29-يناير-2023
بلال شلش خلال إطلاق موقع ذاكرة فلسطين

بلال شلش خلال إطلاق موقع ذاكرة فلسطين

تواصلت، يوم الأحد 29 كانون الثاني/ يناير 2023، أعمال الدورة الأولى للمنتدى السنوي لفلسطين التي ينظّمها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالتعاون مع مؤسسة الدراسات الفلسطينية خلال الفترة 28–30 كانون الثاني/ يناير 2023. وإلى جانب جلستين انعقدتا في ثلاثة مسارات فرعية متوازية، وورشة عمل حول التضامن مع فلسطين في السياق الغربي، شهدَ اليوم الثاني للمنتدى، إطلاق موقع "ذاكرة فلسطين"، وموقع "القدس: القصة كاملة"، وموقع "الموسوعة التفاعلية للقضية الفلسطينية" PalQuest. وفي مسارٍ موازٍ لأعمال المنتدى، انطلقت أعمال ندوة "الكتابة التاريخية في فلسطين" التي تنظمها دورية "أسطور" للدراسات التاريخية، الصادرة عن المركز العربي.

شهدَ اليوم الثاني للمنتدى السنوي لفلسطين، إطلاق موقع "ذاكرة فلسطين"، وموقع "القدس: القصة كاملة"، وموقع "الموسوعة التفاعلية للقضية الفلسطينية"

فلسطين: مقاربات حول الهوية والتنمية والثقافة

انعقدت الجلسة الثالثة للمنتدى في ثلاثة مسارات فرعية متوازية. ترأست آية راندال جلسة عنوانها "في سوسيولوجيا الهوية الفلسطينية"، وقد شارك فيها خمسة باحثين. اقترح رامي رميلة في ورقته إطارًا مفهوميًّا بديلًا ينشّط الصمود الذي يمكن أن يغيّر واقع الفلسطينيين تحت الاضطهاد خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك من خلال حالة مخيم برج البراجنة في لبنان. وفي السياق ذاته، جادلت نور بدر، من خلال دراسة حالة مخيم الوحدات في الأردن، بأنّ الهوية المخيماتية تُفهم اعتمادًا على المكانية والزمانية، وبيّنت كيف أن مكانية الهوية تتجسد من خلال "كرت المؤن"، أمّا زمانية الهوية فتُجسد من خلال منظمة التحرير الفلسطينية، في حين حاجَّ أحمد مأمون وزهراء شبانه، في ورقتهما المشتركة، بأنّ أحد الأهداف الرئيسة من الحصار المفروض على قطاع غزة، وممارسة إسرائيل للعنف بأشكاله البطيئة والموسمية والنسقية، هو خلق حالة هجرة تدريجية تخلّ بتركيبته السكانية، وتخفّض معدلات الخصوبة. ومن ناحية أخرى، بيّنت إليزابيث مارتين أنّ تغيرات التاريخ القريب أحدثت تجديدًا في التعبيرات الدينية المسيحية الفلسطينية القديمة أعادت الجماعة من خلاله ابتداع ذاتها، وتكييف لاهوتيتها وممارساتها مع الأوضاع الاجتماعية والسياسية المتغيرة.

وفي جلسة "خطاب التنمية في فلسطين والعنف الاستعماري"، التي ترأسها طارق دعنا، قدّم خمسة باحثين أوراقهم. جادل حسن أيوب وعليان صوافطة في ورقتهما المشتركة، بأنّ الاستعمار الاستيطاني، من خلال منظومات السيطرة الخاصة به (أدوات القوة المادية والإكراهية)، عمل على خلق بنى اقتصادية غير تنموية في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1976، بينما بيّن أشرف بدر في ورقته أنّ اعتبار السلطة الفلسطينية نيوليبرالية يتضمن مغالطة منطقية؛ من حيث ربط المقدمات بالنتائج، ومن حيث إن وصمها بالنيوليبرالية يتناقض مع دورها الوظيفي. وفي السياق ذاته، حاجّ عبد الرحمن مراد بأنّ الخطاب المضاد للهيمنة بُنيَ لزعزعة احتمال تطبيق السياسات والممارسات النيوليبرالية غير السياسية في بيئة سياسية معاكسة، وبناء هوية وطنية تتطلب تكامل الاعتماد على الذات وتقرير المصير في الوعي الفلسطيني. أمّا مارتا باريجي، فبيّنت في ورقتها كيف أنّ العنف البنيوي الاستعماري المتعلق بالمستوطنات الإسرائيلية يعرقل تحصّل الفلسطينيين على أنظمة غذائية صحية ومتنوعة.

