26-مارس-2021

آمال ومخاوف بشأن المرحلة القادمة في ليبيا (Getty)

الترا صوت – فريق التحرير

يتطلع الليبيون بكثير من الحذر والترقب إلى ما ستنجزه السلطة التنفيذية الجديدة التي تتولى تسيير دواليب السلطة طيلة مرحلة انتقالية تمتد من تاريخ المصادقة عليها من طرف مجلس النواب 10 آذار/ مارس 2021 وحتى تاريخ إجراء انتخابات الرابع والعشرين من كانون الأول/ ديسمبر 2021.

يتطلع الليبيون بكثير من الحذر والترقب إلى ما ستنجزه السلطة التنفيذية الجديدة التي تتولى تسيير دواليب السلطة

وحتى ذلك التاريخ الذي يُعتَبَر الوفاء باستحقاقاته تحديًا رئيسيًا للسلطة الجديدة بشقيها المجلس الرئاسي والحكومة، فإن ثمة 5 ملفات رئيسية على الأقل ستُشكل محك اختبار هذه السلطة الانتقالية التي تحظى بدعم محلي ودولي ملحوظ.

اقرأ/ي أيضًا: العثور على جثث في بنغازي.. أوّل اختبار لسلطة حكومة الدبيبة في مواجهة حفتر

الانتخابات واستئناف مسار الانتقال الديمقراطي

إن مصير الأزمة الليبية يرتبط إلى حد بعيد باستئناف مسار الانتقال الديمقراطي، ومن هذا المنطلق يمثل إجراء انتخابات الرابع والعشرين من كانون الأول/ ديسمبر نقطة فارقة في إعادة ليبيا إلى سكة الانتقال الديمقراطي بعدما حادت عن تلك السكة بفعل عوامل عدة داخلية وخارجية. وفي ظل ما يُشبه الإجماع الدولي والإقليمي على دعم السلطة الانتقالية واعتراف الفرقاء داخل ليبيا بالسلطة الجديدة والتوافق على برنامج سياسي محدد فإن حظوظ الحكومة بإنجاز الاستحقاق الانتخابي بدت كبيرة إلى حد ما، وإن كان البعض يرى أن الفترة المحددة لإنجاز الانتخابات قصيرة جدًا، حيث لا تتجاوز 10 أشهر، أخذًا في الاعتبار أن من بين مقتضيات إجراء الانتخابات تنظيم الاستفتاء على مسودة الدستور التي لمّا يصادق عليها مجلس النواب بعد، هذا بالإضافة لوضع قانون الانتخابات الذي هو من مهام مجلس النواب.

وبالتالي فلكي تنجح السلطة الجديدة في إجراء  الانتخابات بتاريخها المقرر الذي اتُّفق عليه في مباحثات جنيف سيكون على عاتقها العمل مع البرلمان، حتى يستئنف عمله التشريعي بصفة منتظمة، وفي أولوياته مسألة الدستور وقانون الانتخابات.

وكانت وكالة الأناضول  قد نقلت في هذا السياق عن رئيس المفوضية العليا للانتخابات عماد السائح قوله بأنه: " لا يتوقع إجراء الانتخابات في موعدها سواء تم إجراء الاستفتاء أم لم يتم" بسبب قصر المدة الزمنية أمام الحكومة ومقتضيات إجراء عملية انتخابية شفافة في ظل دستور للبلاد متفق عليه. وتبقى المسؤولية عن الانتخابات بناء على ذلك منوطة بالتوافق بين السلطة الجديدة ومجلس النواب.  

يُذكر أن عدم إجراء حكومة الوحدة الوطنية للانتخابات في موعدها سيحولها إلى حكومة تسيير أعمال، وذلك لحين الانتهاء من الانتخابات بحسب ما صرّح به سابقًا رئيس مجلس النواب عقيلة صالح في ختام الجلسة التي خصصت 10 آذار/ مارس لنيل الحكومة ثقة البرلمان.

