25-يوليو-2015

لقطة من "الزين اللي فيك" لـ (نبيل عيوش)

هند عروب
هند عروب

لم يهدأ نقاش المغاربة في الأشهر الأخيرة حول الحريات العامة، وذلك بسبب توالي مجموعة من الأحداث ابتدأت مع منع فيلم "الزين اللي فيك" لنبيل عيوش، والجدل الذي سبّبه النقل المباشر لحفلة جينيفر لوبيز، في "مهرجان موازين"، على قناة تلفزيونية، وكذلك النّقاش الذي صاحب مشروع القانون الجنائي الجديد، بالإضافة إلى توقيف الشرطة لشابّين مثليين عند "صومعة حسّان" في الرباط. في هذه الأحداث دلالات عن السقف الحقيقي للحرية في المغرب، وعن شراسة التضييقات على الفضاء العام، ومدى مسؤولية الحكومة الحالية التي يقودها حزب محافظ في كل ذلك.

تؤكد هند عروب، مديرة "معهد هيباتيا للدراسات والأبحاث"، لـ"ألترا صوت": "أن الصراع بين تياري المحافظة والحداثة، لا يرقى إلى ذلك الصراع الفلسفي الفكري المنتج للأفكار". ففي نظرها هو "صراع بين معسكر الحداثة الممسوخة والمحافظة الصنمية". إذ يدّعي "مسوخ الحداثة"، بحسب عروب، الدفاع عن الحرية، ولكن في أضيق مفاهيمها التي تنحصر في الجسد والحريات الفردية، وكأنها معزولة عن بقية حقوق الإنسان، بينما أي نضال من أجل الحقوق والحريات يستوجب الانخراط في الدفاع عن المنظومة الحقوقية أجمعها. في المقابل، يشهر المحافظون أصنامهم القيمية والأخلاقية ويروجون لسيناريوهات محاولات غربنة المجتمع والزج به إلى الإلحاد، الأمر الذي يسهل معه حشد المجتمع والدولة في صفهم ومواجهة دعاة الحداثة. 
هكذا إذاً، هما متشابهان يغذيان بعضهما البعض، من حيث ضيق الأفق والرؤيا ومحدودية الأهداف والمراهنة على الآني فقط.
تؤكد عروب على رفضها لسياسة المنع وإيمانها بالحق في التعبير، لكن هذا لا يمنع من القول إن فيلم عيوش حضرت فيه الدعارة وغابت المعالجة الدرامية للموضوع.

ليلى بارع
ليلى بارع

من جهته، يطرح موليم العروسي، أستاذ علم الجمال، العديد من التساؤلات: "هل محاولة منع فيلم بدعوى قبلة على متن طائرة الخطوط المصرية من طرف عشرين برلمانياً من حزب العدالة والتنمية، في نهاية 2012، يمكن أن يمر هكذا؟! ألم يُهن نوابُ الحزب صحافيات، تحت قبة البرلمان، بسبب لباسهن الذي لا يوافق الأخلاق الإسلامية، حسب زعمهم؟ ألم ينبري وزراؤه للدفاع على نظافة الفن سواء كان ذلك في المنتديات الدولية أو أمام البرلمانيين المغاربة أنفسهم؟".

ويربط العروسي كل تلك التساؤلات بسؤال آخر هو: كيف يمكن أن تعد مكتسبات الحرية العامة في المغرب مكتسباتٍ ما دامت ملأى بثقوب قانونية تعطي الحق لهؤلاء لكي يتدخلوا في شؤون الناس باسم الإسلام؟ لو كانت هناك حقوق وحريات واضحة، هل سيجدون للتدخل سبيلاً؟".

من أجل الخوض في كيفية وأساليب تحقّق وتجسيد الحرية في مجتمعنا، يدعو الباحث ‫المهدي مستقيم ‫إلى "مشروع يتيح إمكانيات الانكباب على رصد تعبيرات ومعاني مفهوم الحرية في مختلف مناحي الحياة الاجتماعية، في اللغة والسلوك والممارسات والشعارات بدلاً من النقاشات العقيمة حول أصل ومفهوم الحرية".
ويرى مستقيم "أن الأهمية الكبرى هي لإحلال الرؤية الإنسانية العقلانية للعالم وللإنسان محل الرؤية اللاهوتية المنغلقة، بإعطاء قيمة للإنسان واعتباره غاية ومصدراً للمعرفة يفتح آفاقا جديدة لمعنى السعي البشري لإنتاج التاريخ". 

عماد الورداني
عماد الورداني

الصحافية في يومية "الخبر" ليلى بارع‫ ترى أن المنع نوع من الاستجابة للعمق الشعبي المحافظ، كما يجد صداه في القانون الجنائي المغربي، الذي يضع مدونة جنائية يلعب فيها دور الشرطي على الحريات الفردية، وهي المدونة التي يدعو الناشطون المغاربة إلى تغيير بنودها، خاصة تلك التي تجرم الحريات الفردية. "بالقانون، على وجه الخصوص، يمكن تغيير العقليات المحافظة ودفعها إلى احترام الاختلاف داخل نفس المجتمع" تقول بارع.

