27-أكتوبر-2015

إحدى المدارس الموريتانية(ألترا صوت)

يواجه التعليم الحكومي بموريتانيا منذ عقود حالة من ضعف المخرجات يرجعها متابعون للشأن التعليمي إلى جملة أسباب، يأتي في مقدمتها غياب تشجيع المدرس وضعف البنى التحتية. وهو ما جعل موريتانيا تحل في المرتبة 134 من حيث جودة التعليم من أصل 140 دولة شملها التقرير الصادر في أكتوبر/تشرين الأول الجاري عن مؤشر التنافسية العالمي GCI. وأفضت هذه الحالة إلى تراجع ثقة المواطن الموريتاني في التعليم الحكومي ببلاده، ما شجع ظهور وانتشار مؤسسات التعليم الخاص التي تكاد تكتسح الساحة التعليمية في المدن الكبرى.

تحتل موريتانيا المرتبة 134 من حيث جودة التعليم من أصل 140 دولة شملها التقرير الصادر في أكتوبر/تشرين الأول الجاري عن مؤشر التنافسية العالمي GCI

تقطن مريم بنت سيدي في حي "الترحيل" الشعبي بنواكشوط. تقول مريم لـ"ألترا صوت"، إنها "تسخر عائدات عملها اليدوي البسيط للإنفاق على دراسة ابنيها في مدرسة خاصة، وتنفق مبلغًا يقارب المئة دولار شهريًا كرسوم لدراسة ابنيها في الأول والثالث إعدادي". ومع انتقادها لأداء مؤسسات التعليم الخاص، إلا أن مريم تفضل إلحاق ابنيها بهذا النمط من التعليم دون تراجع وتتهم وزارة التعليم بالتواطؤ مع القائمين على مؤسسات التعليم الخاص. وتضيف: "تفرض الدولة التعليم الخاص حتى على الفقراء وذلك بإفسادها التعليم الحكومي".

وعن أسباب توجهها نحو التعليم الخاص، تقول مريم إن "معرفتها بالمدراس الحكومية وضعف مخرجاتها تجعلها غير واثقة من مستقبل دراسة الأبناء فيها". وتضيف: "سبق وأن التحق أبنائي بمدرسة حكومية، وكنت ألاحظ أن مدرسهم يتغيب كثيرًا دون رقابة أو متابعة من إدارة المدرسة، كما أن اكتظاظ التلاميذ في الفصول لا يسمح لهم بالاستفادة، وقد لاحظت أيضًا أنهم لم يكتسبوا أي جديد يذكر طيلة أشهر، رغم أن المدرسة تحرص على إنجاح التلاميذ في الامتحانات وهذه مغالطة للأهالي".

أما المختار ولد يحظيه، القاطن بحي "تفرغ زينه" الراقي في نواكشوط، فيرى أن "مؤسسة التعليم الحكومي بموريتانيا لم تعد تلبي الحد الأدنى من جودة التعليم"، ويستذكر أيام دراسته منتصف السبعينيات بنواكشوط: "في الواقع يحتاج الموريتانيون إلى قدوات بجانبهم دائمًا. لقد كان يدرسني في المرحلة الثانوية طاقم من الأساتذة نسبة 40 في المئة منهم أجانب من جنسيات فلسطينية وفرنسية وغيرها. كانت الجدية التي يتحلون بها تخلق حيوية لدى بقية الطاقم الموريتاني"، ويضيف: "أجزم أن الحاصل على مستوى السادسة ابتدائي حينها أفضل مستوى وتحصيل علمي بكثير من خريج الجامعة الآن".

يرى الكثيرون أن مؤسسات التعليم الحكومي في موريتانيا لا تلبي الحد الأدنى من جودة التعليم

يقول ولد يحظيه: إنه "ينفق الآن حوالي ألف دولار شهريًا وهو ما يعادل راتب ثلاثة مدرسين كرسوم لدراسة أبنائه الأربعة في مدرسة خاصة"، ويشير إلى أن "هناك مؤسسات خاصة أقل تكلفة لكنه يعتبرها لا تختلف كثيرًا من حيث جودة التعليم عن المؤسسات الحكومية". وقد أعلنت وزارة التهذيب الموريتانية عن إغلاق أكثر من 80 مدرسة خاصة في سبتمبر/أيلول 2015 بحجة أنها لا تتوفر على تراخيص مكتملة، كما أطلقت تحذيرات للقائمين على هذه المؤسسات بضرورة إكمال متطلبات الترخيص.

وعرف مطلع العام الدراسي الحالي أيضًا جدلًا بين الوزارة التي أقرت تأجيل الافتتاح الدراسي وبين مدارس التعليم الخاص التي حاول بعضها بدء الدراسة في موعدها المحدد مسبقًا، قبل أن تنجح الوزارة في إلزامها بالانصياع لموعد الافتاح الذي أقرته الوزارة. وإلى جانب مؤسسات التعليم الخاص الوطنية، التي يصل عددها المئات، ولبعضها فروع في نواكشوط ومدن الداخل الموريتاني، تحقق المدارس الأجنبية رواجًا كبيرًا بموريتانيا خصوصًا الفرنسية منها والتركية، التي باتت تشهد إقبالًا من الأثرياء وأبناء الأسر في الأحياء الراقية بنواكشوط ما أدى إلى ازدياد وانتشار فروعها.

وهو إقبال تعززه المنافسة وجودة التعليم المقدمة في هذه المدارس بالمقارنة مع ما تقدمه مؤسسة التعليم الحكومي، إلا أن هذه المؤسسات لا تعتمد النظام التربوي الوطني وهو ما جعلها تدخل في صراع مع وزارة التهذيب، كان من آخر مظاهره إلزام الأخيرة للمدرسة الفرنسية "petit centre" في نواكشوط إدراج ترخيص من الوزارة ضمن مكونات ملف التسجيل لكافة التلاميذ الراغبين في الالتحاق بالمدرسة الفرنسية، تطبيقًا لقانون تقول الوزارة إنه ساري المفعول بالنسبة لجميع المؤسسات التعليمية الخاصة والتي لا تلتزم بالنظام التربوي الوطني.

اقرأ/ي أيضًا: 

موريتانيا.. مبادرة لدعم مكتبات المعاهد والمدارس

طلاب تونس وحلم الجامعة الخاصة

لا جامعات خاصة في الجزائر!