16-أكتوبر-2019

جانب من الصالون المغاربي للكتاب

أسدل الصالون المغاربي للكتاب الستار عن دورته الثالثة، المعرض الذي تحتضنه سنويًا مدينة وجدة المغربية، يمثل الحدث الثقافي الوحيد ذا الإشعاع الدولي بالمنطقة الحدودية شرق المملكة. وعبر خمسة أيامٍ متواصلة، من الـ9 إلى 13 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، استضاف مبنى مسرح محمد السادس بالمدينة فعاليات المعرض، في دورة استقبلت 48 ألف زائر لأروقته كما لقاعات ندواته ونقاشاته الغنية.

الإيصال من جيل لآخر

اختارت اللجنة العلمية للمعرض "الإيصال من جيل إلى جيل" موضوعًا لدورته الثالث. موضوع توضحه في بيانها كـ"إشكالية كونية تدخل في صميم البعد الإنساني"، ورغبة في التفكير في المغرب الكبير الذي يريد المعرض إيصاله وترسيخه في أفريقيا والعالم. كون هذا الإيصال، وما يشوبه من تعقيدات وتشكيك، "سبيل وحيد لتصور المستقبل كمشروع مجتمعي تبنيه سواعد البشرية متعاونة" يقول نص البيان.

كان المعرض المغاربي للكتاب موعدًا عالميًا منفتحًا على أفريقيا، بضيف شرف لهذه الدورة هو دولة الكاميرون

اقرأ/ي أيضًا: الأزهر في معرض الكتاب.. فتاوى بأكل لحوم البشر

من هذا المنطلق كان المعرض المغاربي للكتاب موعدًا عالميًا منفتحًا على أفريقيا، بضيف شرف لهذه الدورة هو دولة الكاميرون، التي رحب وزير ثقافتها، بيير إسماعيل بدونغ، بهذا الشرف، وفي اتساق مع موضوع الدورة أشار إلى أن: "الثقافة الشفهية لا زالت شائعة بشكل واسع (في بلده)، هكذا تطرح مسألة النسخ لإيصال الموروث للأجيال بحدة وبالخصوص في زمن التكنولوجيا هذا!".

الكاميرون التي خصّهَا المنظمون برواق كامل داخل خيمة العرض الكبيرة، مثلت جزء من معرض ضم حوالي 40 ناشرًا، من المغرب وبلدان المغرب الكبير، كما من أفريقيا الساحل والصحراء وأوروبا الغربية، إضافة إلى صين كناشر أسيوي وحيد. وفي ذات الخيمة منحت الجمعيات الشبابية المحلية رواقًا كذلك، بغرض إشراك الشباب في الفعاليات الثقافية. يحكي عن هذه التجربة إدريس هادف، فاعل جمعوي ومسؤول عن رواق الشباب بالمعرض المغاربي للكتاب، في حديث له مع "ألترا صوت": "أن الأنشطة جاءت كنتاج تعاون لسبعة جمعيات شبابية محلية، كل جمعية ومن خلال موضوعات اهتماماتها نظمت أحد أنشطته باستضافة كذلك متدخلين بين شباب وناس ذوي تجربة". مضيفا أن: "هذا الرواق شكلًا مكسبًا لشباب الجهة، وعبر عن روح هذه الدورة من المعرض التي هي الإيصال الثقافي الذي كان أداة فعالة له".

برمجة غنية وأسماء من العالم

"معرض وجدة على طراز معارض باريس، برلين وتورينو" يوضح جلال الحكماوي، الشاعر المغربي وعضو اللجنة العلمية للمعرض، قاصدًا بذلك أن فعالياته لا تقتصر على عرض الكتب وجديد إصدارات دور النشر، بل كذلك تقيم ندوات وموائد نقاش وأماسي شعرية تلك التي عاشتها المدينة طوال أيام الصالون. "في هذا الصدد استضاف المعرض ما يقارب 260 متدخلًا في 47 بين مائدة مستديرة وندوة وأمسية شعرية" حسب ما أعلنه محمد امباركي، مدير المعرض المغاربي للكتاب، في الندوة الصحفية الختامية.

استضاف المعرض المغاربي للكتاب أسماء كبيرة من عالم الأدب والثقافة، على رأسها الروائية المصرية سلوى بكر والمؤرخ اللبناني أحمد بيضون والناشرة والروائية اللبنانية رشا الأمير والمترجم المغربي فريد الزاهي من العالم العربي، ومن أوروبا الفيلسوفة الفرنسية فرانسواز فيرجيس والمؤرخة ذات الأصول التونسية صوفي بسيس، إضافة إلى الروائي المارتينيكي باتريك شمواز. كما ضمن لائحة المتدخلين أسماء شابة منها: الشاعرة التونسية أمل خليف، الروائي المغربي طارق بكاري والروائي الجزائري ميلود يبرير. وشعراء من العالم كالفلسطيني نجوان درويش، والفرنسية أس هالو وبونوا كساس واليوناني ديميتريس أنغليس والأرجنتيني مريانو رولاندو دي آندرادي.

