20-نوفمبر-2018

أمام محطة قطارات كولونيا

بعد خروج مظاهرة حاشدة في مدينة هامبورغ، ضمت أربعين ألف متظاهر للتضامن مع اللاجئين إلى ألمانيا، جرت حادثة احتجاز رهينة في محطة قطارات كولونيا، قام بها لاجئ يعيش في ألمانيا منذ سنوات.

في التفاصيل دعت مظاهرة مدينة هامبورغ إلى نبذ العنصرية وكراهية الأجانب، وجاءت ردًّا على تنامي موجة من العنصرية تجاه اللاجئين، خصوصًا ردًّا على مظاهرة جرت قبل ما يقرب من شهرين في مدينة ألمانية مغمورة شارك فيها عشرات من رافضي اللجوء ومعادي الأجانب.

كأن الصحافة الألمانية حين لم تنشر صورة منفذ الهجوم على محطة قطارات كولونيا، توحي أن أي سوري يمكن أن يكون متورطًا في هذا الحادث

لم ينته الخبر هنا، فقد ارتكبت في اليوم التالي لمظاهرة هامبورغ، وياللمصادفة البريئة، حادثة احتجاز مواطنة ألمانية في محطة قطارات كولونيا الرئيسية، الأمر الذي تحركت إثره قوات الشرطة فطوقت المكان واقتحمته، وأطلقت النار على الرجل المجرم فأصابته إصابة خطيرة، كما قالت الصحافة، تم نقله إثرها الى أحد المشافي في مدينة كولونيا، وقالت الصحف إن الرجل ينتمي إلى داعش، وإنه طالب بطائرة للسفر إلى سوريا، وفي اليوم التالي أكدت الشرطة أن الرجل سوري. انتهى الخبر هنا.

اقرأ/ي أيضًا: أن تكون عربيًّا في مطار أوروبيّ

الغريب أن أي صحيفة لم تنشر صورة للرجل، لم نر فيديو أو صورة لحادثة الاحتجاز، لم نر صورة الفتاة المصابة، ولم تعلن الشرطة أو الصحافة عن اسم الرجل... كأن الصحافة حين لا تنشر صورة المرتكب تريد أن توحي للألمان أن أي سوري يمكن أن يكون متورطًا في هذا الحادث، كما أن أي سوري يمكن أن يتورط في حادث مشابه مستقبلًا.

الصحافة تريد من الرأي العام الألماني أن يبقى متحفزًا ضد السوريين تحديدًا، واللاجئين عمومًا، تريد إبقاء حالة الخوف، كذلك تريد من السوريين جميعًا أن يشعروا بالذنب والإدانة لأنفسهم ويبقوا في حالة انكسار وخوف، كما أن جهة ما تريد أن يبقى المجتمع الألماني يعيش حالة خوف، وأي محاولة لكسر هذه الحالة تواجه على الفور لإعادة الأمور إلى "نصابها".

في الواقع إن ما تقوم به الصحافة فعل ابتزاز رخيص من جملة أفعال ابتزاز مستمرة منذ سنوات تطال السوريين. ترى هل توجد كلمة أخرى تصف هذه الحالة اللعينة؟

أما بخصوص الرجل الذي قام بعملية الاحتجاز، فالمعلومات المتوفرة عنه قُدمت بواسطة شاب مغاربي أعلنها عن طريق اليوتيوب، وهذه المعلومات تؤكد أن الرجل مختل عقليًا أو مريض نفسيًا، كما قال مسؤول في الشرطة جوابًا على سؤال أحد الصحفيين الألمان، بقية المعلومات هي كما يلي: الرجل متزوج وعمره 55 عامًا ولديه إقامة لثلاث سنوات، ويعيش في الكامب منذ ثلاث سنوات أيضًا، زوجته وابنه في سوريا، تقدم بطلبين للمّ شملهما، تمّ رفض الطلبين، في سجل الرجل ثلاث عشرة مخالفة قانونية. والسؤال هو هل يمكن لأي إنسان يعيش ظروف هذا الرجل أن يبقى متوازنًا نفسيًا؟

تكرر عشرات المرات تصنيف المسلمين الذين يرتكبون أفعالًا إجرامية لدوافع سياسية كإرهابيين

هذا ليس تبريرًا لفعلة الاحتجاز المستنكرة، فهي تبقى جريمة مدانة لا بد أن ينال مرتكبها العقوبة، لكن في نفس الوقت كان من واجب الصحافة الانتظار إلى حين اكتمال المعلومات عن الرجل ثم نشرها، والتأكيد على أنه مختل عقليًا، وليس لاجئًا له علاقة بداعش، ثم القول إنه سوري، فلو كان الفاعل ألمانيًا لقالت الصحافة كما جرت عليه العادة إنه مختل عقليًا.

اقرأ/ي أيضًا: "ألماني حين أفوز ومهاجر حين أخسر".. أوزير يعتزل دوليًا بسبب العنصرية

تكرر عشرات المرات تصنيف المسلمين الذين يرتكبون أفعالًا إجرامية لدوافع سياسية كإرهابيين، بل إن هناك تعديات ارتكبها عدد من اللاجئين لأسباب عاطفية أو مالية، صنفها الإعلام الألماني أعمالًا إرهابية لمجرد أن مرتكبيها مسلمون، سواء كانوا عربًا أو أكرادًا أو فرسًا أو أفغانًا.. حتى لو كان بعض هؤلاء المجرمين يحمل الجنسية الألمانية، أو ولدوا في ألمانيا؛ في حين أن أي إنسان من أي جنسية أو عرق يمكنه أن يرتكب أي جريمة سياسية في ألمانيا دون خشية تصنيفه إرهابيًا، بل دون الخوف من تصنيفه مجرمًا. فكون المجرم لا ينتمي إلى الإسلام فهذا يعني مباشرة ودون أي تأويل أنه مختل عقلي. الأمر الذي يدفع الرأي العام للتعاطف معه والقانون لتخفيف أي عقوبة بحقه، بخلاف الموقف العام أو القانوني من المجرم المسلم الذي يصنف إرهابيًا دومًا مع انتفاء أي إمكانية لتصنيفه كمختل عقلي، أو ضحية ضغط نفسي أو مشكلة عاطفية على سبيل المثال.

 

اقرأ/ي أيضًا:

في المنفى السوري.. الموت عزلةً أو اغتيالًا

خطاب إلى الأمة الألمانية.. عن الاندماج واللجوء