03-مايو-2019

يستمر الصراع على الانتقال السياسي في السودان مع هواجس متزايدة (فيسبوك)

رغم مرور نحو شهر تقريبًا على سقوط الرئيس عمر البشير في السودان، إلا أن الرؤية حتى الآن تبدو ضبابية، كما لو أن النظام السابق لا زال متحكمًا بصورة ما في مجريات الأوضاع، وفي الوقت عينه تفجرت المخاوف من تخلق ثورة مضادة، بدفع من أجندة خارجية، وسط استقطاب حاد ونزاع بين الجيش وقوى المعارضة حول انتقال السلطة إلى حكومة مدنية بكامل الصلاحيات، وهو أمر بات شبه مستحيل إزاء تمدد سيطرة المجلس العسكري بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان.

رغم مرور نحو شهر تقريبًا على سقوط البشير في السودان، إلا أن الرؤية حتى الآن تبدو ضبابية، كما لو أن النظام السابق لا زال متحكمًا بصورة ما في مجريات الأوضاع

لأكثر من مرة ظهر قادة المجلس العسكري لتأكيد عدم رغبتهم في الحكم، وأن انحيازهم لمطالب الشارع السوداني أملته دوافع وطنية محضة، مدعين أنه لا يمكن بأي حال وصف ما جرى في السودان بالانقلاب العسكري، لكنها رسائل رغم تكرارها بشكل يومي لم تهد من ثائرة المحتجين، وتطلعاتهم لتحقيق تحول ديمقراطي مضمون.

خلافات الجيش والمعارضة

نفى رئيس المجلس العسكري عبد الفتاح برهان قبل أيام وجود خلافات عميقة مع قوى المعارضة السودانية ممثلة في قوى الحرية والتغيير، وقال إن الهدف واحد، مضيفًا في مقابلة تلفزيونية مع قناة العربية السعودية، أننا "نحن في المجلس العسكري نعمل بشفافية ولا يوجد لدينا رأي قاطع الآن، بل حريصون على التشاور مع القوى كافة، ويهمنا أن نصل إلى اتفاق بشأن ترتيبات المرحلة الانتقالية".

اقرأ/ي أيضًا: الشارع السوداني ينتفض ضد الجوع والقمع.. لا شيء لدى السلطة إلا "البوليس"

لكن برهان أيضًا الذي ظهر بشكل أثار عاصفة من الاستفهامات في قنوات محسوبة على المحور السعودي الإماراتي، هو ونائبه محمد حمدان دقلو، الشهير بحميدتي، أشاد بدعم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مشددًا على أن السعودية والإمارات هم الأقرب لهم، قائلًا إن "علاقتنا بهم سوف تسير نحو الأفضل وهذا ليس إطراء".

أنصار الحلف السعودي 

وجد المجلس العسكري نفسه أمام موجة احتجاج جديدة، ترفض بصورة واضحة انحياز السودان إلى أي محور إقليمي، أو توجيه مسار العلاقات الخارجية لخدمة أي أجندة في هذه الفترة، وفقًا لتصريحات قادة قوى الحرية والتغيير. لكن حزب الأمة القومي بقيادة الصادق المهدي ربما ذهب في اتجاه مغاير وهو يقترب من المجلس العسكري، وقد رشحت معلومات عن زيارة سرية تقوم بها هذه الأيام مريم المهدي إلى دولة الإمارات، بجانب تماهي الحركات المسلحة أيضًا مع ذات المحور، تحديدًا الحركة الشعبية، التي قبلت وساطة أبوظبي بينها وبين المجلس العسكري، باستثناء حركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم، التي التزمت بمنبر الدوحة لسلام دارفور، ونتيجة لذلك لم يتم دعوتها لزيارة الإمارات .

ولم تخف الحركة الشعبية عبر أحد أبرز قادتها وهو ياسر عرمان نزوعها إلى المحور السعودي، وكتب عرمان مقالًا لتبرير زيارة أبوظبي أشار فيه إلى ضرورة التحالف مع قوى إقليمية لا ترغب في عودة الإسلاميين إلى السلطة، وذات برنامج واضح في مناهضة الإسلام السياسي، وزعم عرمان بأن هذه الدولة التي لم يسمها صراحة "ليس بالضرورة أنها تسعى لبناء نظام جديد في السودان، لكنها حليف حقيقي في المعركة ضد دولة التمكين وعلينا التعامل معها بلا تردد"، مدعيًا أن حركات الإسلام السياسي لها حلفاء إقليميون ودوليون، وأنه يتوجب القبول بجبهة وتحالف إقليمي ودولي لتفكيك من وصفهم بأركان دولة الإسلاميين .

