12-أكتوبر-2017

معظم ضحايا الرقية الشرعية من النساء المغربيات (شادويك هال/Condé Nast)

مع انتشار الرقية الشرعية في المغرب، بدأنا نسمع في الآونة الأخيرة عن حوادث اعتداء بطلها "راق" وضحيتها "امرأة"، تماما كما حدث مؤخرًا مع "سعاد"، التي ألحت عدم ذكر اسمها الحقيقي، خوفًا من انتقام "راق شرعي" في الأربعينات من عمره، يفترض أنه من "حفظة القرآن وملتزم شرعًا"، كما أخبرها.

مع انتشار الرقية الشرعية في المجتمع المغربي، تتكرر حوادث اعتداء جنسي بطلها "راق" وضحيتها "امرأة" وهو ما يؤذن بخطر هذه الممارسات

لم تكن "سعاد" تتصور أن يقودها طلبها للعلاج من أمراض الكآبة التي تصيبها والتجاؤها إلى راقي مشهور، يتابعه الآلاف على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى ضحية يستغلها هذا الأخير جنسيًا دون أن تستطيع الرفض أو المقاومة.

تقول عن تجربتها، بكثير من الحزن والندم عند حديثها لـ"ألترا صوت": "قصدت أحد الرقاة بمدينة الدار البيضاء، تعرفت عليه من خلال قنواته المتعددة على مواقع التواصل، يتابعه الآلاف من المغاربة وجنسيات عربية أخرى، وفي بداية حديثي معه تصرف باحترام فلم أشك".

من خلال سلوكه الرزين وترديده لآيات قرآنية بين الحين والآخر، لم تتصور "سعاد" أن يكون هذا "الراقي الشرعي" الشاب نصابًا، يحوّل المريضة بين يديه إلى خليلة لإشباع نزواته الجنسية.

بدأت "سعاد" ترتاد، بين الحين والآخر، مكان عمل الراقي "النصاب". وهو منزل يتكون من غرف، اتخذ إحداها مكانًا خاصًا للرقية، مجهزًا بأحدث الكاميرات لإيهام المريض بأنه محترف ولا داعي للارتياب. وبعد "حصص العلاج"، إن صحت التسمية، تحكي سعاد أنه قد أغمي عليها في إحداها، وعند استفاقتها تفطنت أنه يمارس الجنس معها ولم تستطع الصراخ أو المقاومة، حسب تصريحها لـ"الترا صوت".

لم تستطع "سعاد" الحديث، توضح ما حصل لها: "غادرت المكان في هدوء، وعندما وصلت إلى المنزل، كنت مصدومة وخائفة ولم أعرف كيف أتصرف". تتابع حديثها في اضطراب: "انتقلت إليه في اليوم الموالي، هددني بفضحي لأنه يملك شرائط فيديو توثق ممارسة الجنس معه، وأنني أنا التي سيفتضح أمري في مجتمعنا الذكوري الذي لا يرحم".

فضلت "سعاد" الصمت لليوم، ولم تصرح إلى أي وسيلة إعلامية أخرى غير "الترا صوت". تحاول نسيان ما حصل لها، لكن ما يتعبها أن "الراقي" معروف ومشهور ويزداد شهرة، وتخاف أن يكون مواصلًا في نفس منهجه مع فتيات أخريات، ومترددة لأنها لا تملك الدليل أمام القضاء لينال جزاء فعله.

اقرأ/ي أيضًا: أضرحة الأولياء الصالحين.. ثقافة مترسخة في المغرب

الظاهرة في تزايد

يتجه بعض المغاربة إلى الرقية الشرعية أملًا في علاج من مرض ما، لكنهم في ظل ضعفهم يتورطون في متاهات من الشعوذة والتحيل ويصعب إثباتها

تنتشر الكثير من الحكايات عن ظاهرة الاعتداء الجنسي على نساء من قبل رجال دين، وبعضهم يمارس الرقية الشرعية واشتهر من خلالها. وبعد قراءة سريعة لعدد من العناوين في الصحف، تبدو الظاهرة  في تصاعد كبير، إذ لا تخلو صحيفة مؤخرًا مما يفيد اعتداء راق على امرأة أو أكثر، آخرها قضية الشيخ الفيزازي، وهو أحد الشيوخ السلفيين المعروفين بالمغرب، إذ تتهمه سيدة تدعى حنان بالاعتداء عليها بعد أن وعدها بالزواج. تعرفت عليه عندما كان "يرقيها من جن يهودي"، على حد تعبيرها.

 

 

 

 

يقول كريم العزيفي، وهو باحث في علم الاجتماع ضمن حديثه لـ"ألترا صوت": "الكثير من الرقاة اتخذوا هذه المهنة لكسب المال، وقاموا باستغلال ضعف الناس وانتشار الجهل والإيمان بالخرافة عند المغاربة، والفراغ النفسي والعاطفي الذي يعاني منه المريض خاصة، لهذا تجدهم ينصبون أنفسهم مختصين في ما وراء الطبيعة وعلم الجان والسحر".

يصف كريم العزيفي نفسية المريض بـ"الهشة والمحطمة"، يصدق كل ما يقوله الراقي، الذي تبدو عليه "مظاهر الالتزام من لحية طويلة، وثوب شرعي فضفاض"، وأحيانًا يستعملون أشرطة فيديو توثق حديثه مع جن أو تصريحًا لمريض سابق يقول إنه شفي تمامًا بدعم من الشيخ، وكلها أساليب لإيهام المريض، الذي يكون مكتئبًا، أن كل ما يحدث له من طرف جن وأن الخلاص في هذه الرقية".

من جهة أخرى، يحكي أحد الرقاة لـ"الترا صوت"، في تبرئة لهذا المجال الذي صار يثير جدلًا مؤخرًا بشكل ملحوظ، "من بين شروط الرقية الشرعية عدم اختلاء الراقي بالمرأة التي يجب أن تكون ساترة لجسدها وشعرها على غرار هيئتها عند إقامتها الصلاة، والأصل في الرقية الشرعية أنه يجب أن تكون كما كانت في عهد النبوة، أي أنها تطوع لوجه الله وليست مهنة وما نسمع عنه مؤخرًا يخالف الشرع تمامًا وهو تحيل".

على الرغم من حوادث الاعتداء التي يوثقها الإعلام باستمرار، والتي تختلف ظروفها، إلا أن الإقبال على هؤلاء "الرقاة" متواصل في المجتمع المغربي، مما قد يحتم سياسات حكومية ومن المجتمع المدني لنشر الوعي في هذا المجال، تجنبًا لتواصل انتشار التحيل والشعوذة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

لماذا يؤمن الجزائريون بالرقية الشرعية؟

الرقاة والعشّابون في الجزائر.. سلطة الخرافة؟