وبرئاسة عصام نصّار، انعقد المسار الأخير للجلسة الثالثة بعنوان "فلسطين: جوانب تاريخية"، وشارك فيه ثلاثة باحثين. قدّم عادل مناع في ورقته نموذجًا لتحولات الهوية الجمعية من العثمانية إلى الجامعة العربية من خلال تسليط الضوء على سيرة أحمد حلمي باشا عبد الباقي (1882-1963) ومسيرته. ومن خلال الاعتماد على الإعلانات الثقافية التي نشرت في صحيفتَي "الكرمل" (التي كانت تصدر في حيفا) و"فلسطين" (التي كانت تصدر في يافا)، رصد جوني منصور في ورقته ملامح المشهد الثقافي الفلسطيني، وخصوصًا في المدن المركزية (يافا والقدس وحيفا) في فترة الانتداب البريطاني (1918-1948). وفي سياق متصل، قدّم علي أسعد في ورقته لمحة تاريخية عن إقامة المعارض الفلسطينية في القرن العشرين؛ بوصفها ممارسةً اجتماعية هدفت إلى تحفيز المجتمع في أعقاب النكبة، وبوصفها شكلًا من أشكال المقاومة السياسية داخل شبكات التضامن المناهضة للإمبريالية في العالم الثالث.

في الاقتصاد والديموغرافيا والذاكرة الفلسطينية

انعقدت الجلسة الرابعة للمنتدى في ثلاثة مسارات فرعية متوازية أيضًا. ففي الجلسة التي ترأسها أيهب سعد "في الاقتصاد الفلسطيني"، بيّن رجا الخالدي وإسلام ربيع في ورقة مشتركة أنّ العلاقات الاقتصادية بين الفلسطينيين على طرفَي الخط الأخضر لم تبلغ حد التكامل والتنسيق أو اقتسام الأدوار، وأن هذه العلاقات لا تزال على اختلاف أشكالها وأنماطها رهينةً للسياسات الإسرائيلية والحالة الأمنية والمنفعة الاقتصادية. وعالج رابح مرار ورند جبريل في ورقتهما سبل النهوض بقطاع الشركات الناشئة في فلسطين وآثاره المحتملة في المالية العامة. أمّا عرين هواري وسامي محاجنة، فدرسَا في ورقتهما ديناميات العلاقات التجارية بين الفلسطينيين، من داخل الخط الأخضر ومن جنين، محاولةً لفهم الأثر الذي يتركه التفاعل التجاري اليومي في هويّة المجتمع الفلسطيني، وفي نسيجه الاجتماعي ووحدته السياسية.

وفي جلسة "في الديموغرافيا الفلسطينية"، التي ترأسها مجدي المالكي، حاول يوسف كرباج وحلا نوفل في ورقتهما المشتركة إلقاء نظرة عامة على السكان الفلسطينيين في العالم، وذكرَا أنّ عددهم يصل اليوم (عام 2023) إلى 15 مليون نسمة، وأنهم منتشرون في كل أصقاع الأرض. وفي السياق ذاته، تطرّق محمد دريدي في ورقته إلى الواقع الديموغرافي للسكان الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية وداخل الخط الأخضر، وتوقعاته المستقبلية. وانتقالًا إلى حالة القدس، جادل ثائر هستنجس، بأنّه رغم عدم نجاح إسرائيل في تهدئة "الأزمة الديموغرافية" المتعلقة بتراجع الأغلبية اليهودية في القدس، فإنها نقلت "الأزمة" إلى الفضاءات الحميمية في منازل سكان المدينة الفلسطينيين وحياتهم اليومية.