مليونية الدولة المدنية

من جهتها اختارت قوى الحرية والتغيير الخميس يومًا لحشد ملايين السودانيين في محيط مقر قيادة الجيش، حيث يتواصل الاعتصام، وامتلأت شوارع وسط الخرطوم بالثوار من شتى أنحاء السودان للمطالبة بنقل السلطة إلى حكومة مدنية، وذلك بعد  تعثر المفاوضات بين قوى "إعلان الحرية والتغيير" والمجلس العسكري الانتقالي بشأن الحكومة الانتقالية، وتمثلت أبرز نقاط الخلاف في تكوين ومهام المجلس السيادي، وسيطرة الجيش، وفترة الحكومة الانتقالية، حيث اقترح المجلس العسكري عامين فقط، ونسبة أكبر له داخل المجلس السيادي الذي يعتبر بمثابة رأس الدولة، على أن يكون عبد الفتاح البرهان رئيسًا للمرحلة الانتقالية.  

 

وثيقة المرحلة الانتقالية 

ودفع تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير رؤيته للمجلس العسكري بشأن السلطة الانتقالية وهياكلها وصلاحياتها، وذلك عبر وثيقة شاملة للمرحلة المقبلة ركز فيها على أن يكون للقوى التي أسهمت في التغيير دورًا مركزيًا بهذه الحكومة، وأن يترك لها حرية اختيار الوزراء ونواب المجالس التشريعية، بجانب تقليص التفويض والتمثيل العسكري في جوانب محددة.

ونصت الوثيقة التي حصل "ألترا صوت" على نسخة منها على أن تكون مدة الفترة الانتقالية أربع سنوات، وتشكيل مجلس وزراء انتقالي يتكون من 17 وزيرًا بحد أقصى تختارهم قوى الحرية والتغيير، على أن يتولى هذا المجلس صلاحية "إعلان الطوارئ ووضع السياسة العامة للدولة". وركزت الوثيقة أيضًا على تكوين مجلس سيادي مشترك "مدني عسكري" بصلاحيات محددة يتم اتخاذ القرار فيه بموافقة ثلثي الأعضاء. 

اقرأ/ي أيضًا: عطش بورتسودان وظلامها.. احتجاجات تعم عاصمة البحر الأحمر السودانية

بدوره أعلن المجلس العسكري الانتقالي تسلمه الوثيقة، وقال إنه عكف على دراستها توطئة للرد عليها، دون تحديد سقف زمني لذلك، لكن قوى المعارضة الأخرى رفضت تلك الوثيقة، والتي سوف ترهن إدارة البلد فقط بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، لعهدة انتخابية كاملة دون استحقاق انتخابي، لكن قوى الحرية والتغيير أشارت أكثر من مرة أنها تستمد شرعيتها من الشارع السوداني الذي ظل يستجيب لدعوات الاعتصام وتسيير المواكب بشكل يومي، فيما لوح تجمع المهنيين بإعلان العصيان المدني والإضراب العام حال فشل التفاوض مع المجلس العسكري، أو التباطؤ في نقل السلطة للمدنيين.

الوساطة والاستفتاء 

مع نذر الخلافات والشكوك تسعى لجنة وساطة يقودها رجل الأعمال السوداني أسامة داوود وشخصيات أكاديمية أخرى لتوفيق وجهات النظر بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، وقدمت الوساطة مقترحًا للمجلس العسكري حول تكوين مجلس السيادة بأغلبية مدنية، ورئاسة الفريق عبد الفتاح له، على أن يختص المجلس بالسلطات السيادية، واللجوء للتصويت لفض نزاعات الأعضاء، وهو حتى الآن ما يصعب التكهن بقبول قيادة الجيش به على نحو كامل ونهائي، أو الموافقة على المطالب التي تسعى به للعودة للثكنات.

مع استمرار تعنت كل طرف في السودان ربما تمضي الأمور إلى خيار الاستفتاء حول طبيعة وصلاحيات المجلس العسكري والفترة الانتقالية، كما حدث في مصر، وهو ما يثير تخوفات واسعة

ومع استمرار تعنت كل طرف ربما تمضي الأمور إلى خيار الاستفتاء حول طبيعة وصلاحيات المجلس العسكري والفترة الانتقالية، كما حدث في مصر، ومن ثم الدفع بعبد الفتاح البرهان مرشحًا مستقلًا للرئاسة بعد الإعلان عن انتخابات مبكرة، وهو خيار غير مستبعد بالمرة مع وفرة حظوظ البرهان المدعوم من الخارج وما يعرف أيضًا بالدولة العميقة .

 

اقرأ/ي أيضًا: 

حراك السودان ومعركة الحكومة المدنية.. تحولات حاسمة