04-سبتمبر-2019

مع استمرار فشل الوساطة الفرنسية، قد تتجه طهران نحو التصعيد (Getty)

حذر الرئيس الإيراني حسن روحاني الدول الأوروبية من أن بلاده ستبدأ المرحلة الثالثة من تقليص تعهداتها النووية في حال لم يتم التوصل لاتفاق نهائي معها، وذلك بالتزامن مع الجهود التي تقودها فرنسا لمحاولة إحداث انفراج في الأزمة المتصاعدة بين طهران وواشنطن، والتي انعكست بشكل واضح خلال الأشهر الماضية على أمن الملاحة البحرية في مضيق هرمز.

يدرك نتنياهو أن أي تحول في مستوى العلاقة بين واشنطن وطهران سيؤثر سلبًا على نتائج الانتخابات الإسرائيلية التي تجري يوم 17 من الشهر الجاري، نظرًا لارتكاز برنامجه الانتخابي داخليًا على إفشال البرنامج النووي الإيراني

طهران تحذر دخول تقليص تعهداتها المرحلة الثالثة

في كلمة  أمام البرلمان الإيراني قال روحاني الثلاثاء إن المفاوضات مستمرة بين بلاده وفرنسا بشأن تنفيذ الاتفاق النووي دون أن يتم التوصل لاتفاق نهائي، وأضاف مهددًا الدول الأوروبية بأنه إذا لم يتم التوصل لنتيجة نهائية فإن طهران ستبدأ بتنفيذ "المرحلة الثالثة من تقليص التعهدات"، مشددًا في الوقت نفسه أن طهران لن تجلس مع واشنطن على طاولة المفاوضات إذ لم ترفع الأخيرة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.

اقرأ/ي أيضًا:  هل يكون نووي إيران ذريعة لتهور آخر في سياسة أمريكا العسكرية؟

وكانت طهران قد أمهلت الدول الأوروبية المشاركة في الاتفاق النووي في تموز/يوليو الماضي حتى الخامس من الشهر الجاري لتنفيذ بنود الاتفاق النووي التي تقول إنها التزمت به في السابق، مهددة بأنه في حال لم يتم ذلك فإنها ستتخلى عن المزيد من التزاماتها، بعدما أعلنت في أيار/مايو من العام الجاري قرارات مرحلية لتخفيض تعهداتها النووية، وقامت حتى الآن بتنفيذ مرحلتين أوقفت فيهما تعهدات طالت إنتاج اليورانيوم والمياه الثقيلة، ورفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 4.5 بالمائة مع منح مهل مدة كل منها ستين يومًا.

وتجاوزت طهران خلال المرحلتين الحد المنصوص عليه في الاتفاق النووي لتخصيب اليورانيوم بنسبة 3.67 بالمائة، وفي هذا السياق أشارت وكالة إيسنا الإيرانية إلى أنه من المتوقع أن تتضمن المرحلة الثالثة من خفض التعهدات النووية زيادة عدد أجهزة الطرد المركزي أكثر من 5060، ورفع تخصيب اليورانيوم إلى أكثر من 4.5 بالمائة، ورفع القيود على تطوير أجيال أجهزة الطرد المركزي، فضلًا عن تطوير الجيل السادس من أجهزة الطرد المركزي.

جهود فرنسية لتخفيف الأزمة الإيرانية – الأمريكية

بدأت فرنسا جهودًا حثيثة لتخفيف حدة التوتر بين طهران وواشنطن الأسبوع الماضي، بعدما أقدم ماكرون على دعوة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى مدينة بياريتس الفرنسية، التي جرى خلالها لقاء بين الطرفين على هامش قمة مجموعة السبع، وأظهرت دعوة الدبلوماسي الإيراني تباينًا في وجهات النظر بين واشنطن وباريس انعكس في تصريحيهما، بعد نفي البيت الأبيض أن يكون لدى واشنطن علم بدعوة المسؤول الإيراني، ما دفع الرئاسة الفرنسية للتأكيد على أن الدعوة تمت بالاتفاق مع واشنطن.

وعلى الرغم من اصطدام الجهود الفرنسية بمجموعة من العراقيل التي تحول دون التوصل لصيغة نهائية تدفع واشنطن وطهران للجلوس على طاولة المفاوضات، برز نوع من الانفراج بشأن الأزمة المتصاعدة بين البلدين، بعدما أوضح نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أن ماكرون اجتمع مع نظيره الأمريكي دونالد ترامب خلال قمة مجموعة السبع حيثُ أبدى بعض المرونة حيال مبيعات النفط الإيرانية، لكنه أشار في الوقت عينه إلى أن هذه المرونة تعد خرقًا لسياسة الحد الأقصى من الضغط الذي تنتهجه واشنطن، ونجاح لسياسة الحد الأقصى من المقاومة الذي تبديه بلاده.

