07-يناير-2017

ناخبة جزاىرية في انتخابات 2004 (باسكال لو سيجاتيران/آ.ف.ب)

لا أستطيع أن أغامر فأحدّد بالضبط النسبة التي ساهم بها موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" في تثوير الشّارع العربي عام 2011، بكلّ ما انجرّ عن ذلك من ظواهرَ عنقوديةٍ بقي معظمها بلا بحث ولا دراسة من طرف المنظومات المعنية بذلك، لكن مساهمته ليست بسيطة على كلّ حال، خاصةّ في المشهدين التونسي والمصري، بغضّ النظر عن نتائج تلك الثورات.

في حالة الاحتجاج وفي حالة رفض التخريب، رسالتان، يبدو أن الحكومة الجزائرية لم تفهمهما أو لا تريد ذلك

اقرآ/ي آيضًا: ما مصير كل هذه الصور؟

في الجزائر، بادر يومها حزب "التجمّع من أجل الثقافة والدّيمقراطية" إلى تنظيم مظاهرات كلّ سبت، حمل خلالها شعار "الشعب يريد إسقاط النظام"، لكنها سرعان ما خبت، لأن سلطة "فيسبوك" كانت لصالح إبقاء الوضع على ما هو عليه، إذ وقع شبه إجماع فيسبوكي على رفض أيّ خطوة باتجاه الثورة التي كانت تعني الفوضى بالنسبة للجزائريين الخارجين من عشرية فقدوا خلالها مئات الآلاف من القتلى والمعطوبين والمفقودين. وهو الرّفض الذي كرّر نفسه، مع مطلع السّنة الجارية الذي شهد احتجاجاتٍ شعبيةً في بعض المدن والتجمّعات السّكنية، على ارتفاع الأسعار الذي أثمره قانون المالية الجديد، مؤدّية إلى التخريب ومناوشة الشرطة.

لقد أجمع الفيسبوكيون الجزائريون على شعارين لا أدري من صاغهما، لكنّهما انتشرا بكثافة لافتة، هما "أنا جزائري، إذن أنا ضدّ العنف"، و"لا تخرّب بلدك من أجل غلاء الطعام، فستنالهم مجّانًا في مخيّمات اللّاجئين"، وبقيت هذه الاحتجاجات، بفعل هذا الخيار الفيسبوكي محدودة الانتشار والتأثير.

اقرآ/ي آيضًا: عام جديد بإرث قديم

في حالة الاحتجاج وفي حالة رفض التخريب، رسالتان يبدو أنّ الحكومة لم تفهمهما أو لا تريد أن تفهمهما. الرّسالة الأولى هي أن الشعب ضاق ذرعًا بسياساتها العشوائية التي توغل في التبذير وقت البحبوحة، حيث يستفيد أنصارها الفاسدون، من غير أي برنامج مدروس لخلق مشاريعَ مدرّةٍ للثروة وفرص العمل، وتوغل في التقشف وقت العسر، حيث تتضرّر الشرائح البسيطة. أمّا الرّسالة الثانية فهي أن الاستقرار الأمني الذي تتغنّى به، ليس ثمرة لسياساتها، بل لحكمة الشعب ورصانته وخوفه من العودة إلى "سنوات الجمر"، عملًا بالمثل الشعبي القائل "من لدغه الثعبان يخاف من الحبل"، والدليل أنه لم يسمح لأي حركة احتجاجية بأن تتطوّر إلى ثورة مطالبة برحيل النظام، حتى أنّ رئيس الحكومة نفسه اعترف بأن هناك أسرًا قادت أولادها الذين خرّبوا أملاكًا خاصّة وعمومية إلى مخافر الشرطة بنفسها.

من هنا، يقول الواقع الصّارخ إن هناك نبلًا شعبيًا يقابله لؤم حكومي، يراهن في بقاء الوضع آمنًا، على خوف الشعب من العنف الذي ذاق ويلاته سابقًا، لا على إصلاحات سياسية واقتصادية حقيقية يتمّ القيام بها، للخروج من عنق الزجاجة إلى سماء التغيير. ذلك أن تأمّلًا بسيطًا في "الإصلاحات" التي تمّ إطلاقها في السنوات الخمس الأخيرة، يجعلنا ندرك أنها كانت لصالح تكريس هيمنة طرف معيّن، وحماية محيطه الفاسد، أكثر ممّا كانت لتطوير الاقتصاد ودمقرطة الحياة السّياسية.

وما يخيف مستقبلًا أكثر من الحاضر، أن السلطة إذا استطاعت أن تستغلّ خوف من عاشوا إرهاب التسعينيات، من العودة إليه، فهي لن تستطيع، بعد سنوات قليلة جدّا، أن تقمع تطلع الجيل الذي لم يشهد تلك الفترة، إلى أن يعيش حرًّا وسعيدًا ومنخرطًا في الحداثة وفرص العمل والحياة المختلفة، وهو سينقل يومها العنف من الملاعب إلى الشوارع، بكلّ ما ينجرّ عن ذلك من تخريب شامل، بات يشكّل قنبلة مؤجلة، فما يمنع السلطة من مباشرة إصلاح حقيقي، تجنّبًا لقنابل المستقبل؟

اقرآ/ي آيضًا:

عن الشوفينية الوطنجية التونسية

وجه حلب وأقنعة المثقف