09-مايو-2019

من المرجح أن تكون بعض الأحزاب المغربية قد استفادت بشكل غير شرعي من الدعم الحكومي لها (تويتر)

أصدر المجلس الأعلى للحسابات، في المغرب تقريرًا مفصلًا عن ميزانية الأحزاب السياسية، وطريقة صرفها للدعم المقدم لها من طرف الدولة لتغطية مصاريف حملاتها الانتخابية، وأيضًا تكاليف مؤتمراتها الوطنية العادية في سنة 2017 بالإضافة إلى الأنشطة الحزبية.

كشف تقرير المجلس الأعلى للحسابات الأخير في المغرب، أن تسعة أحزاب سياسية لم تقم بإرجاع مبالغ الدعم إلى خزينة الدولة، ويتعلق الأمر بأحزاب كبرى مصطفة في الأغلبية، وأيضًا في المعارضة

وتُقدم الدولة المغربية دعمًا عموميًا للأحزاب السياسية عبر طريقتين. الأولى، من خلال دعم من وزارة الداخلية يُقدم مرة واحدة في السنة، أما الثانية، فهي عبارة عن مساهمة مالية تُمنح للأحزاب في فترة الانتخابات لتمويل الحملات، لكن هذا التمويل يخضع لمراقبة المجلس الأعلى للحسابات باعتباره مؤسسة دستورية عُليا تمارس الرقابة على مختلف مؤسسات الدولة.

يستند الدعم المالي للأحزاب السياسية على الفصل العاشر من الدستور المغربي، والذي يعطي الحق لكل حزب في الاستفادة من التمويل العمومي وفق مقتضيات القانون الذي يحدد أهداف الدعم المالي، منها مساعدتها على الاضطلاع بأدوارها في مجال تنظيم وتأطير المواطنين وتعزيز انخراطهم في تدبير الشأن العام من جهة، ومن جهة أخرى منع لجوء هذه الأحزاب ومرشحيها إلى طرق غير مشروعة في مجال التمويل السياسي والانتخابي.

اقرأ/ي أيضًا: أحزاب المغرب.. خلطة الفساد والجهل المرعبة

تفاصيل "الاختلاس"

بلغ الدعم العمومي الذي قدمته الدولة المغربية للأحزاب السياسية 75.73 مليون درهم (7 ملايين دولار أمريكي) وُزعت بين الدعم السنوي لتغطية مصاريف التدبير الداخلي للحزب بما قيمته 58.59 مليون درهم (5 مليون دولار)، وتنظيم المؤتمرات العادية بمبلغ 15.14 مليون درهم (مليون ونصف دولار)، بالإضافة إلى مساهمة الدولة في تمويل الحملات الانتخابية بمبلغ 1.63 مليون درهم، وتقديم الدعم لتشجيع تمثيلية النساء بمبلغ 0.37 مليون درهم.

غير أن تقرير المجلس الأعلى للحسابات الأخير، كشف أن تسعة أحزاب سياسية لم تقم بإرجاع مبالغ الدعم إلى خزينة الدولة، ويتعلق الأمر بأحزاب كبرى مصطفة في الأغلبية، وأيضًا في المعارضة، وهي كل من حزب التجمع الوطني للأحرار، وحزب الحركة الشعبية، وحزب الاستقلال، وحزب التقدم والاشتراكية، وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والحزب الاشتراكي الموحد، وحزب المؤتمر الوطني الاتحادي، وحزب جبهة القوى الديمقراطية وحزب الحرية والعدالة الاجتماعية.

جاء في التقرير أيضًا أن 17 حزبًا مغربيًا لم يقم بإرجاع مبالغ دعم إلى الخزينة قدرها 40.18 مليون درهم (4 مليون دولار) تتوزع بين مبالغ الدعم غير المستحقة، والمبالغ غير المستعملة، وتلك التي لم يتم دعم صرفها بوثائق إثبات، وهي الوثائق التي يطالب بها مجلس الحسابات الأحزاب لتبرير صرف النفقات الخاصة بالحملات الانتخابية بمناسبة الاقتراع.

