قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّ إسرائيل بلغت مرحلة الذروة في تنفيذ مشروعها التهجيري في قطاع غزة، إذ لم تعد تُخفي نيتها في ترحيل الفلسطينيين خارج وطنهم، بل باتت تُعلن ذلك بوضوح من خلال تصريحات رسمية على أعلى المستويات، وتُنفّذه ميدانيًا ومؤسسيًا ضمن سردية مضلِّلة تُقدّم التهجير القسري على أنه "هجرة طوعية"، مستفيدة من صمت دولي مطبق أتاح لها بيئة آمنة للإفلات من العقاب.
تهجير تحت ستار "الهجرة الطوعية"
وفي بيان صحفي، أكد المرصد أن إسرائيل بدأت المرحلة الأخيرة من مخططها الرامي إلى الترحيل الجماعي للفلسطينيين من غزة، بعد أكثر من عام ونصف من ارتكاب جرائم إبادة شملت تدمير المدن وقتل وإصابة مئات الآلاف وتفكيك البنية الحياتية في القطاع، في محاولة لإنهاء الوجود الفلسطيني كليًا.
إسرائيل بلغت مرحلة الذروة في تنفيذ مشروعها التهجيري في قطاع غزة، إذ لم تعد تُخفي نيتها في ترحيل الفلسطينيين خارج وطنهم
وأشار إلى أن هذا المخطط ليس جديدًا، بل يمثل امتدادًا لمشروع استعماري استيطاني مستمر منذ عقود، هدفه محو الوجود الفلسطيني والاستيلاء على الأرض. لكنّ هذه المرحلة، كما يؤكد المرصد، تتسم بخطورة أكبر واتساع غير مسبوق، حيث تستهدف 2.3 مليون إنسان تم حرمانهم من أبسط مقومات الحياة، في ظروف قسرية متعمدة لدفعهم إلى الرحيل.
وأوضح أن إسرائيل، بعد أن قوّضت قواعد القانون الدولي، تعمل على إعادة صياغة جرائمها، مروّجة لفكرة التهجير كخيار شخصي بدوافع إنسانية، رغم أن الوقائع الميدانية تثبت أنها بيئة قهرية تُجبر السكان على المغادرة.
🎥 أطفال مصابون في قصف للاحتلال الإسرائيلي على جباليا.. #شاهد pic.twitter.com/JwNjGuBPmy
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) April 24, 2025
التهجير كأداة إبادة جماعية
وفي هذا السياق، أكدت المديرة القانونية للمرصد، ليما بسطامي، أن إسرائيل ارتكبت بالفعل جريمة التهجير القسري، عندما دفعت سكان القطاع إلى النزوح داخل غزة دون مبرر قانوني، وفي ظروف تتنافى كليًا مع شروط القانون الدولي. وقالت إن ما يجري هو استخدام ممنهج للتهجير كأداة من أدوات الإبادة الجماعية.
ولفتت إلى أن إسرائيل انتقلت إلى المرحلة الثانية من التهجير القسري، أي ترحيل السكان إلى خارج غزة، مع محاولة تسويق هذه الجريمة باعتبارها هجرة طوعية، رغم كونها نتيجة مباشرة لأفعال إجرامية مارستها إسرائيل نفسها.
وأشار المرصد إلى أن سكان غزة يعيشون ظروفًا كارثية غير مسبوقة، إذ دُمّرت المنازل، وتوقفت الخدمات، وانهارت المنظومة الصحية والتعليمية، بينما يعيش السكان في خيام متهالكة وسط المجاعة والأوبئة، دون طعام أو دواء أو ماء أو كهرباء، ما يشكل بيئة قسرية نموذجية للتهجير.
وأوضح المرصد أن إسرائيل صممت هذا الواقع لدفع السكان إلى المغادرة قسرًا، وهو ما يُعدّ جوهر جريمة التهجير في القانون الدولي، مؤكدًا أن أي مغادرة للقطاع في ظل هذه الظروف ليست طوعية بحال من الأحوال.
وفي هذا السياق، أشار المرصد إلى أن أبرز قادة إسرائيل، من بينهم نتنياهو وسموتريتش وبن غفير، أعلنوا دعمهم العلني لخطة تهجير سكان غزة وإحلال المستوطنين اليهود مكانهم، مؤكدين أن التهجير سياسة رسمية لا خطاب عابر.
51,355 فلسطينيًا استشهدوا منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. pic.twitter.com/V2cdMGGaLN
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) April 24, 2025
طابع مؤسسي لجريمة ضد الإنسانية
أفاد المرصد أن الحكومة الإسرائيلية صادقت في آذار/مارس 2025 على إنشاء مديرية خاصة لتنظيم ما يسمى بـ"الانتقال الطوعي" إلى دول ثالثة، تحت إشراف وزارة الدفاع، بما يرسّخ الطرد كسياسة مؤسسية منظمة.
وأوضح أن هذه المديرية لا تمثل فقط أداة تنفيذية للتهجير، بل تُضفي عليه طابعًا إداريًا مخادعًا، حيث يُقدّم التهجير القسري كخدمة اختيارية، في حين يُجرد السكان من القدرة الفعلية على اتخاذ قرار حر.
وأكد المرصد أن التهجير القسري، كما يعرّفه القانون الدولي، يشمل جميع حالات الطرد تحت ظروف قهرية، ولا يجوز تقديمه كخيار إنساني إذا كانت إسرائيل هي التي تسببت عمدًا في الأزمة التي دفعت إليه.
🎥 "عار عليك".. متظاهرون يهتفون ضد وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير أثناء خروجه من خطاب ألقاه في جامعة ييل الأميركية. pic.twitter.com/I98VOkhs5X
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) April 24, 2025
وشدد المرصد على أن كل من يُجبر على مغادرة غزة يحتفظ بحقه في العودة الفورية والتعويض الكامل عن الأضرار التي لحقت به، وأن إسرائيل، بصفتها قوة احتلال، تتحمل المسؤولية القانونية الكاملة عن ضمان هذا الحق.
وأضاف أن القانون الدولي يُلزم جميع الدول بعدم الاعتراف بنتائج جريمة التهجير، ورفض تقديم أي دعم يسهم في ترسيخها، بل يوجب اتخاذ إجراءات فعالة لوقف الجريمة ومحاسبة مرتكبيها.
ودعا المرصد إلى تحرك دولي عاجل، يتجاوز الإدانة الشكلية، لمنع تثبيت مشروع التهجير، ووقف سياسة الإفلات من العقاب، والتصدي لجذر الانتهاكات والمتمثل في الاحتلال الإسرائيلي المستمر للأراضي الفلسطينية.
واعتبر أن التماهي الدولي مع مشروع تهجير سكان غزة يُعد مكافأة لإسرائيل على جرائمها، داعيًا إلى فرض عقوبات دولية شاملة، ووقف تصدير الأسلحة، وتجميد أصول المسؤولين الإسرائيليين، ومساءلة الدول المتواطئة، وعلى رأسها الولايات المتحدة.
وختم المرصد بيانه بالقول إن أي استجابة حقيقية لأزمة غزة تبدأ بإزالة الاحتلال الاستعماري من الأرض الفلسطينية، باعتباره مصدر الانتهاكات، وضمان حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، ووقف الإبادة الجماعية، وتفكيك نظام الفصل العنصري.