقًا مع حال كثير من الجامعيين الذين لم يسجلوا دخولا حرًا إلى مكتبة الجامعة، إنما هو دخول تعتبره الأكثرية من الطلاب حكمًا جائرًا، يتطلب منهم التنقيب عن أفكار لأبحاث لا تضيف لمكتبة الجامعة شيئًا يذكر، ولا لحياتهم الحقيقية خارج أسوار الجامعة، وبشكل أدق لا تضيف لحياتهم خارج جدران مكتبة الجامعة، بالطبع هناك من يوفر عليهم مشقة دخول المكتبات بمنحهم أبحاثًا جاهزة للتسليم ونيل العلامة لا المعرفة المنشودة، هنا تعبس المكتبات لخسارة من كانت تعتبرهم روادها الجدد.

نجد في روايات بعض القراء ما يضع المكتبات في موقع الفاعل حين تختار قراءها، حيث يجلس أحدهم على طاولة القراءة طلبًا للراحة، وفجأة يجد نفسه يقلّب الرفوف بحثًا عن التسلية لا أكثر، ثم يمسك بالكتاب أو العكس هو الذي يحدث، لتبدأ بعدها رحلته التي لا يستطيع إنهاءها، المهم أن المتحدث عن حياته مع الكتاب لم يكن حظه سيئًا وفقًا لتطورات هذه المصادفة، إذ إنه التهم جلّ مكتبة الأدب الروسي في مراحل مبكرة من حياة قارئ فذّ كان يريد استخدام المكتبة كمحطة للانتظار، لكن المكتبة منحته راحة أكبر من حياة فارغة دون قراءةٍ هي أكثر من مطالعة عابرة.

نجد في روايات بعض القراء ما يضع المكتبات في موقع الفاعل حين تختار قراءها

قراء حقيقيون لم تكن المكتبات جزءًا من تكوين طفولتهم، خوفًا عليهم من الأمراض المنقولة على هيئة كتاب، وفقًا لدساتير آباء يخافون من اكتساب أبنائهم لحاسة النقد، الأمر الذي سيزلزل أركان البيت، المهم أن قراء حقيقيين لم يكبروا في كنف مكتبات زاخرة بالتنوع وجدوا طريقهم إليها بطريق المصادفة، على هيئة حوار بين بشر لا يعرفونهم، شكّل الكتاب محورًا مهمًا من الحوار. 

لكن يبقى أنّ القراء ذاتهم يشاركون في تعمية العين عن نوعية من المؤلفات لا تتوافق ومزاجهم، وهنا تخسر المكتبات قراء يمكن أن يدخلوها بدافع البحث، إذ ليست الحياة كلها مرصودة في كتاب يتحدث عن الأدب، كما أن الأدب ليس مقتصرًا على روايات أمريكا اللاتينية، رغم أن شريحة كبيرة من القراء يفضلون هذا النوع، كما أن حياة متنوعة تظهر في هكذا نوع من الأدب، وها أنذا أتحدث عن أدب أمريكا اللاتينية أكثر مما ينبغي لهذا المقال المحايد، لغة تأثيرية نمارسها دون أن نقصد، لغة ثقافية ربما، لكنها تورث العمى وتحجب حرية الاختيار، الأمر الذي يحبس المكتبات بعيدًا عن القارئ الحر.

اقرأ/ي أيضًا:

في الشعر كما في القهوة

هل نقرأ التاريخ؟