15-سبتمبر-2017

تؤكد المعارضة التونسية أن معركتها مع قانون المصالحة لم تنتهِ رغم المصادقة عليه (ياسين غايدي/ الأناضول)

هو القانون الأكثر إثارة للجدل في تونس في السنوات الأخيرة، إنه قانون المصالحة الذي قدّمه رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، في صيف 2015، لتواجهه المعارضة والقوى الشبابية ومنها حملة "مانيش مسامح" (لن أسامح) طيلة سنتين في البرلمان والشارع، حتى استطاعت قوى الائتلاف الحاكم وحلفائها، قبل أيام، المصادقة عليه في دورة برلمانية استثنائية وسط احتقان في الشارع ومقاطعة المعارضة التي تتأهب للطعن فيه لإخلالات شكلية ومضمونية.

تنظر المعارضة التونسية لقانون المصالحة على أنه تكريس للإفلات من العقاب، قد يُشكك في نموذج الديمقراطية التونسية الناشئة

ويمنح "قانون المصالحة الإدارية"، كما تمّت تسميته في النسخة الأخيرة؛ عفوًا شاملًا للموظفين وأشباههم بما يشمل الوزراء والسفراء زمن الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، الذين قاموا بأفعال مضرّة بالإدارة، على شرط عدم الحصول على فائدة. وهو قانون رفضته منظمات حقوقية دولية ووطنية، واعتبرته نكوصًا على مسار الانتقال الديمقراطي، وتكريسًا للافلات من العقاب، وهو ما يشكّك في نموذج الديمقراطية التونسية الناشئة في أعين العالم.

يوم غير عادي في البرلمان

كان إدراج قانون المصالحة في جدول أعمال الدورة الاستثنائية للبرلمان مفاجئًا، إذ كان من المفترض أن تُخصّص هذه الدورة لسدّ الشغور في هيئة الانتخابات من أجل تنظيم الانتخابات البلدية نهاية السنة الجارية، غير أن حزب نداء تونس استطاع في الساعات الأخيرة إضافة القانون لجدول الأعمال، فيما اعتبرته المعارضة تسوية جديدة في الغرف المغلقة بين النداء والنهضة.

اقرأ/ي أيضًا: الإجابة ليست تونس!

ولم يقم البرلمان، على خلاف المتوقع، بانتخاب الأعضاء الجدد في هيئة الانتخابات، بسبب غيابات متعمّدة من الأحزاب المطالبة بتأجيل موعد الانتخابات، بما فيها ذلك أحزاب في الائتلاف الحكومي. وعلى خلاف ذلك، حشدت هذه الأحزاب نوابها في اليوم الموالي بمناسبة طرح "قانون المصالحة" للمصادقة في الجلسة العامّة للبرلمان، وسط رفض نواب بما في ذلك من الائتلاف الحاكم، باعتبار أنه لا يمكن المرور لمناقشة القانون إلا بعد تنفيذ السبب الداعي للدورة الاستثنائية، وهو انتخاب أعضاء هيئة الانتخابات.

كما استند نواب المعارضة في رفضهم مناقشة القانون على غياب الاستشارة الوجوبية من المجلس الأعلى للقضاء، وهو خلل إجرائي يعتبره هؤلاء النواب كفيلًا بإسقاط القانون من الناحية الشكلية على الأقل. وكان قد عبر المجلس القضائي لاحقًا عن "أسفه" على المصادقة على القانون، قبل تقديم استشارته.

وبمجرّد الانطلاق في المصادقة على القانون، قام بعض نواب المعارضة، في خطوة هي الأولى من نوعها، بالوقوف أمام النائب الذي يتلو تقرير القانون، وذلك لمنع كاميرا نقل البث المباشر من تصويره. كما أنشد نواب المعارضة النشيد الوطني دون توقّف أثناء مداخلات النواب المؤيدين للقانون، لتكون بذلك الجلسة الأكثر احتقانَا في البرلمان. واحتشد، في المقابل، مئات من أنصار الحملة الشبابية "مانيش مسامح" أمام البرلمان احتجاجًا على القانون، وسط أجواء حامية تخلّلتها مناوشات مع قوات الأمن.

 

وقد صادق البرلمان في النهاية على القانون بـ117 صوتًا يمثلون خمسة أحزاب هي نداء تونس وحركة النهضة وآفاق تونس والاتحاد الوطني الحرّ ومشروع تونس، إضافة للكتلة الوطنية التي تضمّ مستقلّين.

القانون يقسّم كتلة حركة النهضة

كشف قانون المصالحة انقسامًا بيّنًا داخل كتلة حركة النهضة، وهي الأكبر عدديًا في البرلمان بـ69 عضوًا من أصل 217، إذ تليها كتلة حزب نداء تونس بـ57 نائبًا. فقد صوّت لصالح القانون 31 نائبًا من النهضة، أي أقل من نصف أعضاء الكتلة، فيما تغيّب 32 نائبًا، ورفض القانون خمسة نواب، واحتفظ نائب وحيد بصوته، لتكشف هذه الأرقام عن انقسام الكتلة رغم أنها الأكثر انضباطًا وحضورًا في البرلمان.

