أدان المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان بشدة القصف الذي نفذه جيش الاحتلال الإسرائيلي على مركز صحي تابع لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في مخيم جباليا شمال قطاع غزة، واصفًا إياه بأنه جريمة قتل جماعي متعمدة تضاف إلى سلسلة المجازر التي ترتكبها إسرائيل بحق المدنيين الفلسطينيين في إطار جريمة الإبادة الجماعية المستمرة منذ أكثر من 18 شهرًا.
قصف مزدوج
ووفقًا لبيان أصدره المرصد، استهدف الجيش الإسرائيلي المركز الصحي في تمام الساعة 10:55 من صباح يوم الأربعاء، 2 نيسان/أبريل، رغم كونه ملجأً لمئات النازحين. وأسفر الهجوم عن استشهاد 22 شخصًا، بينهم 16 من الأطفال والنساء والمسنين، فضلًا عن إصابة العشرات بجروح متفاوتة.
أشار المرصد إلى أن استخدام الجيش الإسرائيلي لأسلحة ذات قدرة تدميرية عالية في منطقة تعج بالمدنيين، ولا سيما الأطفال
استهداف المدنيين: سياسة إسرائيلية ممنهجة
وشدد المرصد على أن هذا الاستهداف يأتي ضمن سياسة ممنهجة تتبعها إسرائيل لاستهداف التجمعات المدنية عمدًا، بهدف إيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا في صفوف السكان العزل، في محاولة لطمس الوجود الفلسطيني في القطاع.
وفي تفاصيل الجريمة، أوضح المرصد أن الهجوم كان مزدوجًا، حيث قصف الجيش الإسرائيلي الجهتين الشمالية والجنوبية من الطابق الأول للمركز، مما أدى إلى اندلاع حرائق وحدوث خسائر بشرية كبيرة.
📹 سيدة غزّية تروي تفاصيل استهداف الاحتــلال الإسرائيلي لعيادة تابعة لـ"الأونروا" في مخيم جباليا شمال القطاع pic.twitter.com/ouMvHPzuJ9
— Ultra Palestine - الترا فلسطين (@palestineultra) April 2, 2025
كما أفاد الفريق الميداني للمرصد، الذي زار الموقع فور الاستهداف، بعدم العثور على أي دليل يشير إلى وجود نشاط عسكري في المنطقة أو بالقرب منها، وهو ما أكدته شهادات الناجين الذين نفوا بشكل قاطع وجود مسلحين أو معدات عسكرية داخل المركز.
أسلحة ذات قدرة تدميرية عالية
وأشار المرصد إلى أن استخدام الجيش الإسرائيلي لأسلحة ذات قدرة تدميرية عالية في منطقة تعج بالمدنيين، ولا سيما الأطفال، يؤكد وجود نية مسبقة لارتكاب المجزرة، ويعكس استخفافًا واضحًا بأرواح الفلسطينيين، الذين لا يجدون أي ملاذ آمن حتى داخل منشآت تابعة للأمم المتحدة.
وأضاف المرصد أن إسرائيل تلجأ إلى تكرار الادعاءات ذاتها كلما واجهت إدانات دولية، مدعية أن الهجمات استهدفت "مسلحين"، دون تقديم أي دليل ملموس يمكن التحقق منه، أو السماح لأي جهة مستقلة بالتحقيق في صحة هذه الادعاءات.
وأكد أن هذه الممارسات لا تعفي إسرائيل من مسؤولياتها القانونية بموجب القانون الدولي الإنساني، كما لا تعفي المجتمع الدولي من واجبه في التحقيق في هذه الانتهاكات ومحاسبة المسؤولين عنها.
شهادات الناجين
وفي شهادات مروعة للناجين، قالت سعاد محمد ظاهر، نازحة لجأت إلى العيادة مع أسرتها بعد تدمير منزلها: "كنا نحتمي داخل العيادة بعد صدور أوامر إخلاء جديدة. كان المكان مكتظًا بمئات النازحين، معظمهم من الأطفال والنساء. كنت أعدّ الطعام عندما سمعت انفجارين ضخمين، واهتزت العيادة بالكامل. تطايرت الشظايا والغبار في كل مكان، وغطى الدخان الأجواء، بينما كان صراخ الناس يتعالى من كل اتجاه. رأيت جثث الأطفال تُسحب من تحت الأنقاض، معظمهم لم يتجاوز العاشرة من العمر".
