29-سبتمبر-2018

شعار المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات

حين تأسَّس "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، جاء ليكون مكانًا جامعًا من شأنه أن يبني مساحات رحبة للتواصل الحقيقي والفعّال بين المثقّفين والمتخصِّصين العرب في مجال العلوم الاجتماعية والإنسانية بصورةٍ عامّة. وكان الهدف من ذلك طرح ومناقشة عددٍ من القضايا العربية المختلفة والشائكة، كالنظام السياسي العربي وطبيعة بنيته، وبنية المجتمعات العربية، ومحاربة الطائفية، وسبل تحقيق ديمقراطية عربية أصيلة، لا تُفرض من خلال الاحتلال أو عبر تدخّلات خارجية. وهذه الديمقراطية كانت الهدف الأوّل الذي سعى المتظاهرين في الساحات والميادين العربية إلى تحقيقه عند انطلاق ثورات "الربيع العربي".

شكل الالتزام بقضايا الأمّة العربية وهموم مجتمعاتها وشبابها قضية المركز العربي الأولى دائمًا

كان الالتزام بقضايا الأمّة العربية، على اختلافها، وبدون أدنى شك، قضية المركز الأولى دائمًا. وفيها، وضِعت جهود كبيرة وعظيمة جدًا، كانت نتيجتها تغيير الطريقة التي كنّا نرى من خلالها سابقًا تلك القضايا، والنظر لها من جهاتٍ وجوانب مختلفة جديدة وأكثر دقّة ومعرفة.  ومن الممكن القول إنّ المركز، بكلّ ما يقوم به من أنشطة بحثية ومؤتمرات وندوات وإصدارات مختلفة، تمكّن من إشراك الجمهور في القضايا التي يشتغل عليها، ونقل حالة الإيمان بها أيضًا يقدر إيمانه والقائمون عليه بها. هكذا، وجد الشارع العربي  نفسه واقفًا إزاء مؤسّسة بحثية ونهضوية وفكرية وتنويرية هي الأولى من نوعها عربيًا. مؤسّسة لا تتوقف عن التطوّر والنمو يومًا بعد يوم، دون اكتراثٍ بما يطالها من حملات تشويه وتشهير وتزييف تقف خلفها دولًا وجهات وأنظمة دكتاتورية لا يُرضيها نشاط المركز، لا سيما في مسألة دعمه مطالب الشعوب العربية المحقّة بالحرية والحياة الكريمة.

اقرأ/ي أيضًا: المركز العربي للأبحاث..الأكاديميا الحرة في مواجهة البروباغندا والاستبداد

لم  يقف المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات على الحياد إزاء ثورات الشعوب العربية في تونس ومصر وسوريا ودول أخرى. ولأنّ الحرية مبدأ، اختار منذ البداية أن يقف إلى جوار هذه الشعوب ومطالبها المشروعة بكامل الموضوعية التي تقع على عاتق ميدان البحث العلمي، كالحرية والديمقراطية وبناء الدولة الوطنية. فعمل على تشخيص أوضاعها، وتفسير وتحليل أسباب اندلاعها وقيامها، ومناقشة مستقبلها وما يواجهها من تحديات، إن كان ذلك عبر مؤتمراته وندواته الضخمة، أو من خلال ما يصدره من دراساتٍ وكتب بحثية تتجنّب الوقوع أسيرةً لتأويلات مغلوطة أو منحازة أو تخصصية ضيّقة. مبتعدةً كلّ البعد أيضًا عن الأحكام القطعية، ومستندةً إلى موضوعية الأرقام والإحصاءات والاستبيانات. ومن بين هذه الكتب، نجد كتاب "ثورة ومصر: من جمهورية يوليو إلى ثورة يناير" والجزء الثاني منه أيضًا "ثورة مصر: من الثورة إلى الانقلاب" للمفكّر العربي عزمي بشارة الذي قال في مقدّمة الجزء الأوّل من الكتاب إنّ الغرض منه إنتاج بحث توثيقي عن ثورة مصر 2011، وعرض تاريخي لفهم السياسة والمجتمع والجيش في مصر منذ قيام جمهورية يوليو إلى نهاية عصر مبارك. بينما يخصّص الجزء الثاني منه لمحاولة فهم أسباب تعثّر التحوّل الديمقراطي، من خلال استعراض المرحلة الدقيقة التي مرّت بها الجمهورية المصرية منذ تولّى المجلس العسكري إدارة شؤونها، مرورًا بالانتخابات التي فاز فيها الرئيس محمد مرسي، وصولًا إلى الانقلاب العسكريّ. 

وإلى جانب هذا الكتاب، ثمّة كتب ودراسات أخرى تناولت الثورة المصرية من جوانبها المختلفة، ككتاب "الثورة المصرية: الدوافع والاتّجاهات والتحدّيات" الذي تشارك في كتابته عددًا من الباحثين الذين وقفوا عند تحليل هذه الثورة والكشف عن دوافعها الحقيقة. وأيضًا، كتاب "العلاقات المدنية-العسكرية والتحول الديمقراطي في مصر بعد ثورة 25 يناير" لمؤلّفه هاني سليمان، وغيرها الكثير من الكتب التي تناولت الثورة المصرية في متنها. وما ذُكر أعلاه ينطبق على الثورات العربية الأخرى أيضًا، إذ أصدر المركز مجموعة من الكتب التي تناولت الثورة السورية، كـ "سوريا: درب الآلام نحو الحرية" للمفكّر عزمي بشارة، بالإضافة إلى "خلفيات الثورة: دراسات سورية" لمجموعة من المؤلّفين. ناهيك عن كتاب "ثورة تونس: الأسباب والسياقات والتحديات" الذي تناول الثورة التونسية إلى جانب كتاب عزمي بشارة "الثورة التونسية المجيدة". أمّا بشأن الثورة اليمنية، فأصدر المركز كتاب تشارك عدد من الباحثين في تأليفه تحت عنوان "الثورة اليمنية: الخلفية والافاق". وهذا فضلًا عن كتب تناولت تجارب الثورات العربية بأكملها، ككتابي "التداعيات الجيوستراتيجية للثورات العربية"، و"الثورات العربية: عسر التحوّل الديمقراطيّ ومآلاته".

