07-مارس-2019

يثير تسليم ماليزيا معارضين مصريين للقاهرة أسئلة عديدة (تويتر)

ربما يظن البعض أن ما حدث في ماليزيا منذ ساعات مضت، مع تسليم أربعة مصريين معارضين إلى السلطات المصرية وفقًا لتصريحات للمتحدث الرسمي للخارجية الماليزية، أدلى بها لقناة الجزيرة، كانت بداية ونهاية الأحداث، لكن حقيقة الأمر تتجاوز اعتقال مجموعة رأت السلطات الأمنية الماليزية أنها على علاقة ما بتنظيمات متطرفة، وفقًا لما يتم تداوله.

كانت عوامل عديدة وراء ترحيل المصريين الأربعة، على المدى الطويل والقصير، من بينها تدخل التحالف الحكومي السابق، وتباطؤ قيادات الإخوان المسلمين في التواصل مع القيادات والوزراء في الحكومة الماليزية

كانت عوامل عديدة وراء ترحيل المصريين الأربعة، على المدى الطويل والقصير، من بينها تباطؤ قيادات الإخوان المسلمين في التواصل مع القيادات والوزراء في الحكومة الماليزية، إضافة إلى تهديدات سابقة غير معلنة من نواب في الحزب الحاكم السابق في ماليزيا، تشير إلى أن تضييقًا ما سيتم ضد المعارضين من مصر داخل الأراضي الماليزية، لإحراج حكومة مهاتير محمد، التي لو دافعت عن المرحلين ستكون ضد الأمن القومي الماليزي، ولو وافقت على الترحيل ورحبت به، فسيكون موقفها على غير هوى محبيها من الإسلاميين. وتأتي خطوة الترحيل في ماليزيا تالية لأخرى اتخذتها دول من قبل، من بينها ترحيل مصري محكوم عليه بالإعدام من تركيا في كانون الثاني/يناير الماضي، وكذلك تسليم بعض المصريين المعارضين الهاربين للسودان للحكومة المصرية.

اقرأ/ي أيضًا: لماذا رحلت السلطات المصرية مدير مكتب نيويورك تايمز السابق؟

الأزمة الأخيرة

بدأت قصة أزمة المرحلين الأربعة وهم محمد عبد العزيز فتحي، وعبدالله محمد هشام، وعبد الرحمن عبدالعزيز أحمد، وعزمي السيد محمد، مع بداية اعتقال اثنين من المصريين –لم يرد ذكرهم في بيان الترحيل- تعددت الشائعات حول أسباب اعتقالهم. يرجح بعض الآراء أنهم كانوا في تنظيم داعش، بينما ينفي آخرون ذلك، ويقول جزء آخر إنهم يحملون جوازات سفر غير نظامية، لكن المؤكد أنه تم اعتقالهم في المنطقة بين ماليزيا وتايلاند، وأن السلطات أعادتهم مرة أخرى إلى مبنى الاستخبارات الماليزية الداخلية "بوكت أمان".

كان الشابان بداية سلسلة طويلة من الاعتقالات طالت شخصيات غير مقربة منهم، تعاملت معهم عن بعد. بدأت هذه السلسلة بـ"محمد فتحي" وهو مدرس تجويد في مدرسة ماليزية، ومن المعروف أن مدرس التجويد والقرآن واللغة العربية الأجنبي في المدارس الحكومية أو الخاصة الماليزية، يمر بعدد من المتابعات والمقابلات مع جهات أمنية، للتأكد من تجنبه أي أفكار أو آراء متطرفة. والشيخ محمد كما يسمى في منطقة تمان مالتي والتي يقطنها أغلب المرحلين، لم يكن له أي نشاط معارض في ماليزيا، بل إنه خرج من مصر للعمل ليس إلا، ولديه خمسة أبناء اغلبهم يدرس داخل ماليزيا. ويعمل الشيخ محمد في عدة أعمال أخرى بجانب التعليم لزيادة دخله، من بينها تأجير الغرف للمغتربين، ونظرًا لعمله كسمسار قام بتأجير غرفة للشابين اللذين اعتقلا على حدود تايلاند، فانضم اسمه للتحقيقات واعتقل.

