18-يوليو-2022
غرافيتي في اليمن

غرافيتي في اليمن

في إحدى حلقات المسلسل السوري الكوميدي "عيلة سبع نجوم" يظهر الفنان باسم ياخور "شفيق" بمظهر المتشكّك من خيانة زوجته له، يَظهر ياخور في مشهد مُضحك وهو يقوم بإخراج لسانه في محاكاة لصورة الحية وإطلاقها كصورة تشبيهية للنساء جميعًا، ويُعقّب ضمن إطار تأديته لحركته التشبيهية التعميمية تلك: "حيايا كلكّن حيايا".

قام الرجل باستخدام الرموز الثقافية المختلفة، من أساطير ودين وفلسفة، حيثُ استخدمها جميعها في تكريس صورة معينة عن المرأة

 

وإنّ استذكاري لتلك المشهدية في ذلك المسلسل كان على إثر ما قرأته وأوردته سيمون دي بوفوار في كتابها  "الجنس الآخر"، حيثُ تقوم دي بوفوار في كتابها بالتعرّض إلى التاريخ الاضطهادي للنساء، وتُورد فيه بأنّ الرجل يُعتبر المساهم الأبرز في صناعة وتكريس هذا التاريخ، وتبيّن دي بوفوار أنّ الرجل قام بصناعة وتكريس هذا التاريخ الاضطهادي ضدّ النساء عبر استغلال مفهوم الطبيعة البيولوجية للمرأة وما جاء حول هذه الطبيعة من أساطير قديمة تصوّر المرأة بالكائن الضعيف والناقص والمدّنس والماكر، حيثُ تؤكّد دي بوفوار أنّ الرجل قام باستغلال هذه الأساطير من أجل التحكّم في المرأة وإحكام السيطرة عليها وإخضاعها.

وتوضّح دي بوفوار في كتابها –أيضًا- أنّ الرجل قام باستخدام الرموز الثقافية المختلفة، من أساطير ودين وفلسفة، حيثُ استخدمها جميعها في تكريس صورة معينة عن المرأة. أطلقت عليها دي بوفوار مفهوم ميثولوجيا "الأنثى الأبدية"، وهو مفهوم يحاول الرجل عبره إلغاء ومحو صورة المرأة الحقيقية، لتبقى صورة واحدة مكرسة عنها هي الصورة التي يُنتجها هو على اعتباره القوة المسيطرة عليها وعلى العالم.

وتبعًا لذلك، يُمكن القول بأنّ صورة الأنثى الأبدية هي صورة موجودة في كافة الثقافات، حيثُ تظهر تمظهراتها في الأقوال والأساطير الدينية والشعبية والتراثية التي تأتي –في كل ثقافة- لتنسب إلى المرأة صفات المكر والضعف والقصور وغيرها من الصفات الأخرى، التي تجيء بما يؤكّد على دونية المرأة وتأخرها عن مكانة الرجل ومركزه.

وضمن السياق السابق، فإنّه بإمعان النظر في الثقافة العربية الإسلامية فإنّه يُمكن العثور على العديد من الأقوال والأساطير الدينية والشعبية والتراثية، التي جاءت بما يخدم صورة المرأة كما هي في مفهوم الأنثى الأبدية، حيثُ إنّها جاءت لتقرن بالمرأة صفات المكر والخديعة والثعلبية وغيرها من صفات النقص والضعف والقصور، وأحد أبرز هذه الأقوال هي مقولة الكيد المتأصّل في المرأة، حيثُ يتمّ دائمًا الاستشهاد بالآية القرآنية الواردة في سورة يوسف: "إنّه من كيدكنّ إن كيدكنّ عظيم"، من أجل إثبات تلك المقولة وإقرارها كمقولة تُمثّل إحدى الصفات الملازمة للمرأة والثابتة فيها. وإنّ الاستشهاد بالآية السابقة يتمّ عبر فصلها عن سياقها التفسيري الكلي، الذي جاءت فيه لوصف فِعل امرأة العزيز وتآمرها على النبي يوسف عليه السلام، وإطلاقها كحكم تعميمي شامل لكلّ النساء.