فيديو | مشاهد من مجزرة عيادة "الأونروا" التي تؤوي نازحين في مخيم جباليا شمال قطاع غزة. pic.twitter.com/9Qarf9Cz2k
— Ultra Palestine - الترا فلسطين (@palestineultra) April 2, 2025
أما غادة عبيد (30 عامًا)، وهي نازحة أخرى كانت حاضرة أثناء القصف، فقد وصفت المشهد قائلة: "رأيت أشلاء الأطفال متناثرة، ورؤوس النساء مهشمة، وأجساد مقطعة. كانت العائلات تُباد أمام أعيننا في لحظات. لم يكن هناك أي مسلحين كما تدّعي إسرائيل، فقط أناس يبحثون عن الأمان وسط الدمار."
وفي السياق ذاته، قال أحد الناجين، الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه: "بحكم نزوحي في العيادة، كنت قد تعرفت إلى العديد من العائلات هناك، وبينهم أفراد من عائلتي أبو سعدة وعليان. بعد القصف، رأيت تسعة قتلى من عائلة أبو سعدة وخمسة من عائلة عليان، معظمهم أطفال. كل من كانوا هناك كانوا مدنيين نازحين هربوا من القصف، لكنهم قُتلوا داخل مكان يُفترض أن يكون آمنًا".
سياسة الأرض المحروقة
وأكد المرصد أن سياسة "الأرض المحروقة" التي تنتهجها إسرائيل ضد سكان قطاع غزة باتت واضحة، حيث تتعمد استهداف المدنيين ومراكز الإيواء ومنشآت الأمم المتحدة، في ظل صمت دولي غير مبرر. ودعا المجتمع الدولي إلى اتخاذ خطوات عاجلة لوقف هذه الجرائم، وتوفير حماية فورية للمدنيين.
وأشار إلى أن حتى لو ثبتت صحة الادعاءات الإسرائيلية حول وجود "مسلحين" في المنطقة، وهو ما لم يتبين حتى الآن، فإن ذلك لا يسقط عن إسرائيل التزاماتها القانونية بموجب القانون الدولي الإنساني، الذي يفرض عليها اتخاذ جميع التدابير الممكنة لحماية المدنيين، وعدم تنفيذ أي عملية عسكرية إذا كانت الخسائر المتوقعة تفوق المكاسب العسكرية المحتملة. وأكد المرصد أن ما حدث في جباليا يُصنّف كجريمة حرب متكاملة الأركان، تعكس السياسة الإسرائيلية الممنهجة ضد الفلسطينيين.
فيديو | فيديو | فلسطينية تبكي أطفالها الذين قتلهم الاحتلال في مجزرة عيادة وكالة "الأونروا" في جباليا شمال القطاع. pic.twitter.com/6oZ152lcdR
— Ultra Palestine - الترا فلسطين (@palestineultra) April 2, 2025
ضرورة التدخل الدولي
وشدد المرصد على ضرورة تحرك المجتمع الدولي بشكل عاجل لتحميل إسرائيل مسؤولية أفعالها، وفرض عقوبات دبلوماسية واقتصادية وعسكرية ضدها، بما يشمل حظر تصدير وشراء الأسلحة، ووقف كافة أشكال الدعم السياسي والمالي والعسكري. كما طالب المحكمة الجنائية الدولية بتنفيذ أوامر القبض الصادرة بحق المسؤولين الإسرائيليين المتورطين في الجرائم ضد الفلسطينيين، وإحالتهم إلى العدالة الدولية.
ودعا المرصد الدول إلى محاسبة الحكومات التي تتواطأ مع إسرائيل وتوفر لها الدعم اللازم للاستمرار في ارتكاب هذه الجرائم، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، مشددًا على أهمية وقف أي تعاون عسكري أو استخباراتي أو اقتصادي يُسهم في تمكين إسرائيل من مواصلة انتهاكاتها الجسيمة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة.