04-يونيو-2019

سوق في برلين (Getty)

الصوماليون في الغرب مهوسون بمقولة الحلال والحرام، تحديدًا بخصوص مأكلهم ومشربهم، وهذا ينطبق على الكثير من المسلمين، والملحوظ أن الكثير منهم لا يعيرون ذلك اهتمامًا بحكم ذوبانهم في المجتمعات الغربية.

من المفارقة أن تعيش في الغرب في ظل دورة اقتصادية ليست لها صلة بالدين وتتحدث عن مأكل ومسكن وعمل حلال!

من المفارقة أن تعيش في الغرب في ظل دورة اقتصادية ليست لها صلة بالدين، وتنطلق من المتعة وقيم السوق وواقع اجتماعي متحرّر من قيود الدين والقيم الاجتماعية المسيحية التقليدية، وحياة سياسية تستند إلى حسابات الربح والخسارة، تم تتحدث عن مأكل، سكن، عمل.. إلخ، وكله حلال.

اقرأ/ي أيضًا: في نقد الديمقراطية

طبيعة تلك البلدان قد انتهت إلى قطيعة مع الدين عمومًا، والمسيحية تحديدًا، وما يؤكد ذلك أن هذا الدين يحرّم الزنا، الكحول، أكل لحم الخنزير، بينما يشكل ذلك الثالوث جزءًا عضويًا في حياة الإنسان الغربي، وفي المحصلة ليس هناك الكثيرون من أبناء هذه الشعوب يقفون عند دور الدين وقيمه، بقدر تماشيهم مع القيم التي طرأت على واقعهم منذ عقد الخمسينيات. صاغت الرأسمالية وجدان تلك الشعوب وقيمها، فاقتصاد السوق استوعب الغالبية الريفية منهم والتي قدمت إلى المدن، وأصبحت بذلك تمثل التيار العام للمجتمع، لقد تمت صياغتهم بصورة تتماشى مع حاجات العمل والرأس المال، وبذلك تمت إعادة صياغة الأسرة ومفهوم عقد الزواج أو الرابطة العاطفية، وتم أيضًا الانتقال إلى طور اجتماعي جديد وهو العشيق والعشيقة كمقابل للزوج والزوجة، وهكذا تُرسم ملامح المجتمع في كل اتجاه.

ومن التحديات التي تواجه الأسرة المسلمة حاجة السكن التي يخضع لقيود التقنين والتنظيم، حيث يحدد عدد أفراد الأسرة حجم البيت الذي سيضمهم، وفي حال رغبتهم شراءه عليهم أن ينخرطوا في نظام الفوائد الذي يراه المسلمون مقابلًا للربا، ويشمل ذلك شراء السيارة وغيرها من الحاجات، بما في ذلك خدمة البطاقات الإلكترونية والتي تأتي بهيئة الديون المالية.

ما هو مؤكد أن سيرورة المسلم في تلك البلاد تطغى عليها قيم السوق الرأسمالية، والتي تشكل العقيدة الفعلية له ولسكان، وما دون ذلك مجرد حنين لطقوس هي أقرب إلى التقاليد الاجتماعية منها إلى الدين.

وبالنظر إلى مأكل ومشرب وملبس المسلم يتضح أنه لا ينجو من محظورات الدين كمثال الدهون واللحوم في المواد الغذائية، وجلود الخنزير في الملبس، الأحذية والحقائب، والكحول في الأدوية رغم قلة نسبته، وبالتالي فإن إعادة التدوير تلك من الصعوبة تتبعها من قبل الفرد، لدى يتطلب ذلك عدم تجاوز أحيانًا وعدم تغليب الحكم النادر على الواقع العام في حين آخر.

ويترتّب على ذلك أن يقوم المسلم بدوره على التماهي مع ذلك التدوير الرأسمالي وتعاطي باب الرخص الفقهي، كعملية تحايل خجولة للقطيعة مع الفجاجة الرأسمالية المتوحشة والتي تعمل من منطلق أكون ولا تكونون.

وفي الواقع الاجتماعي فإن الكثير من العرب المسلمين استثمروا العمل بباب الرخص في بلاد الكفر من منظور الفقه الحنفي، والذي قسّم العالم إلى دار إسلام ودار كفر، وقد أثمرت تلك الرخص في اندماج العرب المسلمين مع الغرب، رغم أن الكثير منهم ليسوا من أهالي المذهب الحنفي، وأصبحوا بذلك يمارسون النشاطات التجارية المختلفة والتي تتعاطى أغلبها مع غير المسلمين، والجدير بالذكر أن مساحة الوازع الديني لديهم ليست كبيرة مقارنة مع أقرانهم الصوماليين الشافعيين، وذلك واقع يستدعي النظر إلى خلفيته.

في بلدانهم قلوبهم على مذاهب شتى بينما بطونهم في الغرب على نفعية أبو حنيفة النعمان، أنهم براغماتيون بفعل واقع الحياة الذي يصقلهم حتى يجاروا تحدياته التي لا تستجيب لدينهم، والتي التهمت مسيحيي الشرق وإذابتهم في ظل واقع قيم السوق الرأسمالي.

تطغى على حياة المسلم في الغرب قيم السوق الرأسمالية التي تشكل العقيدة الفعلية له ولسكان تلك البلاد

الطريف رؤية محلات الصوماليين الذين أدمنوا عبارة "لحم حلال"، والمقصود بذلك أنه مذبوح على الطريقة الإسلامية، بينما لا يتوقف هذا الحلال أمام عدم جودة هذه اللحوم بفعل تعرضها لحالة التبريد المستمر، ونقل بعضها من مسافات بعيدة، وفي نهاية الأمر تسلب من تلك اللحوم فضيلة إسلاميتها لكونها غير صالحة للاستهلاك واقعيًا.

اقرأ/ي أيضًا: هل تخطو السياسة فوق الجسد أم من خلاله؟

إن الحياة في الغرب تفرض على المسلمين فقه الأولويات والتركيز على الحاجات الرئيسية المباشرة كالعمل والسكن والنقل وهو ما يتطلب تطويع ضروراتهم فقهيًا، وفي ظل غياب ما يمكن وصفه بعمل إسلامي أو سكن حلال، فكلاهما مرهون بعائد مادي أولًا وأخيرًا، وفي اتجاه موازي هناك تحايل من قبل مسلمين متاجرين بالسكن والسيارات والعمل ذاته يوهمون الناس بأن تجارتهم وخدماتهم تنطلق من قواعد إسلامية، رغم أنها تتميز بالغلاء والاستغلال ولا يقلون قسوة عن نظام السوق المرابي، وكلاهما بالمحصلة يرابي على طريقته (السوق الغربي ونظيره الاسلامي)، وبين هذا التذبذب والترنح يقضي المسلم أيامه في دياره الجديدة وبدينه الذي انتقل معه من دار إلى أخرى.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أوروبا بوصفها ريف العالم

الثورة على وعي المسحوقين