08-يونيو-2018

يدعو فرحات مهني إلى حمل السلاح ضد الدولة (تويتر)

ليس هناك ما يثير الجزائريين مثل الحديث عن انفصال شطر من البلاد عن المجموعة الوطنية. لذلك اصطدمت محاولة فرنسا مطلع ستّينات القرن العشرين منح الاستقلال للشّمال دون الصّحراء برفض الشّعب و"جبهة التّحرير الوطني". بما جعل رئيس الجمهورية الفرنسية شارل ديغول يتأكّد من كونه سيجرّ جيشه وشعبه إلى سنوات إضافية من الثّورة والمواجهة، فأذعن في النّهاية وقال عبارته الشّهيرة "الآن فهمت".

يرفض فرحات مهنّي أن يكون جزائريًا، رغم أنّ والده من شهداء ثورة التّحرير

عرف الشّارع الجزائري ثاني محاولة للتقسيم عام 2002. حين أسّس المغنّي فرحات مهنّي (1951) في فرنسا "الحركة من أجل تقرير مصير منطقة القبائل"، ويقصد بها السّاحل الشّمالي، الذي يضمّ المدن الأمازيغية الثلاث الرّئيسية بجاية وتيزي وزّو والبويرة. فأنجز علمًا ونشيدًا ونصّب نفسه رئيسًا لـ"حكومة القبائل المؤقتة".

يرفض فرحات مهنّي أن يكون جزائريًا، رغم أنّ والده من شهداء ثورة التّحرير. ويرى أنّ جنسيته أمازيغية. ذلك أن الأمازيغ، بحسبه، شعب مختلف تمامًا بلغته وحضارته وطريقة عيشه، "وهو يعيش حالة احتلال ينبغي أن تنتهي باستقلال المنطقة".

قابلت الحكومة مسعى فرحات مهنّي بأن سحبت منه الجنسية الجزائرية، واعتبرت كلّ تعاطف معه ومع مقولاته الانفصالية خيانة وطنية، وساعدها في ذلك خفوت حماس الأمازيغ الجزائريين للمشروع، في ظلّ علاقتهم التّاريخية بالحركة الوطنية، ثمّ بثورة التّحرير، التي أفضت إلى الاستقلال الوطني عام 1962، إلى جانب هيمنة أكبر حزبين يتبنّيان الدّفاع عن الثقافة الأمازيغية على المنطقة، هما "جبهة القوى الاشتراكية" و"التّجمّع من أجل الثقافة والدّيمقراطية".

اقرأ/ي أيضًا: فرحات مهني.. من الحراك الثقافي إلى التطبيع الانفصالي

ورغم المعارضة الشّرسة التي يتبنّاها هذان الحزبان للنّظام القائم، إذ يُعدّ حزب "جبهة القوى الاشتراكية"، الذي كان يقوده حسين آيت أحمد، أحد مفجّري ثورة التّحرير، أوّل حزب معارض يتأسّس مباشرة بعد الاستقلال، إلا أنّ الوحدة الوطنية ظلّت إحدى الرّكائز التي تقوم عليها أدبياتهما. ولم يحملهما تنكّر الحكومات المتعاقبة لمطلب الأمازيغ الجزائريين بدسترة الثقافة واللغة الأمازيغيتين، إذ لم يحدث ذلك إلا عام 2017، على الخروج عن هذه القناعة.

 لم يجد فرحات مهنّي، أمام الاستجابة المحدودة لخطابه داخل الدّوائر الأمازيغية المختلفة، إلا الاستعانة بالجهات الأجنبية المعروفة بتشنّجها مع النظام الجزائري. إذ قام بزيارة إلى الكيان الإسرائيلي عام 2012. وقال في حضور نائب رئيس الكنيست إنّ إسرائيل ومنطقة القبائل في الجزائر تشتركان في كونهما تعرّضتا لمحاولة طمس حقهما في السّيادة على أرضيهما، كما وعد بفتح سفارة لإسرائيل في "جمهوريته" فور استقلالها عمّا أسماه "الاحتلال الجزائري".  

 ظلّت مساعي "الحركة من أجل تقرير مصير منطقة القبائل" مقتصرة على النّشاط السّلمي، رغم اتهام الحكومة الجزائرية لها بالضّلوع في أحداث غرداية عام 2015، إلى أن دعا رئيسها فرحات مهنّي، قبل أيّام، الأمازيغ إلى تشكيل مليشيات مسلّحة "حتى تخلف قوّات الأمن الجزائرية المحتلّة"، ليكون ذلك، بحسبه، بداية لتشكيل كيان الدّولة القبائلية المستقلّة.

أثارت هذه الدّعوة الشّارع الجزائري، في مستوياته الشّعبية والنّخبوية. إذ لا يزال التّعاطي معها يشكّل الاهتمام الأبرز في المجالس الواقعية والافتراضية للجزائريين.

