17-يونيو-2016

تمثيل رمزي للمعتقلات الأسدية، باريس 11 حزيران/ يونيو 2016

شهدت ساحة الباستيل في العاصمة الفرنسية باريس يوم 11 حزيران/يونيو 2016 تظاهرة حاشدة، من أجل مئات الآلاف من المعتقلين السياسيين في سجون النظام السوري، والمغيّبين عند أمراء الحرب. شارك فيها أعداد غفيرة من المواطنين السوريين المقيمين في فرنسا، ونشطاء المجتمع المدني الفرنسي تحت شعار "المعتقلون أولًا". دعا إليها مجموعة من النشطاء السوريون ومن بينهم الناشط السوري المعروف الفنان فارس الحلو، وأطلقوا على أنفسهم "الناجون من الاعتقال".

يهدف "الناجون من الاعتقال" إلى عدم اعتبار قضية المعتقلين قضية تفاوضية مع النظام، بل يجب الإفراج عنهم قبل أي شيء

انطلقت جموع المتظاهرين بعد حوالي ساعة من تجمعهم في ساحة الباستيل باتجاه ساحة الجمهورية في باريس، حيث ترمز الأولى إلى المعتقل، والثانية إلى الحرية. حمل المتظاهرون صورًا لـ1000 معتقل كتبت على صورة كل واحد منهم اسمه بالكامل، وهي ما استطاع منظمو المسيرة الحصول عليها من بين أكثر من ثلاثمائة ألف معتقل، وهتفت الحناجر خلال المظاهرة بأسمائهم مطالبة المجتمع الدولي: "بدنا إياهم .. بدنا الكل"، وتقدم المسيرة مجسم لسجن على شكل زنزانة في داخلها بعض المتظاهرين، وقد قيّدت أيديهم وأرجلهم بالكلبشات والجنازير في إشارة إلى المساجين، وقد كتب على قضبانها "المعتقلون أولًا". 

اقرأ/ي أيضًا: المعتقلون قضية وليسوا ملفًا.. تلك هي المسألة!

يهدف "الناجون من الاعتقال" من وراء ذلك عدم اعتبار قضية المعتقلين قضية تفاوضية مع النظام، بل يجب الإفراج عنهم قبل أي شيء، وأن يصبح ذلك الشرط الأساسي لأي تفاوض، وعن هذا تحدث الفنان الحلو مع بعض وسائل الإعلام عن الغاية من هذه التظاهرة: "نحن السوريون الناجون من المعتقلات نرفض اعتبار اللاجئين قضية والمعتقلين ملفًا، هدفنا جعل ملف المعتقلين قضية رأي عام دولي، ونؤمن أن حسم المسألة السورية لن يتم قبل حسم قضية المعتقلين الموجودين لدى أمراء الحرب والتنظيمات المسلحة، وعلى رأسها تنظيم الأسد".

الملفت للنظر هنا أن اختيار ساحة الباستيل كنقطة تجمع وانطلاق للتظاهرة لم يأت مصادفة، بل هي إشارة رمزية بالغة في دلالتها على استثمار الطغاة لقضايا شعوبهم الوطنية والمصيرية، وتحويلها الى أداة يستخدمونها في قمع شعوبهم حين يثورون عليهم. 

حينما أنشأ الفرنسيون مبنى الباستيل بين عامي 1370 و1383 كانت الغاية من ذلك أن يكون حصنًا للدفاع عن مدينة باريس في وجه الغزوات الخارجية التي كانت تتعرض لها فرنسا آنذاك، لكن حوله طغاة الحكم الملكي المطلق إلى سجن للمعارضين السياسيين، وأصبح على مدار السنين رمزًا للظلم والطغيان بعد أن كان رمزًا للوطنية، وكذلك هو الحال لدى طاغية دمشق الذي حول قضية المقاومة والممانعة للعدو الصهيوني إلى ورقة يستخدمها لتبرير قتل وقمع الشعب السوري الذي ثار عليه، حتى أصبحت قضية المقاومة والممانعة أيضًا رمزًا أيديولوجيًا للاستبداد بعد أن كانت قضية عروبية ووطنية.

تأتي التظاهرة السورية في ساحة الباستيل لتسليط الضوء على المعتقلين السياسيين واعتبارها قضية وليست ملفًا

انطلقت شرارة الثورة الفرنسية في 14 حزيران/يونيو عام 1789 من سجن الباستيل حينما اقتحمه الثوار، وحرروا المعتقلين الموجودين فيه، وأعلنوا انتصار ثورة الحرية في ساحة الجمهورية، التي قصدها المتظاهرون وأنهوا بها مظاهرة "المعتقلون أولًا" لتكون رمزًا لانتصار ثورة الحرية على نظام الأسد.

اقرأ/ي أيضًا: كيف تتعامل مع ظروف الاعتقال؟

ما هو جدير ذكره هنا أن أهمية تظاهرة ساحة الباستيل تأتي من خلال تسليط الضوء على ظاهرة المعتقلين السياسيين واعتبارها قضية وليست ملفًا، وأنها مسألة تعود في جذورها إلى أيام الأسد الأب ولا تزال مستمرة حتى حكم النجل بشار، الذي لا يزال يصر كما  كان أبوه أنه ليس لديه معتقلون سياسيون، واستبعاد قضيتهم عن كل المفاوضات التي تدور عن سوريا منذ قيام الثورة السورية حتى أيامنا هذه، وتكذيب كل التقارير الصادرة عن المنظمات الحقوقية والدولية التي تهتم بشأن المعتقلين السياسيين وأشكال التعذيب الوحشية، التي تمارسها أجهزة الأمن في معتقلات المخابرات السورية ضدهم، والتي أدت الى استشهاد العديد منهم، لأن الإقرار بهذه القضية على طاولات التفاوض سيؤدي حتمًا إلى سقوطه، من خلال فضخ جرائمه الوحشية، ففي حال تم الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين، الذين سيبلغون أهالي الأموات عن موت أبنائهم في المعتقلات، الأمر الذي سيجعل النظام عاجزًا عن فعل التكذيب الذي اعتاده، وسينكشف أمام الجهات الرسمية الدولية المختصة بقضايا جرائم الحرب، وتحميله المسؤولية الكاملة على ذلك، وسيحاكم كمجرم حرب أمام الرأي العام العالمي.

ولهذا يمكن القول إن العمل على قضية المعتقلين بدأب ونشاط متواصل على جميع المستويات، أمر تفرضه ضرورات الثورة على كل النشطاء والثوار السوريين، وقد يلعب دورًا كبيرًا في التسريع من إسقاط النظام، وهذا ما أكده الحلو بقوله: "نريد أن نلفت نظر الإعلام إلى أن الخوف من الاعتقال هو أول أسباب اللجوء، ونرفض طمس هذا السبب الرهيب بحجة الحرب، ونشدد على دعم المجتمع الدولي بمنظماته الإنسانية التضامن مع قضية المعتقلين في سوريا، ونحن نؤمن أنه لا تفاوض قبل حرية المعتقلين". وبالتالي فقد تصبح إمكانية انهاء الطاغية، وإبعاده عن الحكم أمرًا أسهل على الثورة. 

اقرأ/ي أيضًا:

الأخلاق كموقف سياسي، وليس العكس

ما فعلته "25 يناير" في السوريين