19-نوفمبر-2016

مظاهرة لمعارضين مصريين في إسطنبول(Getty)

بين "مش عاجبك روح كندا ولا أمريكا" و"مش عاجبك روح قطر ولا تركيا"، سقط قطاع كامل من الشباب، غير المحسوب على نظام "السيسي" ولا "الإخوان". الأولى صيحة أطلقها محمد حسين يعقوب، القطب السلفي، في آذار/مارس 2011، ردًا على المعترضين على الإعلان الدستوري، والثانية قالها المذيع محمد الغيطي، لمعارضي الإطاحة بمحمد مرسي، الرئيس الأسبق، على يد الجيش.

"التغريبة" الأولى لمعارضين مصريين كانت للإخوان في الخمسينيات ثم الثانية لليساريين في السبعينيات والثالثة لمعارضي السيسي الآن

كانت كل مقولة، في حينها، تعبر عن اتجاه النظام المصري في ذلك الوقت، فالسلفيون كانوا صفًا واحدًا إلى جانب "الإخوان"، و"الغيطي" في معسكر "السيسي" يهاجم أعداءه إلى الدرجة التي دفعت الجميع للهجرة والغربة، وفقًا لما يؤكده تقرير "التغريبة الثالثة عن هجرة ورحيل المصريين غير الطوعية للخارج"، الصادر عن الشبكة العربية لحقوق الإنسان بقلم معتز حجاج.

اقرأ/ي أيضًا: مجدي مكين..خالد سعيد جديد

بالنسبة إلى التقرير، كانت التغريبة الأولى في الخمسينيات والستينيات، والتغريبة الثانية في السبعينيات، أما الثالثة فحلّت مع ثورة "25 يناير". التغريبة الأولى ضمت الإخوان المسلمين في الخمسينيات خلال حكم الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، وأخذت الثانية بخفيها اليسار التقدمي على يد أنور السادات بعد التطبيع مع "تل أبيب"، الذي هاجمه في خطاب شهير بمجلس النواب، ممثّلًا في حزب التجمع. والثالثة بلغت أوجها مع سقوط محمد مرسي، ولا تزال مستمرة إلى الآن.

هناك العشرات ممن خرجوا على سلطتيْ الإخوان، والجيش، اختاروا طريقًا ثالثًا، وهو الديمقراطية. فطردوا من مصر، أو هُجِّروا هجرة "غير طوعية"، وحجزوا تذكرة سفر بلا عودة، وفقًا للشبكة العربية، إلى تسع دول عربية وأوروبية والولايات المتحدة.

وسجل تقرير "التغريبة الثالثة" شهادات 31 مصريًا غادروا بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، حول الهروب وأسبابه، وقصته الكاملة، انتهى إلى ملاحظة وصفت بـ"المهمة"، وهي أنّ بعض من هاجر ممن شملهم التقرير كان في بداية عام 2012 ثم توالى الخروج والرحيل عن مصر، الذي بلغ ذروته منذ إزاحة الجيش للإخوان من السلطة، مما يعني أن أغلب "المهاجرين" حديثو عهد بالتغريبة، ومع تدهور الأوضاع من سيئ لأسوأ فقد تطول غيبتهم، وتتراجع معها إمكانية العودة.

لا عودة قريبة لمصر

وفقًا للتقرير، ولغالبية المغتربين، فالعودة الآن تعني عرقلة مشوارهم المهني الذي مضوا فيه قدمًا بالخارج والبدء من جديد، وفي الغالب ليس من نفس النقطة التي انتهوا عندها هناك، بخلاف الاعتياد على جودة الحياة، خاصة في الدول الأوروبية، التي تتوافر فيها الأدوات المعرفية للباحثين منهم، بجانب أن بعضهم أصبح لديه أسر وأطفال قد كبروا بالخارج، فالقرار لن يأخذه فرد كما كان الحال أول الأمر.

عبَّر "د.ط"، الذي رفض الكشف عن هُويته، عن قراره بخصوص العودة لمصر قائلًا: "لن أعود قريبًا بأي حال. خرجت بشكل طبيعي من المطار وهذا يعني أنني حتى وقتها على الأقل لم يكن لدي أي مشكلة أمنية، لكنه ذلك الرعب المبهم في مصر: لا أعرف الآن لو عدت هل سأمر بشكل طبيعي أم لا؟ والخوف ليس اعتقالي فقط، بل يمكن ببساطة أن أمر داخلًا ثم أمنع من الخروج، ويمنع سفري للخارج مرة أخرى مما سيقضي على عملي، ولا يوجد لدي أي فرص في مصر حاليًا".

اقرأ/ي أيضًا: مصر..استبعاد "رموز يناير" من العفو الرئاسي

لماذا؟

يجيب المغترب "ل. ل": "أصبحت في نظر المصريين، كما يصدّرني الإعلام أنا وأمثالي، خائنًا وعميلًا ومرتزقًا على الرغم من أن كثيرين من مطلقي هذه الاتهامات يعلمون أن عملي داخل مصر كان يوفر لي معيشة هادئة وحالًا ميسَّرًا".

لكن" ل.ل" يعود ليؤكد: "سأعود فور تغيّر الأوضاع السياسية، سواء كان ذلك بثورة أو بانفراجة بسيطة لأي سبب. وهناك احتمالات للعودة قبل ذلك، إذا كان ذلك مفيدًا للثورة حتى لو كانت العودة للسجن".

نفي المعارضين المصريين بالخارج، لم يتم بأمر قضائي، بل بـ"فهم عام ضمني" أن النظام سيسعى لسجنهم فور عودتهم

يحمل "د.ط" إجابة أخرى للسؤال: "سأعود فقط حين تحدث انفراجة سياسية واضحة، سواء بتغير الرئيس الحالي، أو بانفتاح المجال السياسي بشكلٍ ما، خروج المعتقلين وعودة هامش من الديمقراطية".

بعض المهجّرين، أو المغتربين بغير هديٍ، ولا قضية، تمّ ضم أسمائهم إلى عدد من القضايا. وهو ما يعني، بالنسبة إلى كاتب التقرير، أن طريق العودة "مسدود" لغياب حرية التعبير، وخلل في "العدالة".

النفي الضمني

يحمل خالد فهمي، أستاذ التاريخ بجامعة هارفارد، تحليلًا قانونيًا يمكن أن يحل محل إجابة السؤال: "بمرور الوقت وبترسيخ مفاهيم الوطنية والمواطنة، أصبح من غير القانوني إصدار أحكام بالنفي في حق المصريين، بل إن الدساتير المصرية المتعاقبة حرمت النفي تحريمًا قاطعًا، مما يدمى له القلب أن نرى النفي الآن يُمارس على المصريين". لكن النفي الآن لم يصدر بحكم قضائي، أو قرار رسمي، إنما بـ"فهم عام" لأن النظام المصري لا يحبّ معارضيه، يكرههم، ويستعدّ لاصطيادهم فور نزولهم مطار القاهرة في أي لحظة. وبالتالي، لن يعودوا أبدًا.

اقرأ/ي أيضًا:

ماذا قالت هيومان رايتس ووتش عن سجن العقرب؟

سجون مصر.. إهمال وتكديس وتقتيل