05-نوفمبر-2015

ماذا تخفي زيارة جمعة للجزائر؟(صورة أرشيفية/بشير رمزي/الأناضول)

يتسم المشهد السياسي في تونس، خلال الفترة الأخيرة، بتتالي الزيارات التي تقوم بها قيادات سياسية تونسية إلى بلدان لها تأثير إقليمي ودولي كالولايات المتحدة الأمريكية أو الجزائر وغيرها من الدول. وتأتي هذه الزيارات في ظل توتر سياسي داخلي تشهده البلاد، بعد تأزم الوضع داخل الحزب الحاكم نداء تونس وانقسامه إضافة إلى إخفاق الحكومة في إيجاد حلول لأزمات اقتصادية واجتماعية متواصلة. وساهم هذا الوضع المشحون، في تواتر التصريحات عن تغييرات سياسية قريبة ويتداول أن الترتيب لها كان من أهم مواضيع الزيارات الأخيرة للقادة التونسيين.

في هذا السياق، يصرح جوهر بن مبارك، المحلل السياسي ورئيس شبكة دستورنا، لـ"ألترا صوت": "الوضع في تونس مضطرب والصراع داخل حزب نداء تونس وخارجه لن يمر بسلام وأمان والتغييرات في الأفق أكيدة، قد تتعلق بتغييرات وزارية كبيرة وربما تغيير كامل للحكومة وقد تتعلق أيضًا بتغيير على مستوى بنية الرباعي الحاكم الآن كما أن فرضية انقسام أهم حزب حاكم والفائز في الانتخابات الأخيرة حزب نداء تونس ممكنة".

ويضيف: "من العادي أن تقوم قيادات سياسية معروفة بزيارات لبلدان مؤثرة في الشأن التونسي لترتيب عديد المسائل واستباق تغييرات داخلية لكن كان عليها أن ترتب الوضع الداخلي قبل الاهتمام بالخارج وأن تنسق في الإطار الداخلي قبل ذلك".

ومن المتوقع أن يزور محسن مرزوق، أمين عام حزب نداء تونس، الجزائر الأسبوع القادم، وكان الأسبوع الماضي قد سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية والتقى مسؤولين مهمين في واشنطن. وتزامنت هذه الزيارة مع زيارة أداها أيضًا رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي واستلم خلالها جائزة السلام التي منحتها مجموعة الأزمات الدولية للغنوشي وقائد السبسي، والتقى الغنوشي بدوره مسؤولين أمريكيين. وكان مرزوق والغنوشي قد أكدا لوسائل إعلام محلية أن تزامن الزيارات مجرد مصادفة.

وعن هذه الزيارات المتواترة، يقول الحبيب بوعجيلة، كاتب ومحلل سياسي تونسي، لـ"ألترا صوت": "تهتم الولايات المتحدة وفرنسا وغيرها من الدول الكبرى بالشأن التونسي ومصير البلاد، وتواتر زيارات قيادات تونسية لهذه الدول أمر طبيعي وهي عادة زيارات لربط علاقات مع مراكز دراسات استراتيجية أو منظمات من المجتمع المدني وتمكن هذه الزيارات تونس من دعم اقتصادي وسياسي ولا أجرمها طبعًا ما لم تمس من استقلال القرار الوطني". ويستدرك: "السؤال الحقيقي هو ماذا تقول هذه القيادات لزعماء الدول الأجنبية وماذا تطرح؟".

يجهل التونسيون الكثير عن زيارات قياداتهم الخارجية وكل ما يعرفونه تصريحات مقتضبة بلغة "خشبية"

يجهل التونسيون الكثير عن هذه الزيارات وكل ما يعرفونه تصريحات مقتضبة بلغة "خشبية"، يقرؤونها في بيانات قصيرة وقد لا تتوفر في أحيان كثيرة. وتدور عادة هذه التصريحات في فلك "المكانة التي تحظى بها تونس لدى المؤسسات الدولية وأهمية الوحدة الوطنية في تحقيق مختلف البرامج.."، لكن حقيقة ما يعد وما يرتب له في هذه اللقاءات يبقى خفيًا، ومثال ذلك تصريح الجيلاني الهمامي، القيادي بالجبهة الشعبية في تونس، لإذاعة محلية، الأربعاء  الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني، الذي جاء فيه أن حافظ قائد السبسي صرح في كواليس حزبه أن محسن مرزوق يتلقى تعليمات من الولايات المتحدة الأمريكية وأنه كان يعد مؤامرة للانقلاب على الرئيس الباجي قائد السبسي بالتعاون مع محمد الناصر، رئيس حزب نداء تونس الحالي ورئيس مجلس النواب.

