10-أغسطس-2018

تمثال عين الفوارة قبل ترميمه (حبيب كاكي/ Wikimedia)

ليس ثمّة فرق، من حيث الإساءة، بين أن ترمّم تحفةً فنّيةً بشكلٍ مشوّهٍ يجعل ملامحها على غير ما كانت عليه، وأن تحطّمها بحجّة أنّها شيء مخلّ بالحياء. ذلك أنّ قيمتها من جمالها ودقّة تصميمها، وما جدوى ترميمها إذا أفقدها الدّقةَ والجمال؟

لا فرق من حيث الإساءة بين ترميم تحفة فنية بشكل يشوهها تمامًا، وبين تحطيمها بحجة أنها مخلة بالحياء! 

ممّا وقع لتمثال عين الفوّارة، حيث تحوّلت من تحفةٍ صارخة الأنوثة، كما أرادها نحّاتُها فرنسيس سان فيدال عام 1898، إلى مشروع رجل بأثداء أنثى، بعد ثمانية أشهر من الاشتغال على ترميمها، نستطيع مقاربة ظاهرةٍ مسكوتٍ عنها في العهد البوتفليقي، هي "المهمّ الإنجاز"، ولا يهمّ أن يكون ما يُنجز خاضعًا للمعايير الدّولية المتعارف عليها. بالمناسبة؛ ما معنى أن يصبح الحديث عن المعايير الدّولية مزعجًا للشّعب والحكومة معًا؟

اقرأ/ي أيضًا: مطرقة التطرّف تطال تمثال المرأة العارية في الجزائر

المهمّ ترميم تحفة فنّية، لكن لا يهمّ أن يكون التّشويه النّاتج عن التّرميم مساويًا لذاك النّاتج عن التّحطيم. والمهمّ بعث مهرجان ثقافي ذي نطاق إقليمي أو دولي، ولا يهمّ أن يكون مثقوبًا بسوء التّسيير والتّدبير. والمهمّ إنجاز وحدات سكنية، ولا يهمّ أن تكون شبيهةً بعلب السّردين.

والمهمّ شقّ طرقاتٍ وإعلاء جسورٍ، ولا يهمّ أن تُهدّدها هجمةُ مطرٍ في أيّ فصل من الفصول، مثلما يحدث هذه الأيّام في أقصى الجنوب، وقبلها في معظم الولايات، ولا شكّ في أن الأمر سيتكرّر صيفًا وخريفًا وشتاءً وربيعًا. والحديث قياس على كلّ شيئ، بما فيها: المهمّ أن يكون لنا رئيس يتنفّس، ولا يهمّ أن يكون عاجزًا عن إثبات حضوره، فتنوب عنه صورتُه في ذلك.

تمثال عين الفوارة بعد الترميم
تمثال عين الفوارة بعد الترميم

وما يثير الخوف أنّ هذه الظاهرة باتت مرفوقةً بظواهرَ أخرى لا تقلّ خطورةً عنها، فكيف إذا اجتمعت المخاطر؟ منها أنّ هناك شارعًا لم يستنكر بشاعة فعل التّرميم بل استنكر فعل التّرميم أصلًا، أي أنّه لا يستنكر رداءة الفنّ، بل يستنكر الفنّ نفسَه! وليس مستبعدًا أن نسمع بهجوم "المواطنين" قريبًا على الفضاءات الثّقافية لحرقها، بالحميّة نفسِها التّي جعلتهم يهجمون على الحانات في بعض المناطق.

قال لي أحد المحسوبين على الثّقافة إنّ المبلغ الماليّ الذي خُصّص لعملية ترميم التّمثال، كان قادرًا على أن يُنجز مكتبة في المدينة، فقلت له: يُفترض أن هذه المكتبة تتوفّر على جناح للكتب الفنّية، التي تتناول فنّ النّحت وفن ترميم التّماثيل. أم أنّك تريد مكتبة شبيهة بمكتبات المساجد؟ لماذا تدافعون عن الأخلاق في الفنّ، وتنسونها في تعاملاتكم في يومياتكم؟ لماذا لا تستنكر هيمنة القمامة على الشّوارع، بنفس الحرارة، التّي تستنكر بها ترميم تحفة فنّية؟

أرى أنّ أفضل نموذج يُلخّص مظاهر الرّوح الارتجالية والتّرقيعية، التّي سادت خلال عهد الرّئيس بوتفليقة هو محلّات الرّئيس نفسِه، حيث أمر ببناء مئة محلّ تجاريّ في كلّ بلدية وتوزيعها على الشّباب العاطل عن العمل، فحدث أن بقيت مغلقة لأنّها بنيت في أماكن غير مدروسة؛ المهمّ أن يكون لك محلّ تجاري، ولا يهمّ ألّا تبيع.

أفضل نموذج يلخّص علاقة وزير الثّقافة الجزائري بالرّداءة؛ ملصقة مهرجان وهران للفيلم العربي والنّسخة المرمّمة من تمثال عين الفوّارة

وأفضل نموذج يلخّص علاقة وزير الثّقافة الحالي بالرّداءة والإنفاق عليها؛ ملصقة مهرجان وهران للفيلم العربي والنّسخة المرمّمة من تمثال عين الفوّارة. المهم أن تُصمّم وترمّم، ولا يهمّ أن تكون الشّغلة النّاتجة خربشةً أو لطخة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حتّى التّماثيل لم تسلم من المسخ في الجزائر!

غرافيتي الجزائر.. لم يتبقى إلا الجدران