13-مارس-2020

من المعرض

لتنمية المواهب الشبابية والتعرف على الوجوه الفنية الجديدة، نظم العديد من الفنانين التشكيليين الشباب معرضًا فنيًا بالعاصمة اليمنية صنعاء، شارك فيه نحو عشرين فنانًا وفنانة، ينتمون إلى مختلف المحافظات اليمنية.

نحو مئة لوحة عرضت على جدار المعرض، الذي نظمه فريق "Free Wall" للفنون التشكيلية، لثمانية عشر فنانا في المعرض، حاولوا من خلاله إيجاد منصة للتعارف بين الفنانين وإخراج المواهب اليمنية إلى النور، بعد أن غيبتهم ظلمات الحرب خلال السنوات الماضية.

لا معارض فنية وحتى وإن وجدت المعارض تكون خاصة بالفنانين الكبار، ولا يوجد معاهد لتدريس الرسم، وحتى الجامعات الحكومية لا يوجد فيها أقسام متخصصة في الفن التشكيلي، هذا هو واقع الفن التشكيلي في اليمن كما يقول الشباب الذين حضروا إلى المعرض.

في اليمن لا معارض فنية للشباب، ولا معاهد لتدريس الرسم، والجامعات الحكومية لا يوجد فيها أقسام متخصصة في الفن التشكيلي

عماد الدين إسماعيل ذو الأربعة والعشرين عامًا واحد من الفنانين المشاركين في المعرض وأحد أعضاء فريق "Free Wall" جاء باحثًا عن جمهور للوحاته التي رسمها بريشته وأقلامه الرصاصية، وهي لوحات جسد فيها وجوه بورتريه ولوحات فنية لشخصيات يمنية معروفة وعالمية أيضًا.

اقرأ/ي أيضًا: النحات العراقي أحمد البحراني.. وسائد من البرونز

بدأ عماد بالرسم منذ سنوات الدراسة الأولى برسم لوحات بسيطة وبأقلامه وكراسته المخصصة للحصص الدراسية، ولاقى تشجيعًا من معلمه وأيضًا من أسرته التي كانت توفر له الكراسات الخاصة بالرسم والألوان رغم حالتها المادية الشحيحة.

كان عماد، وهو طالب جامعي في كلية الهندسة قسم الجرافيك والملتيميديا، لا يعرف شيئًا عن الرسم، لا أساسياته ولا قواعده ولا أنواعه، ولا كيف يتم التعامل مع القلم الرصاص أو الفحم، فكان الرسم في قلبه كالقمر في منتصف الشهر، يحب نوره ولكنه لا يستطيع الوصول إليه، كما يصف عماد حاله مع الرسم في حديثه لـ"الترا صوت": "كانت كل لوحات العالم تبهرني وتجعلني شغوفًا أكثر لتعلم هذه المهارات التي أسميها أنا مهارات روحية، وكنت أسأل نفسي مرارًا وتكرارا، هل يمكن في يوم من الأيام أن يعجب الناس بما أرسم كما أعجب أنا بهذه اللوحات؟ وهل يمكن في يوم من الأيام أن يلتفت أحد إلى لوحة من لوحاتي ويصفق لها بإعجاب؟".

يضيف عماد الدين الذي لا تتمالكه الفرحة بالمعرض الفني الذي أوجد له جمهورًا عبّر له عن إعجابه بلوحاته وطالبه برسم المزيد: "كنت أرسم لوحات كإنسانٍ مبتدئ لم يجد من يعلمه طريقة إمساك القلم الرصاص، وحاولت تطوير موهبتي بنفسي، ولكن شح المواد اللازمة للرسم، وحتى وإن توفرت تكون باهظة الثمن، أخرني كثيرًا".

كيف انطلق الفريق؟

ظل عماد الدين يبحث عن طريق لكي يصل بها الى منصة يأتي إليها من يقدرون الفن ويلتفون حول أهله، حتى تصادف بمنشور على الفيسبوك لشابة يمنية، تريد من خلاله أن تفتتح معرضًا فنيًا بلوحات الفنانين، وبمساندتهم لها، فانضم عماد إليها بالإضافة إلى العديد من الفنانين الآخرين. 

يقول: "بدأنا مشوارنا باختيار الاسم الذي يحمل في طياته أبوابًا مفتوحة لكل الرسامين التائهين أمثالنا اسم Free Wall، والذي يعني بالعربية الجدار الحُر، جدار يمكن أن تضع فيه أي لوحة لأي رسام يبحث عن تجربته الأولى في عرض ما خطه قلمه وما تحدثت به ألوانه، بجهودٍ فردية من أعضاء الفريق".

