16-ديسمبر-2015

وضعية المدارس الريفية والقروية في المغرب صعبة رغم محاولات التطوير(مارك برلدغ/أ.ف.ب)

في سنوات طفولتي المبكرة كان لزامًا عليّ وعلى أقراني من أبناء القرية أن نمشي أزيد من ساعتين من أجل بلوغ المدرسة عبر طريق وعرة المسالك، وهي عبارة عن منحدر ومرتفع يتوسطهما نهر صغير. لكننا كنا نعجز عن تجاوز ذلك النهر عند الشتاء لولا مساعدة رجال القرية، كما كانت الأمطار تمنع المُدرّس هو الآخر من وصول المدرسة وإلقاء درسه علينا في فصل مشترك، يضم الأولى والثانية ابتدائي.

كان ذلك خلال العقد الأخير من القرن الماضي. وكأنّ الوضع هناك لم يتغير كثيرًا هذا اليوم، أو ربما زاد سوءًا مما كان عليه، في الوقت الذي لا يستغني فيه طفل الألفية الثالثة في طلبه للمعرفة عن الانترنت والتكنولوجيا الذكية.

تَرِكة الاستعمار

لا تزال آلاف القرى المغربية تعاني الإهمال وتدفع ضريبة تقسيم إمبريالي من تركة الاستعمار والذي لم يستطع المغرب إلى الآن، رغم جهوده، طي صفحته

عندما نتحدث عن قرى المغرب النائية فإن أول ما يتبادر إلى الذهن هو ما كان يعرف قبل الاستقلال بالمغرب "غير النافع"، وفي مقابله المغرب "النافع". وصاحب هذا التقسيم هو المقيم العام الفرنسي الجنرال هوبير ليوطي. فعل فعلته هذه مباشرة بعد وصوله للمغرب في عهد الحماية، وقد حظيت المناطق الساحلية والسهول الخصبة باهتمام بليغ في حين تمّ إهمال المناطق الجبلية والصحراوية وبقيت على حالها.

كان الهدف من هذا التقسيم واضحًا منذ البداية، أي استغلال الثروات التي لا يمكن للجبال أو الصحراء أن تمنح فرنسا إياها. أما وقد مضى على الاستقلال ستُون سنة، لاتزال آلاف القرى تعاني الإهمال وتدفع ضريبة هذا التقسيم الإمبريالي الذي لم يستطع المغرب إلى الآن، رغم جهوده، طي صفحته.

المدرسة النائية

عندما تَرغب في القيام بجولة عبر أرجاء المغرب "العميق" سوف تُبصر عيناك بكل تأكيد، في جو ممطر على الطريق السيَّار أطفالًا يمشون، وهم يحتمون مع كتبهم برقع من البلاستيك التي قاموا بلفها على النصف الأعلى من أجسادهم الصغيرة.

الوصول إلى المدرسة البعيدة هو تحدي يومي اعتاده هؤلاء الأطفال مرغمين. فالمسؤولون قاموا أول الأمر ببناء هذه المدارس، وهم على عجلة من أمرهم، في مكان بعيد. هو في الحقيقة ليس المدارس التي اعتدنا معرفتها بسور يحيط بها وبناية "إسمنتية" بحجرات متعددة وساحة ودورة للمياه إلخ...وإنما قد تكون المدرسة عبارة عن حجرة واحدة، من ألواح خشبية أو قصديرية، أما باقي الأشياء التي أتينا على ذكرها فهي غير موجودة في قرى جبال الأطلس والريف والصحراء حيث قساوة الطبيعة والمناخ.

ومعظم مدارس القرى هكذا، وتسمى بالمدارس الفرعية حيث يتعدى عددها بقليل 13 ألف أما المدارس المركزية فلا يتجاوز عددها اليوم 5 ألاف و600 مدرسة، حسب معطيات وزارة التربية، في حين كان عدد المدارس المركزية بالقرى عام 2007 يصل تقريبًا إلى 5 ألاف مدرسة تشمل في معظمها المستويات الابتدائية.

عادة ما يكون المُدرس مضطرًا للجمع بين فصلين أو ثلاث في قاعة واحدة وهو ما يطرح مشكل الاكتظاظ، وقد يصل عددهم إلى الخمسين. ويعد ذلك طبعًا سبباً أساسياً لانقطاع عدد كبير من الأطفال عن المدرسة، طالما لا يستفيد منها ويرى أنه من المحال أن يتعلم في ظروف غير صحيحة.

رهان فاشل

يؤكد خبراء التربية أن ظاهرة التسرب المدرسي، وهي عنوان لفشل المنظومة التعليمية، ترتبط في جانب منها بفضاءات المؤسسات التعليمية التي تفتقد لأبسط شروط الاستقبال كدورات المياه والإنارة والماء الصالح للشرب، ويمكن اعتبار أن العلاقة وثيقة بين تحسين فضاءات المؤسسات التعليمية، وتحقيق الجودة.

راهن الميثاق الوطني للتربية والتكوين في المغرب على تعميم التمدرس ليصل في أفق 2015 إلى مئة في المئة، لكنه لم يضع له ما يكفي من أدوات النجاح

لقد راهن الميثاق الوطني للتربية والتكوين، منذ انطلاقته مطلع الألفية، على تعميم التمدرس ليصل في أفق 2015 إلى مئة في المئة، لكنه لم يضع له ما يكفي من أدوات النجاح. وقالت الأرقام وقتها إن ما يفوق 9 آلاف قاعة دراسية تعتبر غير صالحة لاحتضان التلاميذ واستقبالهم. وإن 60 في المئة من المدارس الموجودة في العالم القروي، غير مرتبطة بشبكة الإنارة. وإن أكثر من 70 في المئة منها لا يوجد بها ماء. في حين أن 80 في المئة من هذه المدارس والمجموعات المدرسية لا تحتوي دورات مياه.

ومن بين أسباب فشل الميثاق المذكور هو أنه جاء دون موارد مالية كافية، هي التي انتبه لها بعده المخطط الاستعجالي لإصلاح التعليم. وقد وضع هذ المخطط ضمن مشاريعه إحداث 2500 قاعة إضافية في التعليم الابتدائي، منها 1700 قاعة في العالم القروي.

الانترنت لكل مدرسة

وفقاً لمبدأ تكافؤ الفرص وعد مؤخرًا وزير التربية الوطنية، رشيد بلمختار، تلاميذ المدارس النائية بتمكينهم من ولوج شبكة الانترنت، وسيتم ذلك باستخدام ترددات التلفزيون الخاص عن طريق  Wifi TVWS وقال الوزير إنه "من المتوقع أن يساهم ذلك في توفير تعليم في المستوى لأطفال القرى النائية".

ويسعى هذا المشروع، الذي يجرب لأول مرة بالمغرب ويتم تنفيذه بتعاون مع شركة ميكروسوفت، إلى إعادة توزيع الربط بالانترنت من خلال استعمال تكنولوجيا TVWS، عبر الأقمار الاصطناعية بسرعة 2 ميغابيت في الثانية.

ولمحاربة التسرب المدرسي وتشجيع التمدرس أطلق المغرب برنامج "تيسير" وهو عبارة عن معونات نقدية للأسر الفقيرة بشرط استفادة أبنائها من التمدرس ومواظبتهم عليه. وقد اقترح مشروع المالية لسنة 2016 الرفع من مستفيدي هذا البرنامج إلى 828 ألف تلميذ وتلميذة. كما تحدث ذات المشروع عن تخصيص مبلغ مالي مهم من أجل إنجاز حوالي 20 ألف و800 مشروع للنهوض بالوضعية الهشة للقرى النائية.

في الواقع، إن ما يقدمه المسؤولون لتلاميذ القرى لا يتعدى في غالب الأحيان شكل معونات ومساعدات، من محفظات وأدوات مدرسية وفي أفضل الأحوال درجات هوائية أو حافلات متواضعة... هذا بالتأكيد لا يُنقذ التعليم في العالم القروي من الهامش، بل يزيد من تهميشه. أما عن مخططات وزارة التعليم، فكم جيلًا عليه أن يَضيع  ويُحرم من حقه في التعليم ويفشل فيه بسببكم لكي ينجح لكم مخطط واحد؟

اقرأ/ي أيضًا: 

المغرب..منقطعات عن الدراسة لأنهن فتيات!

في لبنان..أطفال بين الشوارع والمدارس!