وكان المتحدث باسم الحكومة الإيرانية علي ربيعي قد أكد أول أمس الاثنين أن وجهات النظر بين بلاده وفرنسا أصبحت "أقرب في العديد من القضايا"، مضيفًا أن النقاشات الفنية تجري حاليًا "بشأن سبل تنفيذ التزامات الأوروبيين في الاتفاق النووي"، وجاءت تصريحاته بعد يومين من الاتصال الذي أجراه الرئيس الفرنسي مع نظيره الإيراني، شدد خلاله روحاني على أن تنفيذ جميع أطراف الاتفاق النووي تعهداتها وتأمين الملاحة الحرة في كافة الممرات المائية في الخليج ومضيق هرمز يشكلان هدفين لإيران في مباحثاتها الراهنة مع أوروبا.

مخاوف إسرائيلية من نجاح الجهود الفرنسية

تصطدم الجهود التي تقودها فرنسا لتخفيف التوتر المتصاعد في مياه الخليج بين طهران وواشنطن بالعراقيل التي يضعها مسؤولو الإدارة الأمريكية الذين يتخذون موقفًا متشددًا من طهران، رغم النبرة الهادئة التي ظهرت في تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بعد تأكيده في أكثر من مناسبة رغبته بالجلوس على طاولة المفاوضات مع الإيرانيين، لكن رغبة ترامب في تخفيف التوتر تصطدم بإصرار الإدارتين الأمريكية والإيرانية واتخاذهما موقفًا متشددًا يدور في فلك منع تقديم تنازلات لطرف على حساب الآخر، وهو ما يبدد الجهود الفرنسية الساعية لإحداث انفراج في الأزمة الراهنة بين البلدين.

وبطبيعة الأحوال فإن الجهود الفرنسية المبذولة لرأب الصدع المتزايد بين طهران وواشنطن تصطدم كذلك الأمر بتوجهات رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يبدي قلقًا متزايدًا من إمكانية حدوث تحول في موقف الإدارة الأمريكية من العلاقة الراهنة مع طهران، وهو ما كشفه الإعلام العبري عن شعور نتنياهو بالقلق بعدما تعمد ترامب تهميش مستشار الأمن القومي جون بولتون، المعروف عنه قيادته التيار الأمريكي المتشدد للذهاب مع طهران إلى المواجهة العسكرية، وكانت إحدى فصوله عدم دعوته لحضور نقاشات تجرى في البيت الأبيض حول مستقبل التعامل مع إيران.

ويدرك نتنياهو أن أي تحول في مستوى العلاقة بين واشنطن وطهران سيؤثر سلبًا على نتائج الانتخابات الإسرائيلية التي تجري يوم 17 من الشهر الجاري، نظرًا لارتكاز برنامجه الانتخابي داخليًا على إفشال البرنامج النووي الإيراني، ورغم أن نتنياهو كان من أكثر الأشخاص الذين دفعوا ترامب لإلغاء الاتفاق النووي مع طهران معلقًا آماله على حدوث إحدى النتيجتين: سقوط نظام الحكم الإيراني أو إجبار طهران على تقديم تنازلات، وجد في نهاية المطاف أن النتيجتين اللتين بنى آماله عليهما لم ينجحا بعد إظهار طهران مقاومتها للحصار الاقتصادي المفروض عليها من قبل واشنطن، والذي ظهر مؤخرًا في عدة حوادث من بينها الهجمات التي تعرضت لها ناقلات النفط في منطقة الخليج.

وحظيت الجهود التي تقودها فرنسا لإقناع واشنطن بتخفيف العقوبات التي أعادت فرضها على طهران، بدعم روسي، بعدما أشار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الإيراني جواد ظريف إلى أن الموقف الفرنسي يهدف للحفاظ على الاتفاق النووي بشكل كامل دون إضافات أو استثناءات، كما أنه هاجم السياسة التي تنتهجها الإدارة الأمريكية اتجاه طهران بوصفها بـ"الأعمال المدمرة".

طهران تستمر  في تطوير ترسانتها العسكرية 

منذ إعلان واشنطن انسحابها الأحادي من الاتفاق النووي الإيراني في أيار/مايو 2018، واتخاذ إجراءات مشددة بإعادة فرض العقوبات الاقتصادية على طهران، بدأت الأخيرة باتخاذ سلسلة من الإجراءات سمحت بطريقة غير مباشرة بإظهار سيطرتها على طريق الملاحة البحرية في مضيق هرمز، مؤكدًة على أن المضيق الذي يعبر منه يوميًا ثلث النفط العالمي غير آمن مالم يتم الجلوس معها على طاولة المفاوضات بدون شروط مسبقة.