وتظهر النهضة للرأي العام، من خلال تصريحات قياداتها خلال هذه الفترة، أنها على الحياد من شقي الخلاف في نداء تونس وتركز في تصريحاتها على دعمها الحكومة الحالية ورئاسة الجمهورية وعلى أهمية الوحدة. ولا تبدي النهضة، ظاهريًا، أي رغبة للتغيير في المشهد السياسي الحالي، رغم أن انشقاق اثنين وثلاثين نائبًا من كتلة نداء تونس في مجلس النواب يُحول كتلة النهضة إلى الكتلة الأولى وبالتالي يخول لها إعادة تكوين الحكومة. وقد سارع الغنوشي، رئيس حركة النهضة، إلى مقابلة رئيسي الحكومة والجمهورية، منذ أيام قليلة، لتطمينهما بعدم رغبة حزبه إحداث أي تغيير في المشهد العام.

ماذا يخفي مهدي جمعة؟

زار مهدي جمعة، رئيس الحكومة التونسية السابق، يوم الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني، الجزائر وقابل خلال زيارته الرئيس الجزائري بوتفليقة ورئيس الحكومة عبد المالك سلال. ويتساءل المراقبون للمشهد السياسي التونسي عن الدور الذي سيلعبه جمعة في قادم الأيام وعن ماهية تطلعاته السياسية القادمة وهل تندرج زيارته إلى الجزائر في إطار البحث عن دعم سياسي خارجي، كما تحدثت بعض وسائل الإعلام الجزائرية.

عن زيارته إلى الجزائر، اكتفى جمعة بالتصريح أنها "زيارة ودية بحكم صلته بمسؤولين جزائريين". في هذا الإطار، يقول الحبيب بوعجيلة: "القيادي الذي يريد أن يكون فاعلًا في الشأن السياسي التونسي لابد أن يعرف جيدًا في أي إطار سياسي يتحرك ومن المهم أن يكون مطلعًا على مواقف أمريكا وفرنسا وروسيا والجزائر وغيرها من الدول".

يفتح تأزم الوضع في تونس الآن الباب أمام عودة جمعة إلى واجهة المشهد السياسي التونسي كمرشح محتمل لرئاسة الحكومة أو للانتخابات الرئاسية المقبلة

ويفتح تأزم الوضع في تونس الآن الباب، حسب البعض، أمام عودة مهدي جمعة إلى واجهة المشهد السياسي التونسي كمرشح محتمل لرئاسة الحكومة أو للانتخابات الرئاسية المقبلة. ومهدي جمعة هو رئيس حكومة سابق منذ نهاية يناير/كانون الثاني 2014 إلى حدود فبراير/شباط 2015، لا ينتمي جمعة لأي حزب سياسي. وقد شغل منذ بدايات التسعينيات مسؤوليات في مجال تخصصه العلمي كمهندس بعدة شركات خاصة. ولم يعرف عنه تقلده منصبًا سياسيًا قبل تسميته وزيرًا للصناعة في حكومة علي العريض في 2013.

لكن جمعة، الذي صرح في السابق، أكثر من مرة أن لا طموحات سياسية له، تؤكد تحركاته وتصريحاته الأخيرة وحضوره البارز عكس ذلك. ويبدو الرجل حريصًا على النشاط بأكثر فعالية في المشهد السياسي كما يعرف بعلاقاته الجيدة مع دوائر الحكم في الجزائر وهو ما قد يلعب لصالحه في الفترة القادمة.   

وبروز مهدي جمعة، الأسابيع الأخيرة، لا يقتصر على رحلة الجزائر بل له حضور مكثف ونشاطات مختلفة. وتداولت وسائل إعلام محلية منذ أشهر أن جمعة يرتب لتأسيس حزب سياسي جديد وتعرض البعض إلى كون حزبه سيحظى بدعم كتلة برلمانية مكونة من منشقين من نداء تونس وأنه يتحرك خلال الفترة الأخيرة للتشاور مع شركات سبر الآراء والفاعلين السياسيين والاقتصاديين في البلاد وخارجها. وتعود هذه التصريحات إلى الواجهة مجددًا مع إعلان اثنين وثلاثين نائبًا عن حزب نداء تونس تجميد عضويتهم بكتلة الحزب، انطلاقًا من الأربعاء الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.

"يحاول مهدي جمعة البروز من جديد في صورة المشهد السياسي العام في البلاد وهو ينطلق من هذه الأزمة التي تعصف بالحزب الحاكم والتي قد تحدث تغييرًا ويطرح بذلك اسمه كرئيس للحكومة من جديد أو كمترشح للرئاسيات القادمة"، يعلق بوعجيلة بخصوص النشاط المتعاظم لرئيس حكومة تونس السابق. أما المحلل السياسي جوهر بن مبارك، فيرى أن "الأجدى بالنسبة لجمعة إن كان يعد لمشروع سياسي أو مشروع حزب جديد أن ينطلق من داخل تونس ويرتب داخل الوطن ومع الفاعلين فيه قبل التوجه إلى الخارج".

اقرأ/ي أيضًا: 

في تونس..أي مصير لحكومة الصيد؟

تونس.. لوبيات السياسة والإعلام تعلن الحرب