06-أغسطس-2015

المساكنة ليست حالة طارئة وغريبة عن مجتمعنا (Getty)

عندما تقوم ثورة، فإنها تهدف لكسر القيد أو "التابو" السياسي المتمثل بالنظام المستبد، كما في حالة الثورة السورية. يتبع ذلك كسر لتابوهات اجتماعية ودينية، إما لسد حاجات ظهرت بشكل استثنائي أثناء هذه المرحلة، أو لعدم الاعتقاد بأهمية هذه التابوهات أصلًا. في أوساط معينة، ثمة اعتقاد بأن  الثورة السورية استطاعت أن تكسر قيد الثالوث المحرم: "السياسة، الدين، الجنس" تدريجيًّا، وذلك ابتداء من الانتفاض ضد النظام، مرورًا بظهور موجات الإلحاد التي تجرأ شباب وأعلنوا عنها ردًا على الحركات الدينية المتشددة وسلطة رجال الدين، وصولًا إلى انتشار ظاهرة اجتماعية أصبح الجنس فيه طبيعيًّا وليس أزمة أو عقدة وهي المساكنة. وتعريف المساكنة البسيط والمتداول في العالم العربي، يعني أن يعيش شاب وفتاة في منزل واحد دون أي ارتباط ديني أو قانوني فيما بينهما، وأن يحدث ذلك علانيةً لا سرًّا.

ثمة اعتقاد بأن  الثورة السورية استطاعت أن تكسر قيد الثالوث المحرم: "السياسة، الدين، الجنس" تدريجيًّا

ولكن هل ظهرت المساكنة كردّ فعل على ظروف اجتماعيّة ونفسيّة خاصّة، أم هي ظاهرة كامنة استغلّت الظروف للبزوغ إلى السطح؟ يتوجب توجيه السؤال إلى السوريين.

لينا ناشطة سورية تعيش في تركيا، تعتقد أن "انتشار هذه الظاهرة سببه التغيرات المعيشية والنفسية التي ألمت بغالبية الشباب اللاجئين، كفقدان الأهل والدعم العاطفي وصعوبة تأمين المستلزمات المادية كالسكن والطعام بشكل منفرد". وترى "أن هناك الكثير من حالات المساكنة لا يمارس الطرفان الجنس معا أبدًا. لذلك فإن أسبابها تمتد للعوز المادي أكثر منه للحميمية الجنسية". وهذه وجهة نظر تساير الأعراف السائدة من جهة، ومن جهة أخرى تضيئ على جانب إنساني لا غرائزي في الموضوع.
يختلف محمود، الناشط الإعلامي، مع لينا ويرى أن "المساكنة ليست حالة طارئة وغريبة عن مجتمعنا، بل هي ظاهرة موجودة بالأصل ولكنها برزت الآن بشكل علني وجريء أكثر من ذي قبل، نتيجة تحرر الشباب في تركيا من قيود الأهل والرقابة الاجتماعية التي كانت تمنعهم من المجاهرة بها كما يفعلون الآن". ويضيف "لم تنشأ هذه الظاهرة كرد فعل عن عدم القدرة على تحمل الأعباء المادية فحسب. بل هي تنطوي على بعد جنسي ورغبة في التحرر من الكبت الذي يفرضه عليهم الدين والمجتمع، ولو أن الأمر عكس ذلك لكان بإمكان الشاب العيش مع الشباب والفتاة مع الفتيات ولا حاجة بهم للعيش بشكل مختلط مع بعضهم".

و يقرّ محمد، وهو مصور صحفي يعيش وينشط إعلاميًّا في حلب، بوجود ظاهرة المساكنة منذ الأيام الأولى للثورة في عدد من أحياء القسم الشرقي للمدينة، ولا سيما بين الشبان والفتيات الذين يعملون في مجالات الإغاثة، لكن الأمر حينها كان بشكل محدود وغير معلن كما هو الحال في تركيا الآن. بينما يعتبر وليد، خريج كلية الشريعة، أن "الحجج التي يسوقها الشباب واهية وسخيفة"، وذلك من أجل تبرير "أفعالهم غير الأخلاقية وإشباع رغباتهم بعيدا عن مسؤوليات الزواج". يذهب طالب الشريعة الغاضب أبعد من ذلك، فيضيف: "ما يقومون به يندرج تحت فعل الزنا الذي يحرمه ويعاقب عليه الدين والقانون أيضًا. فشرط اجتماع الرجل والمرأة في بيت واحد وجود عقد زواج شرعي والتزام الرجل بمهر للفتاة بشهادة الشهود والإشهار بالزواج. وعدم توافر هذه الشروط يجعل العلاقة محرمة دينيًّا". وهكذا نعود إلى التابو، أو المُحرّم، بالعربّية الفصحى.

قانون العقوبات السوري عام  1949 يعتبر ، أحيانًا، أن المساكنة جريمة يعاقب عليها تحت اسم الزنا

ترفض رهام، وهي طالبة سورية تدرس في جامعة غازي عنتاب، هذا الكلام، فتعتبر "هذا الكلام تشددا دينيًّا غير مبرر". بل أكثر من ذلك، فهي لا ترى "أي فرق بين كتاب الشيخ الشرعي وبين المساكنة طالما أن الإشهار ووجود الشهود محقق في الحالتين". تساير الشرع بدورها، بالإضافة إلى أن المساكنة حسب رأيها، "أفضل من الزواج العرفي السري الذي لا يضمن حقوق الفتاة رغم أنه شرعي، لكن سريته تجعل من السهل على الشاب التخلي عن شريكته"، فهو كما تقول "التفاف على الدين لتحقيق غايات شخصية، لذلك نسبة الثقة بهذا العقد منخفضة مقارنة بحالة المساكنة".

أما لمى، التي انتقلت أخيراً للعيش مع صديقها، فتعتبر "المساكنة خطوة مهمة على طريق الزواج. لأنها تتيح للطرفين التعرف على بعضهما بشكل جيد، وحسب النتائج التي تبنى على هذه التجربة يقرر الطرفان حينها إمكانيات نجاح زواجهم المستقبلي". وفي السياق نفسه، تؤكد المحامية منال العمرعدم وجود نص قانوني في سوريا يجرم المساكنة، مشيرة إلى أنها ظاهرة حديثة لم تكن موجودة لا في سوريا ولا حتى في أوروبا عندما صدر قانون العقوبات السوري عام  1949 للميلاد: "لكن القانون أحيانًا يعتبر المساكنة جريمة يعاقب عليها تحت اسم الزنا، ويعتبرها من الجنح المخلة بآداب الأسرة".


عن التطرف اسألني

تدل شهادات السوريين إلى أن المساكنة، نوعًا ما، هي وليد جديد للمنظومة الاجتماعية المتشددة لبعض السوريين في تركيا، أو يمكن اعتبارها "ردّة فعل" على التطرف. أما مسألة تناميها أو تراجعها، فتتوقف على الأيام المقبلة، في ضوء قدرة مؤيديها على الوقوف في وجه التحفظات الدينية.