ثم يأتي دور عبدالرحمن عبدالعزيز، المعروف بزيزو، وهو شاب يدرس في ماليزيا، خرج من مصر بعد أن كان معارضًا للنظام، وكانت فيما يبدو تربطه بالشابين علاقة معرفة سابقة فاعتقل. وعقب اعتقال عبدالرحمن توجه صديقه عبدالله للسؤال عنه فاعتقل أيضًا، وخلال تلك الفترة داهمت السلطات الماليزية المساكن المستأجرة من طرف الشيخ محمد وألقت القبض على جميع المتواجدين فيها، ولكن ذلك جاء كإجراء احترازي وتم إخلاء سبيل أغلب المحتجزين بعدها بساعات قليلة دون أي تدخل من أي طرف.

كان الشخص الرابع في قائمة المرحلين هو عزمي السيد، والحاج عزمي هو شخص أقرب للصوفية، يعمل مدرس لغة عربية في إحدى المدارس العربية في ماليزيا، ويعمل في تأجير الشقق أيضًا كالشيخ محمد فتحي. وهو محكوم غيابيًا بالمؤبد في قضية تظاهر، لذلك اضطر أن يخرج من مصر هاربًا، حيث إن قضيته من نوعية القضايا التي كانت تضم أعدادًا كبيرة وصدر معه في القضية نفسها أحكام بالمؤبد غيابيًا على نحو خمسين آخرين.

الوضع في ماليزيا

للحديث بشكل أكثر تفصيلًأ عن أزمة الترحيل يجب النظر في الوضع السياسي الحالي التي تمر به ماليزيا، حيث تشكل تحالف  "الأمل" المكون للحكومة الحالية عن عدد من الأحزاب التي استطاعت على اختلاف توجهاتها تشكيل تحالف انتخابي معارض، تطور لتحالف حكومي بقيادة رئيس الوزراء الأسبق مهاتير محمد، ومن خلفه عائلة أنور إبراهيم ونشطاء صينيون وهنود، استطاع للمرة الأولى منذ استقلال ماليزيا تنحيه حزب "أمنو" عن سدة الحكم، ولكنه في ذات الوقت يجد صعوبة في تحقيق الوعود الانتخابية وبخاصة الاقتصادية، كما تُمارس ضد التحالف الكثير من الضغوط.

ترتبط الضغوط التي تمارس على التحالف بشكل كبير بطبيعة المجتمع الماليزي المكون من عدة إثنيات وأديان، الأغلبية للملايو بنسبة تصل لنحو 58% وغالبيتهم من المسلمين، والإثنية الصينية بنسبة تصل لنحو 26% وغالبيتهم من البوذيين والمسيحيين، وهنود نحو 7% منقسمين بين السيخ والهندوس، وإثنيات أخرى، واستطاع أمنو -عقب خسارة الانتخابات- بمساندة الحزب الإسلامي (باس) في استقطاب الملايو عبر شعارات عرقية متطرفة حول حماية الملايو والمسلمين. أثرت تلك النعرات العرقية والدينية بشكل كبير في شعبية التحالف وخسر مرتين خلال انتخابات تكميلية، من بينها خسارة أخيرة لمقعد كان مضمونًا.

لا يقف أمنو وحده في محاولة العودة وتصدر المشهد من جديد، فمن الخلف تدعمه السعودية بشكل كبير، خاصة وأن رئيس الوزراء السابق نجيب عبدالرزاق يدين بالولاء الكامل للأسرة الحاكمة في السعودية، وسبق أن دافعت عنه في قضية الاختلاس المعروف في الصندوق السيادي الماليزي، والتي تمت بمعاونة أشخاص آخرين من بينهم يوسف العتيبة السفير الإماراتي في الولايات المتحدة الأمريكية.

