17-أبريل-2019

يواجه المقاتلون الأجانب السابقون في داعش مصيرًا مجهولًا (Getty)

الترا صوت –  فريق التحرير

تسود حالة من القلق لدى المجتمع الدولي حول مصير المقاتلين الأجانب في تنظيم الدولة الإسلامية - داعش بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الشهر الماضي السيطرة على الأراضي التي كانت خاضعة لنفوذه في العراق وسوريا، ورفض بعض دول الاتحاد الأوروبي عودة المقاتلين الأوروبيين إلى بلادهم الأصلية، وسط تقارير تتحدث عن توجه العراق لاحتواء أزمة مقاتلي داعش الأجانب مقابل حصول بغداد على مبالغ مالية من الدول الأوروبية.

يشير عدم احتواء مقاتلي داعش الأجانب إلى فشل الدول الغربية في التعامل مع مواطنيها الذين يميلون إلى التطرف، وتؤكد على عدم تحملها لمسؤولية تدفق المقاتلين الأجانب إلى سوريا والعراق

المقاتلون الأجانب.. من هم؟ ولماذا بايعوا داعش؟

في تموز/يوليو عام 2014 ظهر زعيم تنظيم الدولة أبي بكر البغدادي في تسجيل مصور نشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي معلنًا عودة "الخلافة الإسلامية" في العراق وسوريا، حث فيه مناصري التنظيم على الهجرة إلى مناطق سيطرته، وعلى خلفية التسجيل المصور بدأ آلاف المقاتلين الأجانب بالقدوم لمبايعة داعش متأثرين بمقاطع مصورة ودعائية كانت تبثها وكالة أعماق الإخبارية، الذراع الإعلامية للتنظيم الإرهابي.

اقرأ/ي أيضًا: قصة داعش.. "تمدد" سريع وانحسار مُكلف و"بقاءٌ" محتمل

ووفقًا لتقارير صادرة عن المركز الدولي لدراسات التطرف فإن عدد مقاتلي داعش الأجانب تجاوز 40 ألف مقاتل أجنبي من 80 دولة، فيما تقول تقارير أخرى تابعة للأمم المتحدة إنهم يتوزعون على 110 دول، بقي منهم ثلاثة آلاف لا زالوا يقاتلون ضمن صفوف التنظيم بحسب ما ذكر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرس في شباط/فبراير الماضي.

حاول التنظيم خلال فترة صعوده عام 2014 استقطاب المقاتلين الأجانب عن طريق تقديم المغريات المالية لهم، أو اجتذابهم من خلال كتائب الخنساء التي كانت تنشر رسالة التنظيم عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتغريهم بالزاوج، أو عن طريق التسجيلات المصورة التي كان يظهر فيها المقاتلون الأجانب يحثون مواطني الدول الأوروبية على الهجرة إلى الأراضي الخاضعة لنفوذ داعش، ويمكن في هذا السياق العودة لإصدار "القلة المختارة من أراضٍ مختلفة"، والذي ظهر فيه الكندي أندرو بولين مقدمًا صورًة إيجابية عن مقاتلي التنظيم، والحياة الاجتماعية في مناطق سيطرته، وبحسب مجلة ذا أتلانتك فإن تسجيلات داعش كانت تستهدف الأشخاص الراديكاليين المؤيدين له أو الذين لديهم ميول عنفية.

كما لعب العامل المالي دورًا بارزًا في استقطاب المقاتلين الأجانب نتيجة الوضع الاقتصادي، وارتفاع معدلات البطالة في الدول الغربية، إذا ما أردنا مقارنتها بالرواتب الشهرية التي كان يدفعها التنظيم لمقاتليه الأجانب قبل انهيار صفوفه في مدينة الموصل العراقية عام 2016، والتي تجاوزت في ذروة صعوده 1,500 دولار أمريكي شهريًا.

الدول الغربية ترفض عودة مواطنيها.. وواشنطن تهدد!

تحول ملف المقاتلين الأجانب في صفوف داعش لقضية دولية بعد رفض العديد من الدول الأوروبية عودتهم إلى بلدانهم الأصلية، فقد شددت الدنمارك والمجر على عدم استقبالهما لمواطنيهما الذين كانوا يقاتلون مع داعش، بينما أكدت لندن وواشنطن أنهما سيعملان على سحب الجنسية من المنضمين لداعش، وتعكس هذه التصريحات حجم التباين في المواقف حول آلية احتواء ملف المقاتلين الأجانب في التنظيم المتطرف.

وفي هذا السياق فإنه لا تزال دول أخرى مثل فرنسا وبلجيكا وألمانيا تعيد دراسة الوضع الأمني لديها تمهيدًا لاستعادة مواطنيها بشكل تدريجي، فضلًا عن إمكانية ملاحقتهم قضائيًا، وفيما يخص المقاتلين العرب في التنظيم فقد أبدت معظم الدول العربية استعدادها لإعادة مواطنيها المعتقلين في سوريا بحسب تقرير سابق لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.