توحيد الحكومة والمؤسسات

لا يقل ملف توحيد المؤسسات أهمية عن ملف الانتخابات، بل إن مصير ليبيا كبلد موحّد يتوقف على توحيد مؤسسات الشعب الليبي، خاصة المؤسسة الوطنية للنفط ومؤسسة البنك المركزي والقطاعين الأمني والعسكري، ومن مسؤولية السلطة الجديدة أن تتولى إدارة هذه المؤسسات السيادية بعد توحيدها، وتذكر المصادر أن المفاوضات بهذا الشأن قطعت مراحل متقدمة بين الفرقاء في الغرب والشرق الليبيين، خاصة وأن تشكيل الحكومة خضع لمحاصصة جهوية واضحة تم فيها تقسيم الوزارات السيادية والخدمية بناء على خريطة ليبيا الجهوية، وشرعت حكومة الوحدة الوطنية فعليًا في استلام المؤسسات في الشرق الليبي من الحكومة الموازية هناك، وذلك بعد أسبوع من مباشرة حكومة الدبيبة لمهامها.

 ويعدّ هذا الأمر مؤشرًا إيجابيًا على صعيد توحيد المؤسسات السيادية وعلى رأسها البنك المركزي والمؤسسة الليبية للنفط اللتين شُرع فعليًا بتوحيدها من خلال توحيد سعر الصرف وإنهاء احتجاز عائدات تصدير النفط الخام الذي استمر لأكثر من أربعة أشهر وتحويل تلك العائدات، إلى المصرف المركزي.

لكن يظل توحيد المؤسسة العسكرية في جيش نظامي وإنهاء الحالة المليشياوية أبرز تحدٍّ في هذا الصدد، ويرتبط هذا الأمر بحسب عدة مصادر بمستقبل الجنرال المتقاعد خليفة حفتر والتسوية التي سيتم التوصل إليها معه، علما أنه مطلوب في عدة قضايا متصلة بجرائم الحرب في الولايات المتحدة الأمريكية.

وبما أن المجلس الرئاسي يعتبر القائد الأعلى للجيش فإن أحد أبرز مهامه هو توحيد مؤسسة الجيش، والقضاء على ظاهرة المليشيات غير المنضبطة، علمًا وأن المتحدث باسم قوات حفتر أحمد المسماري سبق وأدلى بتصريحات قال فيها إن "المجلس الرئاسي هو القائد الأعلى للجيش الليبي، وإن هذا الأمر يُحتم أن يكون هناك تنسيق وتعاون كبير، فنحن نقع تحت السلطة (المجلس الرئاسي) والقانون والدستور". علمًا وأن قوات حفتر نابذت حكومة الوفاق المعترف بها دوليًا من قبل، وحاولت أكثر من مرة اقتحام العاصمة طرابلس وإسقاط الحكومة الشرعية.

 وتتميز الحالة الليبية حتى قبل الثورة بعدم وجود جيش نظامي حقيقي، حيث ظل القذافي يعتمد على كتائب منفصلة بدون عقيدة نظامية، وفاقمت الأحداث منذ 2011 وتأسيس حفتر لقوات في الشرق من تشرذم المؤسسة العسكرية الليبية. وتظل هناك الكثير من علامات الاستفهام حول حقيقة خضوع حفتر للسلطة الجديدة واستعداده لتوحيد مؤسسة الجيش تحت سلطة غير سلطته.

إخراج المرتزقة

يعدّ ملف المرتزقة تحديًا أساسيًا من التحديات التي تواجه حكومة الوحدة الوطنية، وتشير التقارير الأممية، وآخرُها التقرير الذي قدمه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لمجلس الأمن إلى استمرار وجود عناصر أجنبية في سرت ومحيطها ووسط ليبيا.

كما ربط عدد من وزراء الخارجية في الاتحاد الأوروبي نجاح الحكومة الانتقالية في إجراء الانتخابات في موعدها بشرط انسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة.

وينص اتفاق وقف إطلاق النار على مغادرة المرتزقة والمقاتلين الأجانب من ليبيا كلها في غضون 90 يومًا من تاريخه، لكن ذلك ما لم يحدث حتى الآن، ويمثل هذا الأمر تحديًا حقيقيًا للسلطة الجديدة، وسبق للمبعوثة الأممية ستيفاني وليامز أن كشفت أن أعداد المرتزقة في ليبيا يتجاوز 20 ألفًا، وتحدث تقرير للجيش الليبي التابع للحكومة قبل أسبوع عن قيام النظام السوري بتسيير 41 رحلة على طيران أجنحة الشام نقلت مرتزقة إلى مواقع سيطرة حفتر.

وقد دعا الدبيبة في كلمته أمام مجلس النواب المرتزقة والمقاتلين الأجانب المتواجدين في ليبيا إلى المغادرة، قائلًا: "المرتزقة خنجر في ظهر ليبيا، ولا بد من العمل على إخراجهم ومغادرتهم، وهو أمر يتطلب الحكمة والاتفاق مع الدول التي أرسلتهم".