واجهة موقع ذاكرة فلسطين
واجهة موقع ذاكرة فلسطين 

أمّا جلسة "جوانب من الذاكرة الفلسطينية: من النكبة إلى المخيمات"، التي ترأسها هاني عوّاد، فضمّت ثلاث أوراق. بحثت آزادي سوبو، في الورقة الأولى، الانتهاكات المنهجية والواسعة النطاق لحقوق الإنسان في أعقاب تدمير مخيم نهر البارد في عام 2007، مُستخدمةً إبادة المدن أداةً نظرية ومنهجية للتحقيق على نحوٍ سياقي في مختلف الروايات التي تصوّر ذكريات المخيم ما بعد الحرب ودينامية المواجهة الفردية والجماعية لانتهاكات الماضي. وتتبعت رهام عمرو، في ورقتها، شعور الفلسطيني تجاه صدمة لحظة الانسلاخ عن أرضه، وذلك من خلال قراءة مذكرات المثقف الفلسطيني والشهادات الشخصية للفلاح الفلسطيني أيضًا. وفي السياق ذاته، بيّنت رولا سرحان كيف أنه جرى توظيف ذاكرة الهزيمة عربيًّا، وتحديدًا هزيمة 1967، في إنتاج متخيلات اجتماعية وسياسية؛ سواء على الصعيد العربي عمومًا، أو على الصعيد الفلسطيني على وجه الخصوص.

التضامن مع فلسطين في السياق الغربي

نظّم المنتدى في نهاية اليوم الثاني ورشتَي عمل. ترأس ورشة العمل الأولى خليل جهشان، وقدّم فيها أسامة أبو ارشيد، وأحمد أبو زنيد، وماليا بوعطية، وماجد أبو سلامة، أفكارهم حول واقع التضامن مع فلسطين في السياق الغربي، وتغيراته والتحديات أمامه، متطرقين إلى تحولات الخطاب المتعلق بالقضية الفلسطينية إيجابيًّا في الولايات المتحدة وأوروبا، في مقابل سعي الأحزاب والمؤسسات الداعمة لإسرائيل إلى وسم أيّ نشاط داعمٍ لفلسطين ومُنتقدٍ لإسرائيل وسياستها الاستعمارية بأنه "مُعادٍ للسامية". وقد جرت الإجابة عن عددٍ من الأسئلة الرئيسة، ومنها ما يلي: ما القوى السياسية التي تتخذ موقفًا داعمًا للقضية الفلسطينية في السياق الغربي؟ أما زالت تلك القوى متمركزة في اليسار؛ خاصةً اليسار الأوروبي؟ ثمّ أيأتي دعم القضية الفلسطينية نتيجةً للصراعات الداخلية في الغرب والنضال ضد الهيمنة الأميركية، أم أنه لا يتأتى إلّا من كونها قضية عادلة؟ وما الأشكال الجديدة التي اتخذتها الحملات الداعمة لفلسطين؟ وما ملامح التضامن الغربي مع فلسطين في الإنتاج الفكري والثقافي والفني؟ وكيف تختلف القيود المفروضة على تعبيرات التضامن مع فلسطين من دولة إلى أخرى؟ وكيف يتأثر التضامن بوجود سلطة فلسطينية في الضفة الغربية وأخرى في قطاع غزة؟ وما الدروس المستفادة من تجارب التضامن الحالية؟ وكيف يمكن البناء عليها مستقبلًا؟