مقابل ذلك، قدم 26 حزبًا مغربيًا، من أصل 30 حسابات مشهود بصحتها، منها 18 حزبًا أدلوا بحسابات مشهود بصحتها بدون تحفظ، في حين قدمت 4 أحزاب حسابات مشهود بصحتها بتحفظ، وقدمت 4 أحزاب تقارير خبراء محاسبين لم تراع المعيار 5700 من دليل معايير التدقيق القانوني والتعاقدي المحدد من طرف المجلس.

تبريرات الأحزاب

يُعتبر حزب التجمع الوطني للأحرار من أكبر الأحزاب المغربية، فرئيسه هو عزيز أخنوش، الملياردير الشهير، ووزير الفلاحة والصيد البحري، ومالك أكبر شركة توزيع للغاز والبترول في المغرب، ورغم ذلك، فإن الحزب تصدر لائحة تقرير المجلس الأعلى للحسابات.

برر حزب التجمع الوطني للأحرار عدم إرجاعه المبلغ لخزينة الدولة كونه سبق أن اقترح إرجاع مبلغ 184 ألفًا و808.57 درهمًا، وأن مبلغ 216 ألفًا و458.57 درهم سُلّم للفائز بمقعد نيابي إثر انتخاب جزئي ولم يتم صرفه في أمور غير داخلية للحزب، كما أنه يتوفر على إثباتات لذلك.

من جهتها قالت أمينة منيب، الأمينة العامة لحزب الاشتراكي الموحد، في حديثها مع "ألترا صوت"، إن حزبها حريص على إرجاع كل درهم واحد إذا تطلب الأمر، مضيفة أنها شرحت أسباب وجود حزبها في لائحة الأحزاب الملزمة بإعادة الأموال إلى الدولة، للمجلس وقضاته واقتنعوا لكنهم يريدون تبريرًا ملموسًا.

هل يرفع الدعم عن الأحزاب السياسية؟

قبل صدور تقرير المجلس الأعلى للحسابات بخصوص طريقة تدبير الأحزاب السياسية للدعم المقدم لها، دعا ملك المغرب، محمد السادس، الجلسة الافتتاحية للدورة الخريفية للبرلمان في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، إلى الرفع من الدعم العمومي للأحزاب، مع تخصيص جزء منه لفائدة الكفاءات التي توظفها في مجالات التفكير والتحليل والابتكار، وذلك من أجل رفع مستوى أدائها في المجتمع ومساعدتها على التواصل أكثر مع المواطنين.

اقرأ/ي أيضًا: المغرب.. أحزاب أم قبائل؟

في هذا السياق، يقول سعيد الشوا، الباحث السياسي المغربي في حديثه لـ"ألترا صوت"، إن التقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات جاء ليُؤكد خطاب الملك السابق، الذي طالب فيه رفع الدعم عن الأحزاب السياسية، خصوصًا أن الأحزاب السياسية لم تُبرر بطريقة ملموسة ومباشرة أين ذهبت أموال الدعم المقدم لها.

بلغ الدعم العمومي الذي قدمته الدولة المغربية للأحزاب السياسية 7 ملايين دولار أمريكي، وُزعت بين الدعم السنوي، وتنظيم المؤتمرات العادية بالإضافة إلى مساهمة الدولة في تمويل الحملات الانتخابية

وأضاف المتحدث أن تقرير المجلس الأعلى للحسابات يُبين مدى التزام الأحزاب السياسية المغربية بالقانون المنظم لها، وأيضًا إلى الطريقة التي ينهجها كل حزب لتمويل أنشطته الانتخابية ومهرجاناته الخطابية، والمؤتمرات المركزية والمحلية والجهوية.

وأشار الباحث السياسي إلى أن بعض الأحزاب، وخصوصًا بعض القيادات فيها تعتبر الدعم المقدم لها "غنيمة" حصلت عليها، خالية من أي محاسبة، وتتعامل معه كريع من الدولة، لهذا وجب على الدولة التعامل معه بحزم، خصوصًا أن هذا الدعم يؤخذ من المال العام الذي يساهم فيه المواطن بأدائه للضرائب.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

مديونية خارجية متفاقمة تنهك ميزانية المغرب

هل سلطان ملك المغرب فوق كل السلطات؟