أظهر قانون المصالحة انقسامًا حادًا داخل الكتلة البرلمانية لحركة النهضة التي لم يصوت لصالح القانون إلا أقل من نصف أعضائها

يُرجّح أن قرابة نصف أعضاء كتلة النهضة، اختاروا الغياب تجنّبًا لحرج المصادقة على القانون، فيما لم يتردّد خمسة نواب في بالتصويت ضده من بينهم وزير الفلاحة السابق محمد بن سالم، والقيادية منية إبراهيم.

اقرأ/ي أيضًا: 5 مؤشرات على عرقلة الرئيس التونسي لمسار العدالة الانتقالية

وقد تأكد هذا الانقسام باستقالة وزير العدل الأسبق نذير بن عمّو من الكتلة احتجاجًا على تصويت أغلبية أعضائها الحاضرين الجلسة، لصالح القانون، وهي أول استقالة برلمانية للنهضة، وإن كان بن عمّو في الأساس مستقلّا رشّحته النهضة على قوائمها.

وانتقد ناشطون وقيادات سياسية على مواقع التواصل الاجتماعي موقف حركة النهضة، واعتبروا أنها فقدت اعتبارًا رمزيًا وشرعية في الحديث باسم الثورة داخل الائتلاف الحاكم. 

وكان قد انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي أسماء وصور الـ117 نائبًا الذين صوتوا لصالح القانون، مرفقة بعبارات مثل "الخونة" و"قائمة العار". وكتب عدنان منصر رئيس الهيئة السياسية لحراك تونس الإرادة، في نفس السياق: "13 أيلول/سبتمبر يوم الخيانة، سنحييه كل عام، وسنذكر فيه بقائمة النواب الـ117، ونقول لهم أيها الخونة، لا بارك الله فيكم ولا لكم ولا فوقكم ولا حواليكم"، فيما أعلن فرع منظمة الشفافية في تونس حذف النواب الذي صوتوا لفائدة القانون من مبادرة "برلمانيون ضد الفساد".

 

 

قانون يتعارض مع العدالة الانتقالية ويبيّض الفساد

ورفضت منظمات دولية ووطنية قانون المصالحة منذ تقديمه لأوّل مرة، باعتباره تعديّا على مسار العدالة الانتقالية الذي تشرف على تنفيذه هيئة الحقيقة والكرامة، والتي تواجه بدورها صعوبات في أداء مهامها بسبب عراقيل مؤسسات الدولة، فقد أدانت منظمة الشفافية الدولية المصادقة على القانون وطالبت بالتراجع عنه.

كما سبق واعتبرت 20 منظمة من بينها "هيومن رايتس ووتش"، و"محامون بلا حدود"، و"الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان" الحائزة جائزة نوبل للسلام لسنة 2015، أن مشروع القانون يمثل "رسالة سلبية جدًا للتونسيين وللخارج، لأنه يُمْكن أن نسرق ونرتشي في ظل إفلات من العقاب وبحماية من قانون قررته إحدى أهم مؤسسات الدولة".

ورغم أن المشروع لحقته عديد التعديلات، وبات يقتصر في نسخته النهائية على العفو عن الموظفين وأشباههم، وإسقاط الفصول المتعلّقة برجال الأعمال الفاسدين، فإنه ظلّ محل انتقادات من المنظمات الدولية، منها "المركز الدولي للعدالة الانتقالية"، الذي أصدر تعليقات تفصيلية حول فصول القانون اعتبر خلالها أن "الغرض من القانون ليس تحقيق المصالحة بل تكريس الإفلات من العقاب".

المعركة المستمرّة

لم تنته المعركة بعد، هكذا يقول معارضو القانون، فقد أعلن ما لا يقل عن 35 نائبًا في البرلمان عن تقديمهم مذكرة للطعن في دستورية القانون، نظرًا لتضمّنه مضامين تتعارض مع مبادئ القانون والعدالة الانتقالية، وتحديدًا بخصوص تكريسه للإفلات من العقاب، وتعارضه مع الالتزامات الدولية لتونس في مجال مكافحة الفساد.

تعرض قانون المصالحة لانتقادات واسعة، ليس فقط من داخل تونس وإنما أيضًا من خارجها من منظمات حقوقية وصحف عالمية

على جانب آخر، أعلنت حملة "مانيش مسامح" وأحزاب معارضة، عن تنظيم مظاهرة حاشدة غدًا السبت، بوسط العاصمة التونسية، للاحتجاج على المصادقة على القانون.

هذا وانتقدت صحف عالمية المصادقة على القانون، على غرار "فايننشال تايمز" الأمريكية التي وصفته بـ"عفو على فساد نظام علي".

 

اقرأ/ي أيضًا:

شباب تونس يهتفون: لا للإفلات من العقاب!

تونس.. رؤية في قانون المصالحة