هؤلاء الضيوف الذين أحيوا الندوات والموائد المستديرة التي تضمنتها برمجة المعرض، وأخذت مواضيعَ من صلب شعاره الأساسي. هكذَا عرض المؤرخ أحمد بيضون رفقة اللغوي التونسي نجم الدين خلف الله مداخلاتهما في مائدة بعنوان "في صحبة اللغة العربية". ورافقت الروائية سلوى بكر الروائي الشاب ميلود يبرير في مائدة "الرواية أشكال وتجارب"، وتساءل باتريك شامواسو والمؤرخة صوفيا بسيس عن مسألة القوميات في ندوة حملت نفس العنوان. كما ضمَّ البرنامج أمسيتين شعريتين جمعتا شعراء من العالم العربي وأوروبا، مثلتا فرصة لانفتاح التجارب الشعرية على بعضها، وتعرف الجمهور على ما يكتبه الآخر في أرق تعبيراته الفنية.

حصيلة، رهانات وجدل

عرف المعرض إقبالًا جماهريًا قدر تعداده بـ 48 ألف زائر، منهم 2200 طفل، و80 مؤسسة تعليمية. بالنسبة للمتدخلين كانوا 260، نشطوا 47 مائدة مستديرة، إضافة إلى 10 أنشطة موازية و15 ورشة للشباب. كما كرَّم المعرض 14 اسمًا من عالم الأدب والثقافة. وعرض في أروقته 40 ناشرًا إصدارات مؤسساتهم الجديدة. كانت هذه الحصيلة في أرقام كما عرضها مدير الصالون، محمد امباركي، خلال ندوة صحفية ختامية. معلنًا أن المعرض هذه الدورة مثل قاعدة بناء رابطة نشر أطلق عليها اسم "نادي وجدة للناشرين"، وتجمع مهنيين في الميدان من دول المغرب، الجزائر، تونس، موريتانيا، مالي، الكاميرون وفرنسا. الشيء الذي انضاف، حسب مدير المعرض، إلى حصيلته الرمزية.

حصيلة بهذا الكيف تترك انطباعًا حسنا، غير أنها لم تحظى باتفاق الجميع. حيث اعتبرت الصحافة المحلية أن هذه الدورة "نسخة أخرى من الإخفاق!". مشيرة إلى ما أسمته سيطرة اللغة الفرنكوفونية على أروقته مقابل تهميش مثقفين وكتاب محليين. وطارحة السؤال عن نسبة الإقبال التي بدت لها ضعيفة مقارنة بالجهد الإشهاري المبذول والأموال التي صرفت عليه.

في هذا الصدد، أوضح جلال الحكماوي، عضو اللجنة العلمية للمعرض، أن: "الهدف من الصالون ليس فقط عرض الكتب، لكن له شق ثاني ثقافي مهم". مضيفًا أنه: "منذ دورته الفارطة أصبح لمعرض وجدة إشعاع عالمي، وذلك من خلال ضيوفه العالميين الذين عاشوا تجربة مميزة فيه، ونقلوها بدورهم إلى بلدانهم". فيما اعتبر مدير المعرض، محمد امباركي، أن: "48 ألف زائر رقم جيد بالنسبة لمعرض في نسخته الثالثة، وبالنسبة لطبيعة المدينة الاجتماعي والسكانية، الذي يمثل 10٪؜ من ساكنتها الإجمالية".

من هذا المدخل، كصحفي وأحد أبناء مدينة وجدة المغربية، أسمح لنفسي بطرح السؤال: "أنّا لنا أن نلتقي بقامة كالمؤرخ الكبير أحمد بيضون دون هذه الفرصة التي سنحت لنا بملاقاة عَلم في الثقافة العربية؟ أنّا لنا أن نجالس الروائية المصرية الكبيرة سلوى بكر أو الناشرة اللبنانية رشا الأمير أو الشاعر اليوناني ديميتريس أنغليس في غير الصالون المغاربي للكتاب؟ أنّا لي ككاتب شاب من وجدة أن أبني علاقة مع كتاب شباب كذلك من باقي أصقاع العالم إذا لم أكن محظوظًا بالتواجد داخل هذا الموعد الثقافي الكبير؟".

نجح المعرض المغاربي للكتاب في تحقيق إشعاع ثقافي كان مفتقدًا في وجدة، المدينة المحصورة بين عزلة عن الغرب المغربي وحدود الجزائر

طبعًا، هو فقط المعرض المغاربي للكتاب متنفسنا الوحيد على ثقافة العالم وأدبه. وفي هذه النقطة بالذات لقد أنجح المعرض أحد أهم رهاناته، هي تحقيق إشعاع ثقافي كان مفتقدًا في المدينة المحصورة بين عزلة عن الغرب المغربي وحدود مع الشقيقة الجزائر مغلقة منذ 25 سنة.

اقرأ/ي أيضًا: الدورة الثامنة لـ"المهرجان المغاربي للفيلم".. عرس السينما في وجدة

ما يبرز ذلك أيضًا أصداء المعرض الجيدة، هذا ما عبر عنه الروائي الجزائري الشاب ميلود يبرير الذي حلّ ضيفًا على دورته السنة، والذي صرح لـ"ألترا صوت" قائلًا: "شيء جميل جدًا فكرة تنظيم معرض مغاربي للكتاب، خاصة في وجدة الواقعة في ملتقى التأثيرات الجغرافية، السياسية والثقافية للمنطقة المغاربية، في عالم تفككه النزاعات القومية اليوم وجب علينا نحن المغاربة أن نكون واحدًا". مضيفًا أن أمله هو "أن يعمل المعرض في المستقبل على مشاريع محددة وملموسة تبقى كموروث عنه، تخص الأفق المغاربي المشترك وتاريخ وثقافة المنطقة المغاربية".

 

اقرأ/ي أيضًا:

​معرض الدّار البيضاء للكتاب.. حوار الجغرافيات

مشاهدات في معرض الدار البيضاء