وتعمل طهران بشكل متصاعد على تطوير ترسانتها العسكرية ما جعلها تصنف بين الدول الخمس المنتجة للطائرات المسيّرة، وفي هذا الإطار كشفت الأحد الفائت عن أحدث طائراتها المسيّرة "كيان" المصممة بخبرات محلية لمهام التصويب بدقة عالية، وأضافت أن كيان تتمتع بقدرة عالية السرعة لمهام الاعتراض والاستطلاع واستمرارية التحليق على ارتفاع خمسة آلاف متر، وتملك القدرة على تنفيذ ضربات جوية خارج الأراضي الإيرانية، فضلًا عن حملها أنواعًا مختلفة من الذخيرة.

كما أنها كشفت مؤخرًا عن منظومة الدفاع الجوي باور 373 التي تتفوق على منظومة S-300 الروسية بحسب المسؤولين الإيرانيين، وتقول طهران إن المنظومة الدفاعية الجديدة يمكنها اكتشاف ما يصل إلى 300 هدف في آن واحد وعلى مدى 300 كم، بالتزامن مع تعقب 60 هدف منها والاشتباك مع ستة منها، سواء كانت هذه الأهداف عبارة عن طائرات أو صواريخ باليستية، ويمكن تزويدها برادار أكبر لمراقبة المناطق يبلغ مداه 450 كم.

ويأتي كشف طهران عن المزيد من قدراتها العسكرية الجديدة بالتزامن مع ورود تقارير تتحدث عن دراسة بريطانيا زيادة مهام طائرات ريبر المسيرة المتمركزة في الكويت عبر نشرها في الخليج للمساعدة في عمليات الاستطلاع مع استمرار السفن الحربية البريطانية في مرافقة الناقلات التي ترفع علم بريطانيا في مضيق هرمز.

اقرأ/ي أيضًا: ترامب مستعد للقاء روحاني.. هل يتكرر نموذج بيونغ يانغ مع طهران؟

وتبحث عن مكان لها في الفضاء الخارجي

ولا تقف طهران في الوقت الراهن على تطوير ترسانتها العسكرية على الأرض إنما تشمل محاولة للوصول للفضاء الخارجي، وهو ما ظهر قبل أيام بعد محاولتها إطلاق الصاروخ سفير الذي يحمل القمر الاصطناعي الإيراني ناهيد 1 إلى الفضاء الخارجي، رغم تضارب المعلومات حول نجاح التجربة أو فشلها، بعد تغريدة ترامب التي تمنى خلالها للإيرانيين النجاح مستقبلًا عقب انفجار الصاروخ قبل انتقاله.

ولعل أهم ما جاء في تغريدة ترامب التي أرفقها بصورة التقطتها الأقمار الاصطناعية الأمريكية، أن هذه الصورة تحمل صيغة عسكرية عادة ما تعد غاية في السرية،  وهو ما أكده المحلل السابق لصور الأقمار الصناعية بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية باتريك إدينغتون، موضحًا أن الصورة التي أظهرت مشهدًا لدمار حول قاعدة إطلاق على خلفية انفجار كبير في مركز الفضاء الإيراني "جرى التقاطها عبر أكثر قدراتنا (واشنطن) في مجال الاستطلاع تقدمًا"، مشيرًا إلى أن تلك من "دون شك أخبار سارة لخصومنا"، في إشارة لتأكيد التقارير التي تتحدث عن عمليات التجسس التي تقودها واشنطن عبر الأقمار الاصطناعية.

لا تقف طهران في الوقت الراهن على تطوير ترسانتها العسكرية على الأرض إنما تشمل محاولة للوصول للفضاء الخارجي، وهو ما ظهر قبل أيام بعد محاولتها إطلاق الصاروخ سفير الذي يحمل القمر الاصطناعي الإيراني ناهيد 1 

ورغم أن معظم التقارير الصحافية تحدثت عن فشل طهران في إطلاق الصاروخ، فإن وزير الاتصالات الإيراني محمد جواد آذري جهرمي نفى قي تصريح له ما نقله ترامب في تغريدته، أو الصور التي نشرتها شركة بلانيت لاب وتظهر فيها حدوث الانفجار في مركز الفضاء الإيراني، مؤكدًا أن الصاروخ جاهز للتسليم إلى وزارة الدفاع لتتم عملية وضعه في المدار، كما قام بنشر صورة سيلفي مع قمر ناهيد 1 عبر حسابه الرسمي على تويتر، مرفقًا معها تغريدة باللغة الإنجليزية يقول فيها "أنا وناهيد 1 الآن، صباح الخير دونالد ترامب!".

وكانت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية قد أشارت في تقرير لها إلى إمكانية تدخل واشنطن في إفشال عملية إطلاق الصاروخ الإيراني، بعدما ذكرت توجهات إدارة ترامب لتفعيل برنامج تخريب ضد جهود إطلاق الصواريخ الإيرانية بتسريب أجزاء عاطلة عبر شبكات التجهيز التي تستخدمها إيران وما شابه، والتي كانت قد ألغيت تدريجيًا في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

 بين العقوبات ومزاجية ترامب..غيمة قلق فوق طهران

جذور السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.. الخليج وإيران نموذجًا