 يقول الكاتب والأكاديمي والنّاشط الأمازيغي حميد بوحبيب، إنّ من كان يعتبره البعض مجرّد معارض متطرّف وانفصالي، ويعطون له الحقّ في التّعبير باسم الدّيمقراطية، "يكشف عن وجهه الدّموي البشع. كان من قبل حريصًا على الظّهور بمظهر الحمَل الوديع لتمثيل دور الضّحية المقموعة والمناضل السّلمي. ويبدو أن قواعد اللّعبة تغيّرت، والإملاءات الخارجية أصبحت ملحّةً ومتعطّشة لتفجير الوضع في البلد".

 دعا فرحات مهنّي، قبل أيّام، الأمازيغ إلى تشكيل مليشيات مسلّحة "حتى تخلف قوّات الأمن الجزائرية المحتلّة"

وخاطب بوحبيب فرحات مهنّي بالقول: "إن كانت لك بقايا نخوة وشرف، ادعُ أهلك وأبناءك أوّلًا لحمل السّلاح. وكن أنت في المقدمة. أما أن تحلم بدور المنقذ وأنت تتجوّل في لندن وباريس وتل أبيب فهذا هو العهر بعينه". يضيف: "أنت دمية غراغوز نصّبت نفسك رئيسًا على حكومة وهمية لا تمثلنا ولا نريدها أن تمثلنا. وإنّ أوّل من سيقف في وجه ميليشيات الذعر، التي تريد تأسيسها هم أبناء القبائل الأحرار وأنا منهم".

اقرأ/ي أيضًا: الأمازيغية في الجزائر.. من السجن إلى الدستور

في السّياق ذاته، وجّه الكاتب والإعلامي المتعاطف مع الحركة الأمازيغية احميدة عيّاشي رسالة إلى فرحات مهنّي ورد فيها: "دائمًا كنتُ من بين الذين ظلوا يؤمنون بصدقك ونزاهتك وتعرضّك للظلم من أقرب المقرّبين منك سياسيًا. دائمًا كنت أنتظر انطفاء جمرة غضبك وعودة وعيك في كامل صفائه الشّعري والنّقي، الذي أجدت التّعبير عنه في أغانيك الثمانينية التقدمية، التي كنّا ننتشي بها، وتزيدنا عزمًا على المقاومة الرّومانسية والإبقاء على إيماننا بمبادئ الحرية والتعدّدية والأصالة الثّقافية".

"لكن ركبك وهم فظيع"، يقول عيّاشي، "جعلك تتحدّث كأيّ دكتاتور عجوز يقدّم الخدمات مجّانًا للجميع. للنّظام الذي من المفروض أنك ادّعيت أنه خصمك. لكلّ المستخدمين الرّجعيين لك. لم تكن في زيارتك لإسرائيل سوى سادات صغير ممسوخ. سوى دونكشوت بائس يعارك رياح أوهام هو في الأصل غبارها. صرت تتحدّث عن منطقة القبائل وكأنها لك. كأنها ملكك الخاص. وأبناؤها كأنهم رعاياك.. أشياؤك وعبيدك". ويختم: "ألا ما أبأس الوهم عندما يتملّك أرواح شبه الكبار".

 

 

من جهته كتب الناشط محمد أرزقي فرّاد مقالًا تناقله روّاد فيسبوك من الجزائريين قال فيه إنّ منطقة القبائل لم تكن في ماضيها البعيد والقريب، جزيرة مجنونة تعادي الوحدة الوطنية التي ساهم أبناؤها بفعالية في بناء صرحها فكريًا وسياسيًا. "وعليه فإن تاريخها من هذه الناحية يدعو إلى الارتياح، وإلى استبعاد احتمال تحوّلها إلى حاضنة للفكر الانفصالي الخطر. غير أن صناعة الواقع لا يخضع، في جميع الحالات، للتاريخ والمنطق. ومن هنا وجب الشعور بالقلق إزاء هذا الكابوس المسمّى بالفكر الانفصالي".

على النّقيض، يقول الطّالب في جامعة تيزي وزّو آكلي بن سيدهم، إنّ فرحات مهنّي عجز عن إيجاد أنصار له سلميًا، فكيف يستطيع أن يجد أنصارًا بلغة السّلاح، "ما أرجوه ألا تتسرّع الحكومة في إعادة حالة الطّوارئ، التي لم نصدّق بعد أنّنا تخلّصنا منها. وأن تتعامل مع تصريحات مهنّي بصفتها فقاعة صيف".

 

اقرأ/ي أيضًا:

شعر أمازيغ الجزائر.. ذاكرة الألم

"ثاجماعث" أمازيغ الجزائر .. برلمان القرى