الموقف الأوروبي من مقاتلي داعش الأجانب يبدو أنه لم يرض واشنطن، وهو ما دفع بترامب للتغريد عبر حسابه الرسمي في تويتر مهددًا بـ"إطلاق سراحهم" في حال امتنعت الدول الأوروبية عن استعادة مقاتلهيا المعتقلين في سوريا،  ووفقًا لتقارير صحفية فإن قسد تعتقل أكثر من 800 مقاتل أجنبي مع عوائلهم ضمن مخيمات تم إنشاؤها بالأساس لاستقبال النازحين من مناطق سيطرة التنظيم سابقًا في شمال شرق سوريا.

https://twitter.com/realDonaldTrump/status/1096980408401625088

ولا تخفي الدول التي لديها مواطنون كانوا يقاتلون مع داعش في سوريا والعراق مخاوفها من تعرضها لهجمات إرهابية في حال وافقت على استعادتهم من سجون قسد، فقد كشفت السلطات المغربية السبت الماضي عن تفكيكها "خلية إرهابية" مؤلفة من أربعة أشخاص كانت تخطط لتنفيذ عمليات إرهابية ضد مؤسسات حيوية في المملكة المغربية، وبحسب ما نقلت صحيفة العربي الجديد فإن متزعم الخلية كان قد قاتل في سوريا والعراق قبل عودته للمغرب عام 2015.

مع تصاعد الخلاف الأوروبي – الأمريكي حول مصير المقاتلين الأجانب في داعش بعد استعادة السيطرة على مناطق نفوذه، أشارت تقارير صحفية إلى أن العراق قدم مقترحًا لواشنطن لنقل معتقلي داعش مع أسرهم من سوريا إلى العراق مقابل عشرة مليارات دولار أمريكي تدفع أول مرة، وبعدها يتم دفع مليار دولار أمريكي كل عام، إضافة لمنع المنظمات الإنسانية والحقوقية من الوصول إلى مركز الاعتقال، وعدم الاعتراض على أحكام الإعدام التي ستصدر بحق مقاتلي داعش دون أن يتلقى ردًا بالموافقة أو الرفض.

إذًا.. ما مصير مقاتلي داعش الأجانب؟

ضمن هذا الإطار فإن مصيرًا مجهولًا لا يزال يحيط بمقاتلي داعش الأجانب المعتقلين لدى قسد في شمال شرق سوريا، حيث تخشى الدول الغربية من صعوبة محاكمة أو سجن مواطنيها المنضمين لداعش بعقوبات طويلة الأمد، أو مواجهة صعوبة اندماجهم ضمن المجتمع من جديد بسبب خوضهم لمعارك عنيفة في سوريا والعراق.

فقد أشارت تقارير صحفية إلى أن الدول الغربية تخشى من مواطنيها الذين قاتلوا في صفوف داعش ومن أن ينقلوا التطرف للسجناء الآخرين، وللمجتمع الأوروبي بعد انتهاء فترة حبسهم، أو قيامهم في وقت لاحق بتشكيل خلايا لتنفيذ هجمات إرهابية في الدول الأوروبية نفسها، فضلًا عن التكلفة الاقتصادية العالية في حال قررت الدول الغربية وضع مواطنيها العائدين من سوريا في الحبس الانفرادي لفصلهم عن باقي السجناء.

بالإضافة لذلك فإن الدول الغربية تخاف من مشكلة عدم صمود الأدلة التي تشير لمشاركة مواطنيها المنضمين إلى داعش في القتال أمام القضاء، أو أنها قد تكون بلا قيمة، أو حتى مواجهة صعوبة إيجادها أساسًا، كما يبرز عامل مهم يتمثل بعدم إظهار الندم على انضمامهم إلى داعش، مثلما حصل مع البريطانية شيماء بيغوم التي أكدت عدم ندمها على انضمامها للتنظيم، لكنها أرادت العودة خوفًا على سلامة ابنها الذي لم يولد بعد، وفي هذا السياق اعتبر مراقبون أنه حتى المواطنون الأجانب الذين لم يقاتلوا ضمن صفوف التنظيم، فإن عامل وجودهم كأجانب منح دعاية التنظيم دعمًا كبيرًا وانتصارًا معنويًا ودعائيًا.

اقرأ/ي أيضًا: الانسحاب الأمريكي من سوريا ومستقبل منبج.. تبادل أدوار لا تبديل اللعبة

في هذا الإطار يبرز مصير مجهول يحيط بأطفال مقاتلي داعش الأجانب المتواجدين مع عوائلهم، إذ وعلى الرغم من تأكيد وزير الخارجية البريطاني ساجد جاويد على أن بلاده تتجه لسحب الجنسية من بيغوم، فإنه شدد على أن القرار لن يؤثر على حقوق أطفال المواطنين المنضمين لداعش، كما أشارت تقارير متصلة إلى أن القرار الذي يبدو محسومًا بشكل تقريبي لدى الدول الأوروبية هو السماح بعودة أطفال المواطنين المنضمين إلى داعش، حيثُ عملت روسيا في وقت سابق على استعادة 30 طفلًا قتل ذووهم الروس أثناء قتالهم مع التنظيم.

تحول ملف المقاتلين الأجانب في صفوف داعش لقضية دولية بعد رفض العديد من الدول الأوروبية عودتهم إلى بلدانهم الأصلية، لأسباب أمنية

وعلى هذا الأساس فإن المقاتلين الأجانب المنضمين لتنظيم الدولة الإسلامية باتوا الآن أمام مفترق طرق، بين دول وافقت على استعادتهم، وأخرى ترفضهم، أو تتجه لسحب الجنسية منهم، وفي جميع الأحوال فإن عدم احتوائهم تمهيدًا لإعادة دمجهم ضمن المجتمعات المحلية من جديد يشير إلى فشل الدول الغربية في التعامل مع مواطنيها الذين يميلون إلى التطرف، وتفضيل هذه الدول تدفق المقاتلين من مواطنيها إلى سوريا والعراق، من زاوية تصدير الآزمات لا البحث عن حلول.

 

اقرأ/ي أيضًا:

لماذا لن تنتهي "داعش" بعد الموصل؟

ماذا بعد هزيمة داعش؟