 يقول الكاتب عماد الورداني: "عاش المغرب سنواتٍ مظلمةً، أُطلق عليها‬ سنوات الرصاص‫، خلّفت وعيا شمولياً ينبني على إعادة النظر في الماضي على أساس تصحيح هفواته، وهو ما تنبهت له الدولة، وسعت إلى عقد‫ نوع من التصالح بينها وبين ضحاياها، وعلى هذا الأساس تم توسيع هامش الحرية، لأن القمع لا يمكنه إلا أن يولد الإنفجار، فتم الترويج لخطاب حداثي يتخذ من الديمقراطية شعاراً له، وسرعان ما تلقفت النخب السياسية باختلاف أطيافها هذا الشعار، وعمدت إلى الترويج له في حملاتها وخطابتها، غير أن البنية المجتمعية المستقبلة لهذا الخطاب، وجدت أنه خطاب نخبوي لا يستهدفها، مادامت حرية التعبير لم تتمكن من التحول إلى أداة فعالة لتحقيق عيش كريم يقوم على مبادئ العدالة والمساواة والتوزيع العادل للثروات، ولهذا ظلت الطبقات الاجتماعية الهشة، لا تجد في هذا الشعار ما يستجيب لحاجياتها اليومية". ويضيف: "عوضاً عن أن يتحول الخطاب من مجرد شعار فضفاض يعني كل شيء، وفي الوقت نفسه لا يعني شيئاً، كان من الأولى أن يتم تحديد أولويات المجتمع بما يتوافق مع حاجياتها، وكذلك تربية المجتمع على مبادئ وقيم الديمقراطية الحقة، باعتبارها مبادئ إنسانية توازي ما بين الحقوق المادية والمعنوية للفرد والجماعة‫".

أنس العاقل
أنس العاقل

ويواصل الورداني: "‬إن ما يقع في المغرب هو انعطافة خطيرة لمسار الديمقراطية، فضرب المكتسبات الاجتماعية، والتضييق على حرية الإضراب، والقمع الممارس على الحركات الاحتجاجية، وإنهاك القدرة الشرائية للمواطن، والرفع من الضرائب، وتقنين الخدمات الاجتماعية، والرفع من المديونية.. كلها عوامل أسهمت في تراجع الديمقراطية، وبدلاً من أن تفتح النخب نقاشاً جاداً يمس هذه التراجعات، نشغل الرأي العام بقضايا هامشية لنغطي على القضايا الكبرى المفصلية، فلنتخيل لو منحنا حجم النقاشات التي تناولت منع الفيلم، أو التي ارتبطت بسهرة جينيفر لوبيز، لصالح القضايا السابقة وناقشها المجتمع بالحدة نفسها، ربما سيعي المتجمع خطورة الوضعية التي يعيشها ويطالب بتغييرها".

أما الممثل أنس العاقل فيقول: "‬الحداثة كل لا يقبل التجزئة، فمن يدافع عن قيم الحداثة يلزمه أن يدافع عن الحرية بجميع أشكالها، انطلاقا من حرية الاعتقاد، ثم حرية التعبير، والحريات السياسية، ثم الحريات الاجتماعية التي تعتبر الحريات الفردية جزءا منها. كما أن المحافظة لا تعني مصادرة الحرية الفردية للآخرين باسم الحفاظ على الهوية، كما أنها لا تعني الجمود والاستكانة بشكل قطعي للثوابت، لأن الجمود إلغاء للتاريخ الذي يقوم على أساس مبدأ التطور والاستمرارية . لذلك لا يمكننا باسم المحافظة على الهوية أن نستمر في الانتصار لتقاليد السلف على حساب أسس العقل، ولا يلزم للمحافظة أن تجعلنا نتناقض مع المبادئ والقيم الكونية‫".

محمد عبد الوهاب رفيقي
أبو حفص

يعيد الداعية الإسلامي ‫محمد عبد الوهاب رفيقي أبو حفص، في حديثه لـ"ألترا صوت"، ما تضمنه المتن الإسلامي من حرية الدين والاعتقاد، في آيات مثل: "لا إكراه في الدين" و"أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين" و"وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر". 

يؤكد أبو حفص‫ أنّ ‬الحرية مقصد ينبغي النضال لتحقيقه وعدم التراجع عنه، والسعي إلى مزيدٍ من الحريات. لكنه بكلمات مقتضبة ينهي كلامه قائلاً: "لا توجد حرية مطلقة، حتى في الدول الأكثر لبيرالية والأقدم ديمقراطية، لكن هذا السقف لا يمكن أن تفرضه جهة على جهة، ولا أن تحدده السلطة وتلزم الناس به، إنما ينبثق من داخل المجتمع، والمجتمع بكل تياراته يسعى لتوافق حول سقف الحرية الذي يلتزم به الجميع ولا يمكن الخروج عنه، حمايةً لسلمية المجتمع واستقراره".

في انتظار صيغة إنسانية، لا محافظة، للحريات العامة في المغرب، وتنفيذ فعلي لا شكليّ للمنظومة القانونية والحقوقية، وعلى أمل دبلجة مسلسل إقرار الحريات إلى الدارجة المغربية.. خلال هذا كله، يبقى الأمل في الاحتفاء في السنوات القليلة المقبلة بمنجزات حقيقية، أكثر من التخوف من أي انتكاسات حقوقية.