ومنذ أيام قليلة ألغى ولي العهد السعودي زيارة كان من المقرر أن يقوم بها لماليزيا، ضمن جولته الأسيوية، ولم تعلن الحكومة السعودية سبب إلغاء الزيارة لماليزيا وجارتها إندونيسيا.

احتمالات مطروحة

تدفع تلك الأزمات وغيرها لعدة احتمالات لتفسير رد فعل الحكومة الماليزية والترحيل السريع للمصريين الأربعة. الاحتمال الأول أن يكون لدى السلطات الماليزية يقين حقيقي أن هؤلاء مرتبطون بأعمال إرهابية، لكن التصريحات التي نقلتها الجزيرة عن المسؤولين الماليزيين، تنفي هذا الاحتمال بشكل واضح، إذ لم يُقدموا للمحاكمة لتتم إدانتهم او تبرئتهم، ولم تعرض أسباب الاعتقال ولا البنود ولا أي معلومات واضحة حول القضية، كما أنهم وفقًا للبيان ارتكبوا جرائم في القانون الماليزي فلماذا لا يحاكمهم القانون الماليزي، وما علاقة مصر بالأمر، لو صح.

ترتبط الاحتمالات الأخرى بالسياسة بعيدًا عن الشق الأمني، الذي لم يقدم معلومات واضحة ولم يذهب للمحاكمة ليؤكد تلك الاتهامات الفضفاضة، أما أقرب الاحتمالات، حسب متابعين، فأن يكون ما حدث محاولة من الحكومة الحالية بقيادة مهاتير محمد، للتقارب مع التحالف السعودي الإماراتي وإرضاء التحالف بتسليم مطلوبين مصريين لنظام السيسي، والعودة لسياسة الحياد التام، بين التحالفات في الشرق الأوسط، بعد أن اتخذت ماليزيا خطوات تقاربية كبيرة مع الجانب التركي والقطري، عبر زيارات متكررة بين الجانبين.

فيما ليس من المستبعد كثيرًا في نفس الوقت، أن يكون هناك ما يتم في الخفاء من قيادات أمنية تتبع "أمنو"، داخل مؤسسات الدولة.

ويبدو الاحتمال الأخير مرجحًا بالنسبة لعديدين، فحتى بعد إعلان الجزيرة ترحيل الشباب إلي مصر كانت بعض المصادر تؤكد أن وزراء ومسؤولين، بينوا أنه لم يتم ترحيل الأربعة بعد، وفقًا لمصدرين مقربين من جماعة الإخوان المسلمين، أحدهم في ماليزيا.

تشير المصادر إلى أن الأزمة بدأت منذ عدة أشهر بشكل أكثر دقة عقب فوز تحالف هاربان (تحالف أمل) في الانتخابات الأخيرة، وتحديدًا بعد زيارة قام بها بعض قيادات جماعة الإخوان المسلمين في ماليزيا، للبرلمان الماليزي، لتهنئة تحالف المعارضة بالفوز في الانتخابات الأخيرة، باعتبار أن بعضهم يرى في الحكومة الجديدة أنها ذات توجه إسلامي، وهو ما بدا خطأ كبيرًا في الواقع.

خلال الزيارة، تصادف وجود نواب من حزب أمنو، الحزب الحاكم سابقًا، ووجه بعضهم  للوفد استفسارات حول سبب الزيارة، ولماذا لم تقم قيادات الجماعة بها من قبل للحكومة السابقة، ولم يجد قيادات الإخوان ردًا مقنعًا، وأكد مصدران مختلفان أن قيادات الإخوان تلقوا عبر وسطاء عبارات شبه تهديد من بعض نواب "أمنو"، رغم أن الحكومة السابقة لم تكن معادية للإسلاميين.