وكان العرض الأول قبل عدة أشهر بالعاصمة صنعاء، وبالتعاون مع المنتدى العربي للفنون الذي احتضن أولى فعاليات الفريق. 

ترى ترتيل طه أن معارض اليمن لا تقدم أي شيء للفنانين، وأن الفنون في اليمن مظلومة جدًا

بعدها كبرت أحلام الفريق وقرر ألا يتوقف وسيواصل طريقه في صنع العالم الفني الذي حلم به، بل يطمح إلى أن يجعل جداره الحر أكبر لينضم إليهم الكتاب الناشئين والشعراء والموهوبين في مختلف المجالات.

اقرأ/ي أيضًا: ياسين غالب.. فنان يمني يحول المخلفات إلى تحف

وكان هذا الجدار هو معرضهم الثاني والذي شارك فيه رسامون جدد لم يسبق لهم أن عرضوا أعمالهم الفنية من قبل، والذي أقيم في مركز إبصار لرعاية وتأهيل المكفوفين. حاز المعرض على إعجاب وحضور أكبر من المتوقع.

تحب الفنانة ترتيل طه، وهي إحدى المشاركات في الجدار الحر، رسم الأنميشن والبورتريهات، وأيضًا المناظر الطبيعية.

بدأت ترتيل التي تعد أحد أعضاء فريق الجدار الحر، بالرسم منذ سنوات مبكرة، وما زالت ترسم بشكل شبه يومي، لكن تخصصها الجامعي البعيد عن الفن، في علم الكيمياء، يأخذ الكثير من وقتها، فالوقت هو أكبر عائق أمامها حيث إنها لا تجد الوقت الكافي لممارسة الرسم. 

طريقه الرسم التي تحبها هي الأنميشن والمانجا، بالإضافة إلى البورتريه. عدم وجود الأدوات الخاصة بالرسم في المكاتب، وحتى وان توفرت تكون أسعارها خيالية للغاية، هي أبرز الصعوبات التي تواجهها ترتيل. وليس ذلك فقط بل تشكو من عدم وجود الأشخاص الذين يفهمون طبيعة وأسلوب رسمها الشرقي، لذا تتخذ من الرسم متنفسًا لها عندما تشعر بالضيق من الحياة المثخنة بجراحات الحرب.

ترى ترتيل أن معارض اليمن لا تقدم أي شيء للفنانين، وأن الفنون في اليمن مظلومة جدًا حيث لا يجد الفنانون، من يتبنى مواهبهم ويقدم لهم يد المساعدة.

يوافق محمد الحجاجي على ما تقول ترتيل، فأكثر ما يعوق الفنان اليمني عدم تقدير المجتمع لأعماله الفنية، وأيضًا عدم توفير أدوات الرسم بشكل كامل وارتفاع أسعارها، يقول الحجاجي أحد المشاركين في المعرض الفني.

الرسم بالنسبة لمحمد موهبة عظيمة، يعمل على تنميتها منذ نعومة أظافره، ويرى أنه يمكن الاستفادة منها كثيرًا في المستقبل، وحتى وإن كان في بلد لا يشجع أهله الفن.

يرسم لوحاته بالقلم الرصاص والحبر والألوان الخشبية والألوان الإكريليك، وهي لوحات لشخصيات أنميشن، وشخصيات واقعية أيضًا، ومناظر جميلة.

أكثر ما يعوق الفنان اليمني عدم تقدير المجتمع لأعماله، وأيضًا عدم توفير أدوات الرسم بشكل كامل 

يرى محمد في حديثه، لـ"الترا صوت"، أن المعرض وفّر له الفرصة لعرض لوحاته، وأيضًا مكنه من التعرف على الكثير من الوجوه الفنية والاستفادة من خبراتها.

اقرأ/ي أيضًا: الفنان الفلسطيني مصطفى الحلاج.. تراجيديا في الحياة والموت

يأمل هؤلاء الشباب أن تكون معارضهم نقطة تحول في حياة جميع الرسامين والموهوبين الناشئين، ذوي الخبرة المحدودة في المجال الفني، فالفن التشكيلي في اليمن بحاجة ماسة إلى من يعيدون إليه دمه الجديد.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الفرقة اليمنية "Black'N White".. حوار محلي مع العالم

مبادرات قاسم اسطنبولي.. مسرح وسينما لإحياء ثقافة الأطراف