18-يوليو-2021

مكتبة الحلبي (فيسبوك)

طويت صفحة العام الفائت، 2020، على خسائر مالية فادحة تكبدها قطاع النشر وصناعة الكتب، بسبب تفشي وباء كوفيد – 19، وما ترتب عليه من إجراءاتٍ احترازية قيَّدت حركتي النقل والتنقُّل، وتسببت بشل أنشطة البيع والشراء والطباعة في مختلف دول العالم، مما خلَّف أضرارًا اقتصادية وصفت بأنها الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية.

مقارنةً بعام 2019، انخفضت نسبة مبيعات بعض المكتبات اللبنانية بمعدل أكثر من 50% بسبب الأزمة الاقتصادية

شملت هذه الأزمة قطاع صناعة النشر في العالم العربي أيضًا، بل إنه بدا الأكثر تضررًا مقارنةً بغيره، لكونه يعيش أساسًا أزماتٍ مختلفة تتعلق بالتزوير والتسويق والقرصنة. ونتيجة تضافر الأزمات السابقة مع انخفاض نسبة المبيعات، ووسط غياب الدعم والحلول البديلة، طوى الناشرون صفحة اثني عشر شهرًا عجافًا، على خسائر مالية قُدِّرت بنحو مئة مليون دولارٍ أمريكيٍ.

اقرأ/ي أيضًا: قطاع النشر في العالم العربي خلال 2020.. الخسائر تتصدر المشهد

وفيما جاء تأثير الجائحة متفاوتًا على الناشرين بين دولةٍ وأخرى، تصدَّر قطاع النشر في لبنان المشهد بوصفه أكبر المتضررين عربيًا، ليس بسبب الوباء فقط، وإنما نتيجة عوامل مختلفة، تمثَّلت في احتجاجات السابع عشر من تشرين الأول/ أكتوبر عام 2019، والأزمة السياسية التي تمخضت عنها، وإلغاء معرض بيروت الدولي للكتاب، بالإضافة إلى تأجيل غالبية معارض الكتب العربية خلال عام 2020، والأزمة الاقتصادية المتمثلة بانهيار الليرة اللبنانية أمام الدولار الأمريكي، وانفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب/ أغسطس الفائت، وأخيرًا إلغاء معرض بيروت للعام الثاني على التوالي.

أزمة قطاع النشر في لبنان، أفرزت أخرى أشد سوءًا لناحية عدد الفئات المتأثرة بها، لكونها لا ترتبط بالناشرين فقط، بل وتشمل أيضًا قطاع المكتبات والعاملين فيها من جهة، والقراء من جهةٍ أخرى، ذلك أن انهيار العملة المحلية أمام الدولار الأمريكي، دفع بالناشرين إلى رفع أسعار إصداراتهم تماشيًا مع تغيُّر سعر الصرف، وذلك رغم انعدام القدرة الشرائية عند معظم المواطنين اللبنانيين.

خطوة رفع الأسعار في ظل الظروف القائمة، نتج عنها تراجع حاد في نسبة المبيعات، الأمر الذي انعكس سلبًا على المكتبات، لا سيما وأنها، وعلى عكس الناشرين القادرين على تعويض جزءٍ من خسائرهم في معارض الكتب العربية، لا تملك خياراتٍ واسعة للتعامل مع الأزمة الراهنة، فهي ملزمة بالأسعار التي يحددها الناشرون المحليون من جهة، والدفع بالدولار لموزعي إصدارات الناشرين العرب والأجانب من جهةٍ أخرى، مما يعني أنها مضطرة لبيعها بالعملة الصعبة، أو بما يعادلها بالعملة المحلية وفق سعر صرف السوق السوداء.

في حديثهم لـ "ألترا صوت"، يشير القائمون على فرع "مكتبة الشبكة العربية للأبحاث والنشر" في بيروت، إلى أن: "حركة البيع شبه منعدمة بسبب انعدام القدرة الشرائية لدى معظم المواطنين اللبنانيين، ومن بينهم القراء. فقط ميسورو الحال أو طلاب الماجستير والدكتوراة، هم من يشترون الكتب حاليًا".

ارتفعت أعداد الكتب المزوَّرة في السوق اللبنانية بعد الأزمة بسبب أسعارها المنخفضة بنحو 40% مقارنةً بسعر طبعاتها الأصلية

وحول انخفاض نسبة مبيعات المكتبة مقارنةً بعام 2019، يقول العاملون فيها: "لم نجرِ مقارنة دقيقة، ولكنها تراجعت بشكلٍ كبير، لأن الكتب ليست سلعة أساسية، وهناك مثل بالعامية يقول: الكتاب أول شي بيوقف، وأخر شي بيمشي".