ومن المنتظر أن يُسهم الضغط الدولي، ولاسيما الأمريكي والأوروبي، في تسريع إخراج المرتزقة، في ظل عدم امتلاك السلطة الجديدة لسلطة فعلية عليهم وعلى الأطراف التي تستجلبهم في شرق ليبيا.

المصالحة في ليبيا

بحسب ما هو واضح من تقسيم الملفات بين مكونات السلطة التنفيذية الجديدة، يبدو أن ملف المصالحة منوط أساسًا بالمجلس الرئاسي الذي يرأسه محمد المنفي الذي دشّن تسلمه لمهامه بزيارات قادته إلى مناطق الشرق والجنوب والوسط الليبي. كما كان ملف المصالحة مدار كلمة المنفي التي ألقاها أثناء أداء الحكومة لليمين أمام مجلس النواب الخامس عشر من آذار/ مارس في مدينة طبرق.

وتسببت الحرب في ليبيا بفتح جروح كثيرة خاصة بين القبائل الليبية تلك التي ناصرت القذافي أو وقفت مع الثورة، وتعمق الانقسام نحو انقسام جهوي في العام 2014 بإطلاق الجنرال المتقاعد خليفة حفتر لعملية الكرامة ومحاولته اقتحام طرابلس بالقوة، ما تسبب في سقوط عدد كبير من الضحايا، فضلًا عن جرائم الحرب المرتكبة.

ويحتل ملف المهجرين من بنغازي وتاورغاء والأحياء الجنوبية من طرابلس، أهمية كبيرة لناحية عودتهم إلى مناطقهم التي هجّروا منها بسبب الحرب، هذا إضافة إلى ملف الأسرى لدى الطرفين في الشرق والغرب.

الملفات الخدمية

تمثل السيطرة على وباء كورونا الاختبار العملي الأول للسلطة الجديدة، وقد كان ملف الجائحة أول ملف فتحه رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة عقب حصوله على ثقة البرلمان، ولم يخف الدبيبية استياءه من التقارير حول الميزانيات التي أنفقت فترة الجائحة للسيطرة عليها دون أن تؤدي فعليًا إلى نتائج ذات قيمة، ولذلك قررت الحكومة حل "اللجنة المكلفة بمكافحة جائحة كورونا"، التي شكلتها حكومة الوفاق.

وتُسجل ليبيا، حسب المصادر، معدلات مرتفعة في نسب الإصابة بفيروس كورونا، حيث تحتل المرتبة 72 عالميًا من حيث عدد الإصابات (نحو 150 ألف إصابة) بمعدل يفوق ألف إصابة يوميًا، رغم أن عدد سكانها لا يتجاوز 7 ملايين نسمة.

يُذكر أن ليبيا لم توفر اللقاح لمواطنيها حتى الآن، ومن بين التعهدات التي أطلقها الدبيبة تعهد يقضي بتوفير اللقاح للمواطنين والمقيمين في أسرع وقت، وأعلن  المركز الوطني لمكافحة الأمراض في ليبيا في الثاني عشر من شهر آذار/مارس الحاري، فتح باب التسجيل في منظومة التطعيم ضد الفيروس، في ظل معلومات تتحدث عن وصول أول جرعات من اللقاح نهاية شهر آذار /مارس الجاري.

إن مصير الأزمة الليبية يرتبط إلى حد بعيد باستئناف مسار الانتقال الديمقراطي، ومن هذا المنطلق يمثل إجراء انتخابات الرابع والعشرين من كانون الأول/ ديسمبر نقطة فارقة

أما مشكلة الكهرباء فتمثل هي الأخرى إحدى المشاكل الخدمية التي يُطالب الليبيون حكومتهم الجديدة بحلّها، خاصة وأنهم خرجوا عدة مرات إلى الشارع في طرابلس ومدن الشرق احتجاجًا على تردي خدمات الكهرباء والانقطاع المتكرر لها، وأحد أسباب أزمة الكهرباء في ليبيا ضعف الشبكة إجمالا، وتعرضها للتدمير والتخريب خلال المعارك التي جرت بعدة مدن سواء طرابلس أو بنغازي أو درنة (شرق)، إضافة للإغلاق المتكرر لحقول وموانئ النفط من طرف مليشيات حفتر.