يسعى المركز العربي إلى دراسة علاقة العرب بالدول المجاورة والإقليمية أيضًا، من خلال تحليله لطبيعة هذه العلاقات ومستقبلها

أن يتناول المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الثورات العربية بهذا الشكل من الاهتمام، لا يعني انصرافه عن مسائل وقضايا أخرى محلّية كانت أو عالمية، صغيرة أو كبيرة. فلمسألة الطائفية مكانةً مهمّة عند الباحثين في المركز والقائمون عليه، لذا، عُقدت عدّة مؤتمرات وندوات لمناقشة لهذه المسألة، وصدرت عدّة مؤلّفات وأبحاث في هذا الشأن، أبرزها "المسألة الطائفية وصناعة الأقليات" (مجموعة مؤلّفين)، و"نظام الطائفية من الدولة إلى القبيلة" لعالم الاجتماع والمفكر السوري برهان غليون، و"الطائفية، الطائفية، الطوائف المتخيلة" للمفكر العربي عزمي بشارة، ولا بدّ هنا من الإشارة أيضًا إلى ثلاثية "الدين والعلمانية في سياق تاريخي" للمؤلّف نفسه.

اقرأ/ي أيضًا: المركز العربي يضع قرار ترامب بشأن القدس تحت مجهر التشريح الأكاديمي

وإلى جانب الطائفية، تحضر قضيتي الدولة الإسلامية والإسلام السياسي المرتبطتان، بشكلٍ أو بآخر، بالقضية الأولى. ومن أجل بلورة وفهم هاتين القضيتين بشكلٍ صحيح وبعيدٍ عن التجاذبات والانحيازات السياسية وغيرها، صدرت عن المركز مجموعة من الكتب التي دارت حولهما، ومنها، "الدولة المستحيلة: الإسلام والسياسية ومأزق الحداثة الأخلاقي" لوائل حلاق، و"الإسلاميون وقضايا الدولة والمواطنة" (مجموعة مؤلفين)، و"مفهوم الدولة الإسلامية" لمحمد جبرون. وفي هذا السياق، لا بدّ من الإشارة أيضًا إلى "سلسلة ترجمان" التي يسعى المركز من خلالها إلى توفير الإنتاج الفكري الجديد والمهم خارج العالم العربيّ للقرّاء العرب. أضف إلى ذلك "سلسلة شهادات" التي صدرت ضمنها عدّة مذكرات لشخصيات سياسية عربية بارزة، كمذكرات فاروق الشرع، وزير الخارجية السوري في عهد حافظ الأسد، وعدنان أبو عودة، رئيس الديوان الملكي الأردني في عهد الملك حسين، ونزار عبد الكريم فيصل الخزرجي، رئيس أركان الجيش العراقي أثناء الحرب العراقية – الإيرانية.

ينشغل المركز العربي، كما مؤسسه عزمي بشارة، بقضايا الراهن العربي من زاوية نظر علمية موضوعية واقفة إلى جنب الشعوب العربية في نضالاتها المشروعة

إلى جوار ما ذكر، يسعى المركز إلى دراسة علاقة العرب بالدول المجاورة والإقليمية أيضًا، من خلال تحليله لطبيعة هذه العلاقات ومستقبلها، والمصالح القائمة عليها، والأزمات الحاصلة بين الطرفين، ماضيًا وحاضرًا. هكذا، يصير من السهل فهم علاقات معقّدة وشائكة كالعلاقة العربية – الإيرانية، أو العلاقة العربية – الأمريكية، عوضًا عن تركيا والهند ودول القرن الإفريقي. 

أخيرًا، ليس من الممكن في هذا المقال أن نأتي على ذكر جميع إصدارات المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ولسنا بصدد هذا الأمر أساسًا. فللمركز الآن ما يزيد عن 300 عنوان في مختلف المجالات. ناهيك عن إصداره لـ 5 دوريات مُحكمة تُعنى بالسياسة هي "سياسات عربية"، والثقافة "تبيّن"، والدراسات التاريخية "أسطور"، والعلوم الاجتماعية "عمران"، والدراسات المستقبلية "استشراف". لكنّ هذا المقال يحاول الإشارة إلى الأهمية والثقل المعرفي الذي تتمتع به منشورات المركز، وضرورة اقتناءها وقراءتها وزيارة جناحه في معارض الكتب العربية، لاسيما وأنّ هذه الأسابيع تتخللها أعمال لعدة معارض كتاب عربية. 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

عزمي بشارة.. خرائط الحرية

المركز العربي يعلن نتائج استطلاع المؤشر العربي 2017/ 2018