حوادث سابقة في ماليزيا

بالرغم من عدم وجود إمكانية لتأكيد تلك الواقعة، إلا أن مصادر خاصة بينت أنه عقب تلك المواجهة بدأت سلسلة من التضييقات طالت بعض المصريين، حيث كانت البداية باعتقال شاب مصري معارض، طلبت المصادر عدم ذكر اسمه، خلال سفره إلى سنغافورة، وأعادته السلطات من سنغافورة مرة أخرى إلي كوالالمبور، واحتجز بمبنى الاستخبارات الداخلية أو ما يعرف بـ"بوكت أمان"، وتدخلت بعض القيادات من الإخوان، وتمكنت من السماح له بالسفر لأحد الدول الأوروبية، بعد أن تلقى تهديدات عدة بترحيله لمصر، وإلغاء إقامته في ماليزيا.

 ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، ففي زيارة سريعة كان يقوم بها  بعض القيادات من خارج ماليزيا حدثت بعض المضايقات التي وصفها المصدر من خارج ماليزيا بالمهينة، لكنها لم تستمر طويلًا، وتدخلت قيادات من الخارج وانتهى الأمر. هذا بالإضافة إلى استدعاءات متكررة من جانب الأمن الماليزي لشخصيات معارضة من الإسلاميين، ما دفع بعضهم إلى السفر خارج ماليزيا، دون إبداء أسباب، وترفض قيادات الإخوان الحديث حول الأمر لإخفائه عن "الصف".

من الجدير بالذكر أن طريقة الترحيل تمت بشكل يطرح العديد من علامات الاستفهام، إذ حدث بشكل سريع للغاية ولم تعلم أسر المرحلين بذلك، بالرغم أن محمد فتحي أجرى اتصالًا بأسرته قبل صدور قرار الترحيل ولم يخبرهم بأي جديد، كما لم يطلب من المرحلين شراء تذاكر السفر كما هو متبع، ما أظهر السلطات وكأنها معنية بإنهاء الأمر بشكل سريع. وتشير بعض التوقعات إلى دخول السفارة المصرية على الخط وتحمل مصروفات سفرهم على نفقتها.

اقرأ/ي أيضًا: حسام بهجت.. العسكر في مواجهة صحافة التحقيقات

ومن الملاحظ أيضًا، أن الحكومة الماليزية رفضت تسليم الداعية ذاكر نايك للهند سابقًا، وجاء الرفض من الحكومة السابقة والحكومة الحالية، بالرغم من أن الهند طلبت بشكل رسمي.  وبعد وصول مهاتير محمد إلى الحكم استقبل ذاكر في مكتبه، وهو ما معناه أن تسليم المعارضين لحكوماتهم، ليس إجراء روتينيًا بالنسبة للسلطات الماليزية.

تشير مصادر من خارج الجماعة، حاولت التواصل مع مسؤولين ماليزيين في الساعات الأخيرة، أن قيادات الإخوان لم تتعامل مع الأمر بجديه منذ البداية وتركت الأزمة تتفاقم

وتشير مصادر من خارج الجماعة، حاولت التواصل مع مسؤولين ماليزيين في الساعات الأخيرة، أن قيادات الإخوان لم تتعامل مع الأمر بجديه منذ البداية وتركت الأزمة تتفاقم لأكثر من شهر، وتم الاستعانة  في النهاية بمحامين وفقًا لبعض المتابعين من كوالالمبور ليسوا أصحاب خبرة واسعة في مثل تلك القضايا، ولا يملكون صلاحيات للتواصل مع أصحاب القرار وتأجيل قرارات محورية كان من بينها قرار الترحيل المفاجئ، والذي علم به المحامي بالصدفة عندما حاول الحصول على تصريح بالزيارة لعائلة أحد المرحلين. هذا بالإضافة إلى الهجوم المتكرر من أعضاء الجماعة على من يحاول الحديث حول الأزمة واتهامه بأنه سيكون سببًا في تفاقمها. وأمام هذه الاحتمالات المفتوحة، فإن الأربعة المرحلين كانوا كبش فداء لقضايا تكبر أدوارهم، ولكنها تنهي أحلام بعضهم في حياة حرة حتى خارج الأوطان.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

بعد جولة من إخفائهما قسريًا.. ظهور الأعصر والبنا في نيابة أمن الدولة