وإنّ صفة الكيد الأنثوي التي تحملها تلك المقولة التعميمية تأتي بما يخدم التصوّر الذكوري للجسد الأنثوي بما هو جسد محدّد الأدوار، تتمثّل وتُختزل أدواره في لعب دور الصائد الذي يستعمل كلّ إمكانيات الغواية والمكر والكيد التي فيه للإطاحة بالرجل والإيقاع به.

ومن الأقوال التي تأتي بما يُكرّس صورة المرأة كأنثى أبدية تلك المقولة السائدة في كتب التراث حول لعنة المرأة الأبدية (الدورة الشهرية)، وهي مقولة تنسب كلّ المظاهر البيولوجية الطبيعية في جسد المرأة وغيرها من الأحكام الفقهية الواردة بشأنها وتقوم بردها إلى خطيئتها الأولى (إغواء آدم بأكل التفاحة وخروجه من جنة عدن)، ويُمكن ملاحظة تلك المقولة في ما أورده الغزالي في كتابه "التبر المسبوك في نصيحة الملوك" حيثُ قال: "إنّ كافة الآلام التي أصابت المرأة جاءت نتيجة لخطأ حواء في جنة عدن، أين عوقبت بثمانية عشر عقوبة، منها الولادة والحيض ولا تملك أمر نفسها وتغطي رأسها والطلاق في غير يدها"، وأكمل قائلًا: "وعلى الحقيقة كلّ ما ينال الرجل من البلاء والهلاك والمحن فبسببهنّ".

المتابع للمقولات السائدة في الأوساط الشعبية العربية والإسلامية حول المرأة يُلاحظ أنّ الكثير منها هي مقولات تأتي لتُكرّس صورة المرأة كما هي موجودة في مفهوم الأنثى الأبدية

وإنّ مقولة اللعنة الأبدية للمرأة هي مقولة تظهر في الأساطير الدينية التي جاءت لتتناول علاقة الرجل بالمرأة، والمرأة بالشيطان، والشيطان بالحية، ومن ذلك ما ورد في كتاب الطبري والذي تقول فيه الأسطورة بأنّ إبليس (الشيطان) قام بعرض نفسه على جميع الدواب التي على الأرض، وطلب منها أن تحمله وتدخل به الجنة بعد أن تمّ منعه من دخولها، فرفضت الدواب ذلك، فذهب إلى الحية وحدّثها بطلبه وقال لها: إن أنتِ أدخلتني الجنة أحمكِ من ابن آدم وتُصبحي في ذمتي. وتروي الأسطورة بأنّ الحية كانت دابة لها أربعة قوائم وتُشبه البعير، وأنّها جعلت إبليس بين نابين من أنيابها ودخلت به الجنة. حيث تُورد بأنّ خطيئة حواء الأولى كانت عندما كلّمها إبليس، فقامت بإغواء آدم بأكل التفاحة وعوقبت بالطرد من الجنة، حيثُ تبع ذلك إحلال اللعنة الأبدية عليها بالإدماء الشهري المتمثل بالدورة الشهرية.

أخيرًا، فإنّ المتابع للمقولات السائدة في الأوساط الشعبية العربية والإسلامية حول المرأة يُلاحظ أنّ الكثير منها هي مقولات تأتي لتُكرّس صورة المرأة كما هي موجودة في مفهوم الأنثى الأبدية، فهذه المقولات جميعها هي مقولات مستمدة من هذا المفهوم ومستقاة منه، وهي مقولات تأتي لتصوّر المرأة على أنّها أسّ وأساس كلّ الشرور والآلام التي في العالم، وكأنّ المرأة هنا هي باندورا التي ارتبط خلقها بكشف غطاء الصندوق الذي يحمل كلّ آلام وأمراض وشرور العالم!