اقرأ/ي أيضًا: المشهد الثقافي في لبنان خلال 2020.. موسم مجتزأ على وقع الجائحة وفاجعة المرفأ

ويوضح القائمون على المكتبة التي افتُتِحت وسط العاصمة اللبنانية بيروت منتصف عام 2016، أنهم لجأوا بسبب انهيار العملة وتراجع القدرة الشرائية، إلى منح الزبائن حسومات تصل إلى 35% على جميع كتب المكتبة. وحول سؤالنا لهم عما إذا كانوا سيتجهون نحو الإغلاق في حال استمرار الأزمة الاقتصادية القائمة، أجابوا: "كلا، ليس هناك قرار بالإغلاق، وذلك إيمانًا منا بضرورة صمود هذا القطاع، وإبقاء المكتبة ملاذًا لبعض القراء".

أما عن التحديات التي تواجههم، بمعزلٍ عن الأزمات الراهنة، فتكمن في عملية قرصنة الكتب وتزويرها، وهي: "مشكلة موجودة من قبل الأزمة الاقتصادية، ولكن تأثيرها ازداد بعدها بسبب انخفاض سعر الكتاب المزوَّر، لا سيما الكتب المستوردة، بنسبة تتراوح بين 30 إلى 40%، مقارنةً بسعر طبعته الأصلية".

المشكلة ذاتها تعاني منها "مكتبة الحلبي"، حيث تشير لانا الحلبي، مؤسسة المكتبة ومديرتها، في حديثها لـ "ألترا صوت"، إلى ارتفاع عدد الكتب المزوَّرة في السوق اللبنانية بعد الأزمة بسبب أسعارها المنخفضة، وأن أصحابها لجأوا إلى ترويجها في السوق اللبنانية عبر صفحات بيع الكتب فيي منصة "فيسبوك"، وذلك في ظل انصراف السلطات اللبنانية عن متابعة هذه المسألة التي تعود بالضرر على المكتبات والناشرين في آنٍ معًا.

مكتبة الشبكة العربية للأبحاث والنشر - بيروت

المكتبة التي تأسست عام 2016، تواجه هي الأخرى تداعيات الأزمة السياسية والاقتصادية، وفقت ما ترويه لانا الحلبي. وفي محاولةٍ منها للحفاظ على نشاط المكتبة، لجأت إلى: "تشجيع الناس على شراء الكتب المستعملة التي كنا نبيعها على سعر. الصرف الرسمي، 1500 ليرة للدولار الواحد، ومع نسب حسم مختلفة. ثم توجهنا نحو شراء الكتب من دور نشرٍ لا تزال أسعارها مناسبة. أما الكتب الأجنبية والعربية ذات الأسعار المرتفعة، فنقوم بشرائها عند الطلب".

وترى الحلبي أن: "الكتب المستعملة ليست الحل، لأن هناك طلب على الإصدارات الحديثة". وحول طريقتها في تسعير الكتب في ظل انهيار العملة المحلية، تقول: "يعتمد الأمر على الناشرين الذين يتبعون أسعار صرف مختلفة، تماشيًا مع الصعود والهبوط المستمر لسعر الليرة".

وتعتبر ضيفتنا أن المبيعات مقبولة نوعًا عندما لا يتعلق الأمر بالكتب مرتفعة التكلفة. وتؤكد في ختام حديثها لـ "ألترا صوت"، أن: "خيار الإغلاق بعيد جدًا، ولن نلجأ إليه. لقد اعتدنا في لبنان على غياب الاستقرار وتعدد الأزمات والتعايش معها أيضًا، وهذا ما يدفعنا لمواصلة العمل".

على عكس الناشرين، لا تملك المكتبات خياراتٍ واسعة للتعامل مع الأزمة الاقتصادية القائمة وتراجع نسبة المبيعات

"مكتبة الرافدين" الواقعة في منطقة الحمرا، وسط العاصمة بيروت، شأنها شأن المكتبات السابقة، تحاول قدر الإمكان تجنب سيناريوهات الإغلاق، إذ يسعى القائمون عليها، وبحسب حديثهم لـ "ألترا صوت"، إلى: "توفير أسعارٍ تلائم القراء تلافيًا لعزوفهم عن القراءة، وكي لا نتوجه نحن أو باقي المؤسسات نحو الإغلاق، بسبب عدم قدرتنا على الدفع وتحمل التكاليف بالعملة الصعبة".

اقرأ/ي أيضًا: "معًا".. بيروت ما بعد كارثة المرفأ

ويضيف محدثنا أن المكتبة لم تعتمد على سعر الصرف في السوق السوداء، وإنما حرصت: "على تقديم أسعارٍ توازي سعر التكلفة، مراعاةً لوضع القارئ اللبناني، ومحدودية قدراته الشرائية بعد الأزمة". لافتًا إلى أن نسبة مبيعات المكتبة، مقارنةً بعامت 2019: "انخفضت بمعدل 50%، بسبب عدم قدرة القارئ على تحمل سعر الكتاب الذي تجاوز خمسة أضعاف سعره السابق".

 

اقرأ/ي أيضًا:

"مؤسسة الدراسات الفلسطينية" تتيح أرشيف جريدة "القدس" مجانًا

"بغداد للكتاب".. عودة الحراك الثقافي للعاصمة العراقية