موقع "ذاكرة فلسطين" مشروع غايته الإسهام في تاريخ فلسطين وتوثيق حركتها الوطنية، من خلال تأسيس قاعدة بيانات رقمية، تحفظ أرشيفات كيانات وهيئات سياسية، وجمعيات محلية، ومجموعات شخصية

إطلاق ثلاثة مواقع إلكترونية تفاعلية حول القضية الفلسطينية

شهدت ورشة العمل الثانية إطلاق ثلاثة مواقع إلكترونية تفاعلية حول القضية الفلسطينية. أطلق بلال شلش، الباحث في مشروع توثيق القضية الفلسطينية في المركز العربي، موقع "ذاكرة فلسطين" في مرحلته الأولى، وهو مشروع غايته الإسهام في تاريخ فلسطين وتوثيق حركتها الوطنية، من خلال تأسيس قاعدة بيانات رقمية، تحفظ أرشيفات كيانات وهيئات سياسية، وجمعيات محلية، ومجموعات شخصية، وأوراقًا عائلية. وتضمُّ المجموعات الأرشيفية الرئيسة للموقع: المجموعات الخاصة، والمنظمات السياسية، وصحفًا ومجلات، وشهادات وروايات شفوية، وسجلات المحاكم الشرعية، والديوان. ويشمل الموقع في مرحلته الأولى نحو 17 ألف مادة، تقعُ في: 24 مجموعة خاصة (تضمّ 8630 مادة مفهرسة في نحو 26 ألف صفحة)، وأدبيات ووثائق لثماني عشرة منظمة سياسية فلسطينية (تتضمّن 1234 مادة مفهرسة)، و42 مجموعة للصحف والمجلات (تشملُ 934 مجلة و303 نشرة و1319 صحيفة)، ونحو 76 شهادة ورواية شفوية، و2959 مادة مفهرسة (مجموعات فردية ووثائق أردنية وصهيونية وأميركية وعثمانية، ووثائق هيئات دولية) في باب الديوان، و483 سجلًّا للمحاكم الشرعية. إضافةً إلى الفهارس، التي تضمُّ في "باب الأعلام" 570 شخصية، وفي "باب الأماكن" 408 مكانًا، وفي باب "الموضوعات" 235 موضوعًا، وفي باب "مستعمرون ومستعمرات" 52 شخصية.

أمّا خالد فراج، مدير عام مؤسسة الدراسات الفلسطينية، فقد أطلق موقع "الموسوعة التفاعلية للقضية الفلسطينية" PalQuest، وهو مشروع رقمي أعدته مؤسسة الدراسات الفلسطينية بالاشتراك مع المتحف الفلسطيني، يهدف إلى عرض تاريخ فلسطين الحديث منذ نهاية الحقبة العثمانية، ويضم مسردًا عامًّا للأحداث، وإضاءات على تطورات سياسية وعسكرية، وسيَرًا لشخصيات فلسطينية سياسية وثقافية، إضافةً إلى مئات الوثائق التاريخية والصور والخرائط، ونبذة عن القرى التي تهدمت خلال النكبة، مع ربطها بنظام معلومات جغرافية.

وقدمت كيت روحانا عرضا عن موقع "القدس: القصة كاملة"، الذي أطلقه المركز العربي في شهر حزيران/ يونيو 2022. وهو موقع متخصص في تاريخ القدس المحتلة، ويعرض الرواية العربية لهذه المدينة باللغة الإنكليزية؛ إذ يخاطب الباحث والقارئ الغربي، ويقدّم له الحقائق والمعلومات المتعلقة بالمدينة المحتلة، والصراع الذي يدور حولها وعلى أراضيها، ويُقدّم مواضيع تحليلية ذات طابع أكاديمي، ثمّ إنه في إمكان الباحث والقارئ الاطلاع على سير ذاتية تتناول حياة المقدسيين الذين قدّموا مساهمات مختلفة للمدينة، فضلًا عن نسيجها المجتمعي عبر التاريخ.